رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

نقوش تاريخية على جدران المحبة

«موائد الوحدة الوطنية».. ترانيم «قبطية» على ألحان «أهلاً رمضان»

بوابة الوفد الإلكترونية

بدأها «كيرلس السادس».. وأصبحت تقليداً سنوياً بـ«كاتدرائية العباسية» على يد «البابا شنودة»

آخر مائدة إفطار رسمية كانت عام 2010.. و«الكنيسة» تفضل توزيع «كراتين» سلع غذائية

أقباط يقيمون سرادقات فى مدن مختلفة بالمحافظات.. و«ميخائيل»: عمل الخير فرض على الجميع

«قصر الدوبارة» تعتبرها طقساً سنوياً.. و«شبرا» أشهر مناطق التكامل طوال شهر الصوم

مسيحيون يحتفلون بأغنيات تراثية.. والزينة فى المنازل والشوارع وأمام الكنائس

 قبل نحو 40 عامًا، وتحديدًا عام 1986م، أقام البطريرك الراحل- البابا شنودة الثالث- مائدة إفطار الوحدة الوطنية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لأول مرة، كتقليد وطنى يجمع كبار رموز الدولة، وفى مقدمتهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف.

وسبق أن شارك البابا كيرلس السادس فى إقامة موائد وحدة وطنية فى العديد من الكنائس، لكنها لم تنل الشهرة ذاتها.

واستقرت عادة إقامة المائدة الرمضانية فى كنائس مصر المختلفة، لتوطيد روح المحبة، والتسامح بين أبناء الوطن الواحد، وفى إحدى كلماته قال البطريرك الراحل: إن هذه المائدة تقام لأجل الله، والوطن.

وحسب مقربين من البطريرك الراحل «البابا شنودة الثالث» فإن إقامة المائدة الأولى فى تاريخ الكنيسة، والتى استمرت نحو 24 عامًا خلال فترة بابويته، جاءت فى أعقاب انتهاء أزمته مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، واستمرت داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتوطيد علاقات التقارب.

حضور شعبى لموائد المحبة

وفى مصر، على المستوى الشعبى، لا تنقطع موائد المحبة إطلاقا، رغم غيابها كنسيًا منذ عام 2011، حيث أقيمت آخر مائدة وحدة وطنية عام 2010، بحضور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.

وسنويًا، يقيم رومانى رمزى عجائبى - أحد أقباط الأقصر البارزين- مائدة إفطار كبرى للمسلمين طوال أيام شهر رمضان المبارك، منطلقًا من قناعة المحبة التى تجمع بين أبناء مصر، دون تفرقة.

والمائدة التى تجهز ما يزيد على 250 وجبة يوميًا، تقام تحت إشراف «عجائبى»، فهو لا يعد تجهيزات، ويوفر أطعمة فحسب، وإنما يظل متابعًا لتفاصيلها حتى ينهى آخر صائم إفطاره.

يقول «عجائبى» - الذى يلزم أبناءه بمتابعة المائدة، والتعرف على تفاصيل احتياجاتها لمواصلة المسيرة: إنها مائدة سنوية تقام لمواطنى الأقصر، وتوفر احتياجاتهم من اللحوم، والدواجن، مستعينًا بطهاة محترفين يعملون بأكبر الفنادق.

 بجانب المائدة القبطية التى تقام بالأقصر، يجهز «عجائبى» عددًا كافيًا من الوجبات التى توزع على الفقراء، والأسر محدودة الدخل- من غير معتادى الإفطار على المائدة- يوميًا، حفاظًا على مشاعرهم.

ويحرص مؤسس مائدة الأقصر الشهيرة على تضمين طاقم عمل من المسلمين لإعداد الأطعمة، ومتابعة تجهيزات ما قبل الإفطار، واستقبال الصائمين يوميًا، لافتا إلى أن مثل هذه الأفعال الطيبة تعزز أواصر المحبة.

موقف الكنيسة

 ومنذ قدوم البابا تواضروس الثانى -بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية- لم تقم الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أية موائد، لكن البطريرك ذات مرة لفت إلى أن الكنيسة استبدلتها بدعم مباشر للفقراء فى صورة سلع غذائية، وغيرها من ألوان الدعم.

