رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

حكايات من دفتر أحوال الشقيانين في رمضان

بوابة الوفد الإلكترونية

«عم سيد»: دعوات الناس تشعرنى بدفء رمضان

الشقيقان «سعيد وصابر»: الجرى ورا لقمة العيش يحرمنا من إفطار البيت

«زينب»: الآذان يفاجئنى فى الطريق.. وأجرح صيامى فى المواصلات

 

عقارب الساعة تقترب من وقت الإفطار.. الجميع يسرعون إلى منازلهم.. حالة من الدفء الأسرى وأجواء روحانية وسط تحضير الإفطار، وغيرهم يواصلون رحلتهم الشاقة فى الشوارع للعمل، يعيشون أجواء مغايرة تمامًا قد تكون أشد قسوة لغيرهم.

سخروا حياتهم لخدمة غيرهم، يعملون خلف الكواليس ويقدمون الخدمات الأساسية التى لا غنى عنها، لكنهم لا يشعرون بمذاق الإفطار، ولا يستمتعون بتلك اللحظات التى يتجمع فيها غيرهم على مائدتهم، كثير منهم غير مرئيين لنا، لكن نلمسهم فى وجباتنا التى نتناولها فى شوارعنا النظيفة وحالة الأمن والأمان التى نعيشها.

على رأس هؤلاء رجال الشرطة الذين تجدهم فى الشوارع يواصلون عملهم بلا ملل، وغيرهم من عامل الدليفرى الذى تدفعه ظروف العمل للانطلاق فى ساعات متأخرة من النهار وحتى ما بعد المغرب ليضمن وصول الطعام إلى غيرهم فى وقت الإفطار.

أما فى القطاع الطبى، فإن رجال الإسعاف يواصلون عملهم أيضًا بلا انقطاع. فى لحظات تتطلب التدخل السريع لإنقاذ الأرواح، لا يتوانى هؤلاء الأبطال عن تقديم المساعدة، سواء أثناء النهار أو الليل، فى حين أن بعضهم قد يكون صائمًا ويواجه صعوبة فى العمل وسط الظروف القاسية.

وفى الأحياء الشعبية تجد النساء الريفيات اللاتى يأتين من القرى والريف إلى المدن، كثير منهن يعملن طوال اليوم فى بيع البيض والجبن من على عربات صغيرة فى الشوارع، يتحملن مشقة السفر مسافات طويلة، يقدمن سلعهم للأسر التى تنتظر وصولهن عند الإفطار، ورغم الجهد البدنى الكبير، إلا أنهن يواصلن عملهن بكرامة وصبر، دون أن يتمكنّ من الاستمتاع بوجبة الإفطار مع عائلاتهم.

بعد تناوله وجبة السحور ومع أذان الفجر، يبدأ «عم سيد» تحضير عربته الحديدية ويبدأ جولته الشاقة لتنظيف الشوارع والممرات التى تزدحم بالمواطنين طوال اليوم.

وفى النهار، يحاول أن يظل صائمًا صامدًا أمام مشاهد المارة الذين يسرعون إلى منازلهم، ومع اقتراب موعد الإفطار، يتنقل عم سيد من شارع إلى آخر، يساعد فى رفع القمامة، ويجمع الأوراق والزجاج المكسور، ويتأكد من أن كل شىء فى مكانه الصحيح قبل أن يلتفت ليغادر.

ومع حلول آذان المغرب، تكون الشوارع قد امتلأت بالروائح الزكية للأطعمة المنتشرة على موائد الإفطار، ويظل هو فى الشارع، لا يملك سوى صوته الهادئ وهو ينادى «الله أكبر» مع آذان المغرب.

عندما يحين وقت الإفطار، يجلس عم سيد على حافة الرصيف فى الشارع. يحمل بيده طعامًا بسيطًا جمعه من منزل أحد الجيران أو من مطعم قريب.

يقول عامل النظافة بصوت يحمل العديد من المآسى: رغيفًا من الخبز مع قطعة من الجبن أو طعامًا بسيطًا يكفى لأشباع جوعى بعد ساعات طويلة من العمل.

لا يتذمر، ولا يشتكى. لكن قلبه ملىء بالقناعة، يعلم أن كل دقيقة يعمل فيها تعنى دخلاً إضافيًا يساعده على تأمين احتياجات أسرته، ويقول: «ما بحبش أضيع وقتى فى الراحة، لما أنام لازم أكون تعبان، علشان أكمل الشهر وأقدر أجيب لعيالى اللى هم محتاجينه».

عم سيد يعيش مع زوجته وأطفاله فى شقة صغيرة فى حى شعبى، رغم تقدم عمره إلا أن أكبر أطفاله لديه 10 سنوات، وقال: «أتجوزت وسنى متأخر بعد ما قدرت أكون نفسى».

عمله كعامل نظافة لا يحقق له دخلًا كبيرًا، لكنه يعتمد على المساعدات الرمضانية التى تأتى له، ورغم قلة المال، فإنه لا يتوانى عن مساعدة أى شخص يحتاج إلى يد العون. قد يساعد جيرانه فى حمل شىء ثقيل أو تقديم بعض النصائح للشباب، فهو شخصية اجتماعية يعشق الحياة ويحب أن يكون بجانب الآخرين فى كل المناسبات.

