السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق:
مصر لم ولن تقبل بتهجير الفلسطينيين

نؤمن بالحلول الدبلوماسية.. ونرفض الإملاءات الخارجية
لا توجد عقيدة تدعو للقتل.. وجرائم الصهيونية لا ترتبط بدين
الولايات المتحدة تمارس عملية إزاحة إيران مaن المنطقة
ما تفعله إسرائيل «مقاول الحرب» جريمة ممنهجة
إفريقيا فى قلب الدبلوماسية المصرية.. وحاجة «القارة السمراء» تنموية
السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق يُعرف بمهاراته المتميزة وخبراته الواسعة فى مجال العلاقات الدولية.
حصل «حجازى» على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات فى العلاقات الدولية من أكاديمية الدراسات الدبلوماسية، شغل العديد من المناصب القيادية فى الخارجية المصرية، بما فى ذلك العمل فى سفارات مصر فى الصين والهند وباكستان، ويتمتع بخبرة واسعة فى الساحة السياسية وله دور بارز فى تعزيز العلاقات المصرية العربية والإفريقية، نال احترام وتقدير الجميع، كما يعرف بمهاراته التفاوضية، ومن أهم المناصب التى شغلها مساعد وزير الخارجية للشئون الآسيوية، والمتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء فى فترة حكومة الدكتور عصام شرف 2011، كما عمل سفيرًا لمصر فى السودان، حيث لعب دورًا مهما فى تعزيز العلاقات المصرية السودانية، وعمل سفيرًا لمصر لدى كوريا الجنوبية، وفى اليابان، والصين والهند وباكستان، ساهم فى حل العديد من الأزمات الإقليمية خلال فترة عمله فى الخارجية المصرية، ويتمتع بعلاقات قوية مع كبار المسئولين فى الدول العربية والإفريقية، تم تكريمه من الرئيس عبد الفتاح السيسى تقديرًا لجهوده الدبلوماسية، فهو نموذج لأحد كبار السياسيين المخضرمين فى مصر والعالم العربى.
«الوفد» التقت السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق، وهذا نص الحوار.
< بداية.. كيف ترى المشهد الإقليمى فى الشرق الأوسط بشكل عام؟
<< شهدت المنطقة خلال العام الماضى حالة من الاضطراب والتوتر والمواجهات العسكرية على عدة جبهات.. وتشابكت تلك المواجهات لتضع منطقة الشرق الأوسط فى وضع جيواستراتيجى، وجيوسياسى متغير يضغط على فرص الأمن والاستقرار، وعرض أمنها للخطر ارتباطًا بالمشهد المأساوى فى قطاع غزة، وحالة المواجهة التى أودت بحياة أكثر من 50 ألف فلسطينى وآلاف الجرحى، بالإضافة للمشهد السورى وما شهده من تغيير قسرى للنظام السورى لبشار الأسد والعدوان الإسرائيلى الآخر على جنوب لبنان وتخطى حدود الممارسات الإسرائيلية خاصة فى المواجهة مع حركة حماس فى قطاع غزة، كل حدود ما هو منطقى وإنسانى وأخلاقى لنصل إلى المشهد المتداخل والذى أدى إلى اضطراب إقليمى كامل يحتاج إلى إعادة ترتيب خاصة فى ظل وفود قادم جديد للبيت الأبيض وهو الرئيس دونالد ترامب، مما يجعل المنطقة فى حالة ترقب، ولكن من بين ثنايا هذه المواجهات وحالة العنف المتصل جاءت بارقة التوصل إلى اتفاق الهدنة