بالرغم من عدم إقامتها داخل الكنائس منذ نحو 15 عامًا، إلا أن البابا تواضروس الثانى وصفها بأنها كانت دليلًا على المحبة، وكانت تقام فى مختلف الإيبارشيات «الكنائس الكبرى بالمحافظات».

«صليب متى ساويرس».. سنوات من التآلف

وعلى مدار نحو 40 عامًا، أقيمت مائدة المحبة بـ«منطقة شبرا»، بكنيسة مارجرجس الجيوشى، إبان فترة رعاية القمص الراحل صليب متى ساويرس.

وبدأت المائدة بعد أن أراد القمص الراحل رد دعوات الإفطار التى يتلقاها من جيرانه المسلمين طوال شهر رمضان المبارك، وأطلقت أولى الموائد عام 1969م.

وخلال نسختها الأخيرة – قبيل وفاته «نياحته»- اعتبر «ساويرس» مائدته مظلة كبرى ينطوى تحتها التلاحم الوطنى بين المسلمين، والأقباط، وكان أبرز حضورها الشيخ محمد قطب رئيس الجمعية الشرعية بـ«شبرا».

 أما الطائفة الإنجيلية برئاسة القس د. أندريه زكى، أطلقت يد كنائسها فى حرية إقامة موائد الإفطار الرمضانية من عدمها، لكن ثمة إفطار تقيمه الهيئة القبطية الإنجيلية سنويًا، كونها مؤسسة ضمن مؤسسات المجتمع المدنى، ومنذ فترة ليست بالقليلة، لم تقم الكنيسة الإنجيلية مائدة إفطار بشكل رسمى.

مبادرات مسيحية رمضانية

ولم يمنع ذلك «جميل كامل» – أحد مسيحيى منطقة شبرا بالقاهرة- من إطلاق مبادرة تجهيز مائدة إفطار رمضانية، وتوفير وجبات يومية للصائمين من أبناء حى شبرا كثيف السكان.

المبادرة التى بلغت عامها الثانى والأربعين منذ إطلاقها، تقوم على إحياء روح التعاون، والتكامل بين المسلمين والمسيحيين أبناء منطقة شبرا طوال شهر رمضان المبارك.

فالمائدة – على حد قوله – التى يجرى التجهيز لها يوميًا، منذ الصباح، يشترك بها الأطفال، والشباب، وكبار السن، كل على حد طاقته، لكن إعداد الوجبات قبيل الإفطار يتحمل مسئوليته الشباب، وكثير من أبناء المنطقة يفضلون الإفطار مع عائلاتهم، بعد الانتهاء من تجهيز الطعام.

ويهدف «كامل» بمبادرته إلى ترسيخ قيم التآخى بين المسلمين، والمسيحيين كشركاء وطن، لافتا إلى أن أجواء شهر رمضان المبارك تظلل العائلة المصرية على اختلاف انتماءاتها.

ويستطرد قائلًا: «هذه مائدة للمصريين جميعًا، وليست قاصرة على مفهوم تقليدى لمائدة إفطار فى الشارع، وإنما نبحث فى مضمونها عن كفاءة اقتصادية تأتى فى إتاحة حرية تناول الوجبات فى المنازل، منعًا لإهداره على الموائد إذا فاض عن حاجة الصائم».

وفى العام الماضى، أقامت الكنيسة الإنجيلية بمركز ملوى - جنوب محافظة المنيا- برئاسة القس مدحت سامى – حفل إفطار، أدى خلاله الحضور صلاة المغرب داخل ملعب الكنيسة، وحضره ممثلون عن مختلف المؤسسات الرسمية، وعدد كبير من أبناء مدينة ملوى.

حليم ميخائيل.. 20 عاماً فى دعم موائد الرحمن

ومن جنوب مصر، إلى منطقة شبين القناطر حيث يقيم القبطى «حليم ميخائيل» مائدة سنوية لأبناء بلدته، مزينًا محيطها بزخارف إسلامية تتضمن صور «الكعبة المشرفة»، وتعلوها لافتة «المعلم حليم ميخائيل يهنئ المصريين بشهر رمضان المبارك».

ويروى «ميخائيل» قصته مع «موائد المحبة» قائلًا: «كنت مساهمًا فى العديد من موائد الإفطار الرمضانية بمختلف مناطق القاهرة من بينها عزبة النخل، والمرج، نظير كونه تاجر بقوليات، ويحب أن يسهم مع عملائه فى فعل الخير».

