• ما الحكمة من إفرادِ السَّلامِ والرَّحْمَةِ والنِّعمَةِ وجَمْع البَرَكَةِ فِي آيَاتِ الذِّكْرِ الحكيم؟
الحكمة من إفرادِ هذه الكلمات ما يأتي:
• لأنَّ السَّلامَ إمّا مَصْدَرٌ تَحْضٌ ؛ فهو شَيءٌ واحِدٌ فلا مَعْنَى جَمْعِه ، وإِمَّا اسْمٌ من أَسماءِ اللَّهُ تَعَالَى فَيَسْتَحِيل أيضًا جَمْعُه، فعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لا سَبِيلَ إلى جَمْعِه. وأَمَّا الرَّحْمَةُ فهي مَصْدَرٌ أيضًا بمَعْنَى العَطْفِ والحَنانِ؛ فلا تُجْمَع أيضًا، والنَّاءُ فيها بِمَنْزِلَتِها فِي الخُلَّةِ والمَحَبَّةَ والرَّقَّة ليست للتَّحْدِيدِ بِمَنْزِلَتِها فِي ضَرْبَةٍ وتَمرَة؛ فكَما لا يُقالُ نِعمات ولا رِقات ولا خُلّات ولا رَأْفَات لا يُقالُ رَحمات؛ لأنَّ دُخولَ الجَمْعِ يُشْعِرُ بالتَّحدِيدِ والتَّقْدِ بِعَدَدِ، وإفراده يُشْعِرُ بِالمُسَمَّى مُطْلَقًا مِن غَيْرِ تحديد، فالإفرادُ هُنا أَكْمَلُ وأَكْثَرُ مَعْنًى من الجَمْعِ. وهذا بَدِيعُ جدًا، أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُ الْمُفْرَدِ أَكْثَرَ مِن مَدلُّولِ الجَمْع؛ ولهذا كان قوله عز وجل: ﮋ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالغَةُﮊ (الأنعام: ١٤٩) أَعَمَّ وَأَتَمَّ مَعْنَى مِن أَنْ يُقال: فَلله الحَجَجُ البَوالِعُ، وكان قوله عز وجل: ﮋ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَاﮊ (إبراهيم: ٣٤، النحل: ١٨)، أَتَمَّ مَعْنَى مِن أَنْ يُقال: وإِنْ تَعُدُّوا نِعَمَ الله لا تُحْصُوهَا ، وقوله عز وجل: ﮋرَبَّنَا وَايْنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةٌﮊ (البقرة : ٢٠١) أَتَمَّ مَعْنًى مِن أنْ يُقال حَسَنات، وكَذَا قوله عز وجل: ﮋ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍﮊ، ونَظَائِرِه كَثِيرَة جدًّا.
• وأما البَرَكَةُ فإنَّه لما كانَ مُسَمَّاها كَثْرَةَ الخَيْرِ واسْتِمَرَارَه شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، كُلَّا انْقَضَى مِنْهُ فَرْدُ خَلَفَهُ فَرْدْ آخَر؛ فهو خَيْرٌ مُسْتَمِرٌّ، يَتَعاقَب الإفرادُ على الدَّوامِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، كَانَ لَفظُ الجَمْعِ أَوْلَى بها لدلاليه على المَعْنَى المَقصُودِ بها؛ ولهذا جاءَت في القُرْآنِ كذلك، في قوله عز وجل: ﮋرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَنَهُ عَلَيْكُم أَهْلَ الْبَيْتِﮊ (هود: ٧٣) أَفْرَدَ الرَّحْمَةَ وجَمَعَ البَرَكَةَ، وكذلك أَفْرَدَ السَّلَامَ فِي التَّشَهُدِ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ الله وبَرَكَاتُه.
وسبحان من هذا كلامه