بعد أن ينتهى من إفطاره فى الشارع، يتابع «عم سيد» عمله حتى ينتهى من تنظيف آخر جزء من الشارع، وفى نهاية اليوم، يعود إلى منزله وقد جمع بضع جنيهات من عمله، وهو مبلغ قد لا يكون كبيرًا، لكنه يكفى لتغطية احتياجات أسرته، وأحيانًا، يكون هذا المبلغ كافيًا لدفع فواتير الكهرباء أو شراء بعض الأطعمة التى يحتاجها أبنائه.

فى شارع السودان بالمهندسين، اعتاد كل من سعيد وصابر عبدالعزيز، شقيقان الانتظار لساعات طويلة حتى يجىء لهم شخصا يقدم لهم عرضًا للعمل.

الشقيقان جاءا من محافظة سوهاج، للبحث عن فرصة أفضل للعمل فى العاصمة، مثل كثير من غيرهم أبناء الصعيد الذين يهاجرون إلى المدن بحثًا عن لقمة عيش شريفة، أملهم الوحيد هو توفير حياة أفضل لأسرهم فى الصعيد.

رمضان هذا العام كان مختلفًا لهما، إذ وجدا سعيد وصابر الدفء وسط لمة الصداقة فى مسكنهم هنا، يحاولان أن يجدا الونس فى تحضير السحور بعد يوم شاق من العمل.

أجواء القاهرة فرضت عليهما واقعًا صعبًا، حيث لا وقت للراحة، ولا مكان للدموع التى كانت تكاد تختلط مع التعب، بينما كانت الشوارع مليئة بالمارة يسرعون إلى منازلهم للإفطار، كان الشقيقان يواصلان عملهما دون توقف.

سعيد، الذى يبلغ من العمر 35 عامًا، يعمل فى أحد المقاهى فى قلب القاهرة، وصل إلى هنا منذ أربعة أشهر، بحثًا عن فرصة أفضل لكسب رزقه، حيث كان الوضع فى قريته صعبًا للغاية، ولم تكن فرص العمل كافية لإعالة أسرته، فى بداية رمضان، كان يظن أنه سيحظى بفرصة للاحتفال مع عائلته كما كان يفعل كل عام، ولكن الواقع كان مريرًا.

يبدأ سعيد يومه عند الفجر، حيث يذهب للعمل فى المقهى الذى يبعد عن مكان إقامته عدة كيلومترات. طوال اليوم، يكون مشغولًا بتقديم الطعام والشراب للزبائن الذين لا يتوقفون عن الحضور. كان يشعر بشوقٍ كبير لأسرته، لكن لم يكن هناك وقت للتوقف.

العمل فى رمضان كان شاقًا للغاية، فالأشخاص يزدادون فى المقهى بعد المغرب، وكل شىء يسير بسرعة، والزبائن يتوقعون أن يحصلوا على كل شىء بأسرع وقت ممكن.

مع حلول آذان المغرب، يتوقف سعيد لدقائق قليلة لتناول إفطاره، ولكنه لا يستطيع التوقف كثيرًا وقال: «أنا هنا فى القاهرة من أجل عائلتى، لا أستطيع أن أترك العمل لأعود إلى المنزل فى الصعيد. سألتقى بأسرتى بعد رمضان إن شاء الله»، يقول سعيد بصوت منخفض، بينما يواصل تحضير الطلبات للزبائن.

أما «صابر»، الشقيق الأصغر لسعيد، جاء إلى القاهرة منذ أكثر من عام للعمل فى مجال البناء، يباشر عمله فى أحد المشاريع الكبيرة فى مدينة الشروق، رغم أن صابر فى البداية كان متحمسًا للقدوم إلى القاهرة، إلا أن تعب العمل الشاق وطول ساعات العمل خلال رمضان جعله يندم أحيانًا على مغادرته قريته.

طبيعة العمل فى البناء يتطلب جهدًا كبيرًا، حيث يقضى «صابر» ساعات طويلة فى رفع الأحجار والحديد، تحت الشمس الحارقة.

«ما فيش وقت للأكل ولا للراحة، لكن هذه هى الحياة، الشغل هنا لازم يكمل، ما فيش مفر من التعب»، يقول صابر بينما يرمق زملاءه فى العمل وهم يتناولون طعامهم بسرعة بعد آذان المغرب، ليعودوا لاستكمال أعمالهم.

كلما شعر «صابر» بصعوبة العمل أو اشتاق إلى عائلته، كان يبتسم فى نفسه ويقول: «اللى معاه رزقه فى هييجى عليه يوم، وإن شاء الله يفطر فى بلده وسط أسرته»، كان يقصد بذلك أن تعب الأيام القادمة سيقودهم إلى العودة لأسرته محملاً بالمال الكاف لقضاء عيد الفطر.

رغم تعب الشقيقان، كانت هناك قوة خفية تدفعهما للاستمرار، الحلم الذى لا يفارقهما هو أن يعودا إلى قريتهما فى الصعيد بعد تحسين أوضاعهما المعيشية.