لكنه، وحسبما يروى، منذ عام 2015 قرر أن يقيم مائدة مستقلة لأبناء بلدته، مؤكدًا أن عمل الخير عابر للانتماءات العقائدية، وفرض على كل إنسان أن يدعمه.

وكغيره من الأقباط أصحاب الموائد الرمضانية يستعين «ميخائيل» بشباب من المسلمين، وطهاة محترفين، لإتمام عمله على أكمل وجه، مشيرًا إلى أنه قبل نحو 20 عامًا اعتاد على المساهمة مع زملاء مهنته فى إقامة موائد رمضانية للصائمين.

ويستطرد قائلًا: «الصائمون يحرصون على الحضور، والانتماء الدينى لم يشكل حرجًا فى إقامة المائدة، وإرساء المحبة بين أبناء الشعب المصرى».

«الأسقفية» تتمسك بالمائدة

أما الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية برئاسة المطران سامى فوزى فأقامت «مائدة إفطار» تحت مسمى «مائدة المحبة»، ضمن أنشطة المركز المسيحي- الإسلامى للتفاهم – التابع لها، بكاتدرائية جميع القديسين بالزمالك.

وعن المائدة قال د. سامى فوزى- مطران الكنيسة الأسقفية: إنها مائدة للمحبة والوحدة، نجتمع عليها كفرصة سانحة لتبادل الصداقات، والمودة، كأسرة واحدة، لافتا إلى أن إقامتها على هذا النحو يعد علامة على المحبة، والوحدة الوطنية.

«رمضان المصرى» عابر للانتماء الدينى

وتحرص كنيسة قصر الدوبارة «الإنجيلية»، بالقرب من ميدان التحرير، على إقامة مائدة إفطار أمام بوابتها الرئيسية طوال شهر رمضان المبارك.

وخلال أيام متفرقة من الشهر – الذى يوليه المسلمون، والأقباط فى مصر اهتمامًا خاصًا- تقيم الكنيسة حفل سحور، إلى جانب مائدتها الثابتة طوال الشهر..

وتعد مائدة إفطار «قصر الدوبارة» من أشهر الموائد الكنسية الرمضانية، نظير موقعها اللافت، واستمراريتها.

وتأتى موائد الوحدة الوطنية فى ربوع مصر كملمح يعكس خصوصية مصر فى تعاطيها مع المناسبات الدينية، وعلى رأسها شهر رمضان المبارك.

وسبق أن علقت العديد من الكنائس المصرية «زينة رمضان» على جدرانها احتفالًا بقدوم شهر الصوم، والذى يتزامن منذ فترة مع الأصوام الكنسية، وفى القلب من الأشكال الاحتفالية «فانوس رمضان»، وفى خلفيته صورة العذراء مريم.

وتنشط الجمعيات الأهلية القبطية فى مختلف المحافظات خلال شهر رمضان المبارك، مركزة على توزيع سلع غذائية على فقراء المناطق من المسلمين، فيما يتطوع شباب، وفتيات، بتجهيز وجبات إفطار سريعة، وتوزيعها على المارة فى الطرقات، سواء أفراد، أو سيارات بمختلف أنواعها.

وتظل الحالة المصرية فريدة من نوعها خلال شهر رمضان المبارك، حسبما أظهر مقطع جرى تداوله على منصات التواصل الاجتماعى، وتظهر فيه أسرة مسيحية تحتفل بشهر الصوم عبر تعليق الزينة، والفوانيس، وفى خلفية احتفالهم إحدى الأغنيات الشهيرة التى تبرز فضائل شهر العبادة، والونس العائلى، والمحبة.

ويظهر «مارك شريف» - أحد أعضاء فريق كورال جامعة القاهرة للإنشاد الدينى - فى مقطع فيديو بثه على موقع التواصل الاجتماعى – فيس بوك – مهنئًا المصريين بقدوم شهر رمضان، وهو يتغنى برائعة «رمضان جانا» الخالدة عبر الأزمان.

يأتى ذلك بجانب مشاهد عديدة فى مختلف محافظات مصر لقساوسة، وقيادات كنسية تعلق زينة رمضان أمام المساجد القريبة من الكنائس، ويحمل بعضهم كراتين السلع الغذائية لتوصيلها إلى المسلمين فى منطقته، بما يضفى على «رمضان المصرى» خصوصية يوثقها التاريخ.