ووقف إطلاق لنار بفضل دور مصرى مهم ورئيسى وفاعل بالتعاون مع الأشقاء فى قطر والولايات المتحدة، هذا الدور الذى بدأ من اليوم الأول لاندلاع الأحداث فى السابع من أكتوبر، بذلت فيه الدبلوماسية المصرية على مستوى القيادة ووزارة الخارجية والأجهزة المعنية، كل ما هو مطلوب لإسناد الموقف الفلسطينى ومساعدة شعب وتقديم 70% إلى 80% من مساعدات الإغاثة وعقد مؤتمر دولى كان له دور مهم فى تجميع الصوت الدولى والموقف الرسمى الدولى نحو دعم ومساندة القضية الفلسطينية علاوة على دور مصرى مؤثر فى المحافل الدولية وفى مجلس الأمن على وجه الخصوص، بالإضافة إلى الجهود المصرية المتصلة حاليًا بكافة الأطراف والتى نالت كل الاحترام والتقدير وكان آخرها المحادثة الهاتفية التى تمت بين الرئيسين «بايدن» و«السيسى» التى حيا فيها الجهود المصرية للتوصل إلى وقف إطلاق النار والذى كان سببًا فى تحقيق هذا الهدف المنشود، وبالتأكيد مصر ستواصل فى مرحلة ما بعد غزة، أى فى مرحلة إعادة الإعمار جهدها، ودعا الوزير بدر عبدالعاطى منذ أيام قليلة لعقد مؤتمر دولى لإعادة الأعمار فى غزة، بالإضافة لذلك ستكون مصر قريبة من كل بنود الاتفاق شأنها شأن الوسيطين القطرى والأمريكى لضمان تنفيذ الطرفين لبنود هذا الاتفاق.
< بعد أكثر من 400 يوم من «طوفان الأقصى» ولادة متعثرة للهدنة.. ما تقييمك لمستقبل الصراع العربى..وما تقييمك لجهود مصر وقطر والولايات المتحدة فى اتفاق وقف إطلاق النار؟
<< بكل تأكيد المشهد كان يتصل بقطاع غزة وبحركة حماس لكن فى جوهره كان هناك مخطط إقليمى أشمل للتخلص من الوجود الإيرانى ونفوذها فى المنطقة والذى كانت تتباهى به إيران أن لديها تأثيرًا فى خمس عواصم عربية، وبات هذا التأثير مهددًا للأمن والاستقرار الإقليمى بما يحمله من تهديد مصر وأمن وسلامة وسيادة لبنان وما شكله أيضا من ضغط على دول الخليج، الأمر الذى لم يكن مرجوًا ولكن هذه الأحداث الأخيرة شهدت تراجع النفوذ الإيرانى والنفوذ الروسى أيضا المرتبط بالملف السورى، وباتت المنطقة فى حاجةٍ لإعادة صياغة منظومة للأمن والتعاون، أدعو إليها باستمرار وأتمنى أن تتبنى مصر مقاربة لها صلة بعملية تحقيق الأمن والاستقرار خاصة أن هناك بكل تأكيد خطة لمرحلة ما بعد غزة لابد أن نكون جزءًا لا يتجزأ من تنفيذها وضمان أمن واستقرار المنطقة.
< عقب تنفيذ الهدنة..هل من الممكن أن تكون هناك فرص لتحقيق سلام حقيقى فى المنطقة؟
<< نأمل ذلك، هذه المواجهة الخامسة فى قطاع غزة، وكانت مواجهة جسيمة يمكن أن توصف بأنها جريمة حرب مكتملة الأركان، وكان المطلوب -وهو الذى نأمل أن يتم فى المرحلة القادمة-هو أن تدعى الأطراف لمؤتمر دولى للسلام، وأن تسعى من خلال التسوية السلمية للصراع العربى الإسرائيلى لتحقيق الأمن والاستقرار المنشود، وبدونه ستتكرر المواجهة ما دام هناك احتمال، فأتصور أن وضع استراتيجية- هى جنبا الى جنب مع دولة إسرائيل، ورغم صعوبة ذلك، فهو الهدف المنشود لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى، وبدون ذلك سننتقل من مرحلة مواجهة إلى أخرى، حدث مرارًا فى المشهد الذى لم تحقق فيه إسرائيل رغم أن هذه الجولة هى الجولة الخامسة من المواجهة ولم تحقق أهدافها، ولم تحقق أمنها، وارتكبت من الجرائم ما حوّل صورتها إلى ما نراه الآن مدانة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أدت لاتهام نتنياهو ووزير دفاعه صدرت بشأنهما مذكرات توقيف، هذا ما يدعونى إلى الاعتقاد أن ما من منطقة فى العالم إلا ولديها منظومة للإسهام والتعاون الإقليمى كما حدث فى أوروبا فى اتفاقية «هلسنكى»، حيث جمعت الأطراف الأوروبية حول مفاهيم مشتركة وصدر إعلان «هلسنكى» وآمل أن تجتمع دول المنطقة أيضا على إصدار إعلان مشترك كخطوة أولى لإعلان منظومة للآمن والتعاون الإقليمى تحقق أهداف التنمية والاستقرار والأمن وتواجه الإرهاب وتواجه كل التحديات وتفتح أفقًا للحوار بين دول المنطقة بدلًا من أن يملى عليها من جديد تصورات وسيناريوهات تخدم إسرائيل وتضر بمصالح المنطقة ونعود لنكرر هذا المسعى فأين هى صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية والربيع العربى والشرق الأوسط الجديد، كلها مسميات من خارج المنطقة فرضت عليها لتزيد المنطقة احتقانًا ولا تؤدى للأمن والسلام، وبالتالى ما لم تنشأ هذه الرغبة لدى دول المنطقة فى العيش الآمن وبسلام ستظل منطقة الشرق الأوسط تتعرض لكل هذه المخاطر وتهدد الأمن والسلم والاستقرار الإقليمى والأمن والسلم والاستقرار العالمى، فنأمل مع الإدارة الجديدة أن يتم التشاور حول منظومة للأمن والتعاون الإقليمى تلعب فيها الدول الكبرى ذات التأثير دورًا مهمًا ورئيسيًا لتحقيق أمن واستقرار منطقة هى الأقرب للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة والدول الأوربية، حيث هى منبع النفط والغاز وحيث هى أيضا الجوار الجنوبى لأوروبا وهى أيضا مدخل الهجرات غير الشرعية وحتى انتشار الإرهاب، ما لم يتم وضع تصور لحل سياسى وتنموى وأمنى يعالج هذا الخلل الاستراتيجى فى منطقة الشرق الأوسط وتتجنب من خلاله دولها التدخلات الفجة للولايات المتحدة وتابعتها إسرائيل ستظل هذه المنطقة نهبًا لهذه الدول، ففكرة الأمن والتعاون الإقليمى بين دولها قائمة على إعلان مبادئ عدم التدخل فى الشأن الداخلى واحترام السيادة الوطنية للدول، وتدخل إيران وتركيا فى المنطقة كان تدخلا فجًا على السيادة الوطنية سواء كان الأمر يتعلق بليبيا أو السودان أو يتعلق بما تقوم به إسرائيل فى فلسطين وغزة وتعديها الآن على الوطن السورى، وما تفعله فى الضفة الغربية، كلها أمور مرتبطة بتدخلات أطراف إقليمية وما تقوم به إثيوبيا كذلك من تعدٍ على حقوق مصر والسودان المائية، كلها تعديات تستدعى أن تجتمع دول المنطقة على إعلان مبادئ إقليمى مشابه لإعلان «هلسنكى» يقود لأمن واستقرار صنع أهله وساكنيه وإلا سيتحول الشرق الأوسط مع مشروع جديد لأزمة جديدة.