نعود للحديث عن أجواء رمضان مع الشقيقان، فعندما حل موعد الإفطار فى اليوم الأخير من رمضان، جلس سعيد وصابر على مقعد خشبى فى الشقة، يتناولان طعامًا بسيطًا اشترياه من محل صغير فى الحى. كان الطعام بسيطًا لكنه كافٍ. لم يكن لديهم رفاهية التفاخر أو الاحتفال. كان قلب كل منهما مشغولًا بأسرته فى الصعيد، وفى نفس الوقت كان عقلهما مشغولًا بكيفية الاستمرار فى العمل وتحقيق أهدافهم.

قصص البطولات الخاصة لا تتوقف عند هؤلاء بل هناك العديد من الأيادى الشقيانة فى نهار رمضان، تعمل بلا كلل، منهم حكاية «حسن» الذى يعمل عامل بلوعات.

«طول السنة بنشتغل، لكن رمضان له طابع خاص».. يقول حسن بابتسامة على وجهه وهو يقف وسط الشارع بينما يستعد للعودة إلى عمله بعد تناول وجبة الإفطار.

«حسن»، الذى يعمل فى صيانة وتنظيف البالوعات، يجد نفسه فى تحدٍّ دائم خلال الشهر الكريم، قد يظن البعض أن عمله لا يتطلب سوى الجهد البدنى، لكن بالنسبة له، هو عمل ملىء بالقيم الإنسانية والمثل العليا التى يؤمن بها.

كل يوم فى رمضان، يبدأ حسن عمله بعد الفجر، حيث يتنقل من مكان إلى آخر لتنظيف البالوعات التى تزدحم بالمياه، وفى الوقت الذى ينشغل فيه معظم الناس بالاستعداد لوجبة الإفطار، يواصل هو وزملاؤه العمل فى أجواء ساخنة، يواجهون الأوساخ والمخاطر.

يقول «حسن»: «العمل فى رمضان مش سهل، خصوصًا مع الجوع والعطش. والروائح التى تحاصرنى، ولكن إحساسك بأنك بتقدم خدمة للناس بيخليك تنسى كل التعب، الناس بتشكرنا لما نشيل أى عائق من الطريق، لكن ما حدش يعرف كم من الوقت والمجهود بنبذله عشان نخلص العمل».

وخلال رمضان، تكون ساعات العمل أكثر ضغطًا، حيث يجب على حسن وزملائه تنظيف البالوعات بسرعة أكبر لضمان عدم انسدادها، ويتابع: «فى رمضان، بنشعر بالثواب كلما قدمنا خدمة للناس، سواء كان فى تنظيف الشوارع أو التأكد من سلامة الطرق، ربنا بيقدر تعبنا، وأنا مؤمن أن كل مجهود بعمله فى الشهر ده هو سبب فى رضا الله».

يشعر «حسن» أن العمل الذى يقوم به فى رمضان له طابع خاص، حيث يكون الصيام عاملًا مساعدًا له على الصبر وتحمل مشاق العمل. «أنا لما بشتغل وأنا صايم، بحس ان ربنا راضى عنى، كل تعب بمر بيه بقدره لأنه فى النهاية خدمة للناس، وأنا على يقين أن الثواب سيكون أكبر».

بعد تناول وجبة السحور، تبدأ زينب فى تحضير القفف المليئة بالبيض البلدى والفطير المشلتت، وتستقل عربية ربع نقل صغيرة، قديمة لكنها قوية بما يكفى لتحملها مع بضائعها الكثيرة.

تتحرك السيارة من محافظة الفيوم، بعدما تتجمع السيدات بينهن «زينب»، وتبدأ الرحلة الشاقة إلى القاهرة، الهواء محمل بالغبار تجتمع لتزيد من تعبها، لكن ذلك لم يثنها يوماً عن إصرارها على العمل والبحث عن لقمة العيش لأطفالها.

تُدير زينب تجارتها الصغيرة التى لا تعدو كونها وسيلة لتحسين وضعها المالى وتحقيق حياة أفضل لأولادها، وقالت: «مفيش ست فى الفيوم مش بتشتغل كلنا بنساعد رجالتنا على الحياة.. أيد واحدة متسقفش».

تنزوى «زينب» فى حى بولاق الدكرور الشعبى، بالتحديد زنين، ويلتف حولها الأهالى لشراء متطلباتهم، ووسط هذا الزحام تنسى السيدة مشقة رحلتها مقابل جنيهات لها ولأسرتها تعود بها، وقالت: «فى أيام كتير لما برجع بفطر فى الطريق علشان الزحمة.. أحنا بنتحرك من القاهرة على 4 ويادوب لو عرفنا نوصل بلدنا على الساعة 6 ونص».

عندما يبدأ الوقت فى الانقضاء، وتبدأ الشمس فى الغروب، تشعر «زينب» بعبء السفر مجددًا على نفسها، لكن سرعان ما يعود لها الأمل عند رؤية وجوه أطفالها المنتظرة فى المنزل وفرحتهم بعودتها بمتطلباتهم.