< بعد «طوفان الأقصى» تحرك العالم للتفكير فى خطة «الوطن البديل للفلسطينيين فى سيناء.. هل من الممكن أن يحدث ذلك فى يوم من الأيام؟
<< لا.. أعتقد أن الموقف المصرى لابد أن يكون واضحًا وصارمًا فى هذا الشأن كما كان دائما، فما لم تحققه إسرائيل عسكريًا لا يمكن أن نقبله سياسيًا، كذلك الدعوة لا تكون بترحيل أبناء شعب فلسطين وتصفية قضيته، الدعوة لابد أن تكون بإنهاء الاحتلال، فلا يمكن أن نخضع إلى ما يدعو إلى سياسات تدعم بقاء الاحتلال بل وتهجير شعب تحت الاحتلال، الحل يكون فى إقامة الدولة الفلسطينية ليعيش أهلها جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، بل العكس يمكن كما تطرح العديد من التصورات أنه تستقل الدولة الفلسطينية تبحث هى علاقتها بإسرائيل وبالأردن، ويمكن أن ينشأ فى منطقة الشرق الأوسط توافق اقتصادى كما هو بين بلجيكا ولوكسمبورج ودول أوروبية بعينها، فالموضوع الخاص بالتهجير القسرى تصدت له مصر منذ بداية الأحداث وهى تدرك ماذا كانت تفعل إسرائيل وهى تعلم أن حماس تحت الأرض كانت تقصف المدنيين، 70% ممن استشهدوا فى العمليات بعد السابع من أكتوبر هم من النساء والأطفال، إذن إسرائيل لم تكن تقصد القضاء على حماس بالشكل الذى كان، بل كانت تضغط على حماس بقتل المدنيين، الذى نشاهده فى غزة من دمار شامل هو ليس نصرًا عسكريًا، بل جريمة حرب مسجلة ومصورة، وبالتالى لا تدعى إسرائيل نصرًا، وها هى وافقت على عقد الصفقة مع حماس، وأعتقد أن موضوع التهجير القسرى واجهته بصرامة، وستظل على موقفها إذا ما كانت هناك رغبة فى التسوية، فهى بإقامة حل الدولتين وليس تهجير الفلسطينيين ومصر لم تقبله منذ السابع من أكتوبر وأثناء الحرب ولن تقبله الآن حتى مع ضغوط ترامب الذى يجب أن تتصدى له مصر وترفضه إذا ما طرحت.
< شهدنا رد فعل شديدا من قبل الكيان الصهيونى على هجوم «طوفان الأقصى» حتى كان العقاب بمثابة الانتقام الجماعى.. لماذا لجأت -فى رأيك- إسرائيل إلى كل هذا العنف وهل هذا عن عقيدة دينية لديها؟
<< أظن دون الدخول فى القضايا المرتبطة بالعقيدة، لا توجد عقيدة تدعو إلى القتل، لا العقيدة اليهودية ولا المسيحية ولا العقيدة الإسلامية، هذه جرائم صهيونية لا ترتبط بدين ولا بهدف، بل تخالف قواعد القانون الدولى الإنسانى الذى يستوجب على إسرائيل بمقتضاه أن تحمى المدنيين تحت الاحتلال لحين زواله، فما فعلته إسرائيل هو جريمة ممنهجة، وهى منذ مايو الماضى كما طالعتنا الأنباء مؤخرًا ولديها اتفاق قدمته مصر وتبناه الرئيس السابق بايدن بكل تفاصيله وبحذافيره ونقل إلى مجلس الأمن وتبناه القرار الأممى الشهير الصادر فى هذا الشأن، ولكنها ماطلت وادعت أن هناك تعديلات على الورقة المصرية وهى غير صادقة فى ذلك، وأكد الرئيس ترامب ذلك، وأكد مجلس الأمن ذلك فواصلت حملتها التى لم تتوقف يومًا واحدًا عن إسقاط من 50 إلى مائة شهيد منذ مايو الماضى، الهدف الاستراتيجى الذى كانت تنشده إسرائيل هو الانتقام والمزيد من القتل وإبادة جماعية والتهجير القسرى للشعب البطل فى غزة ولكن تشبث الشعب بأرضه ووقفت مصر ضد محاولات التهجير القسرى وقاومت كل الإملاءات وكل الإغراءات التى قدمت فى هذا الشأن، وستظل سواء كان فى الحكم الرئيس بايدن أو كان فى الحكم الرئيس دونالد ترامب، فلسطين هى أرض فلسطينية يعيش عليها شعبها لحين التوصل لإقامة دولة فلسطينية قادمة، مادام هناك شعب عازم على البقاء على أرضه ومادام هناك أشقاء عرب مثل مصر يتمتعون بالاحترام يقومون بحماية الشعب الفلسطينى والدفاع عن حقوقه دون إخلال بقواعد القانون الدولى الإنسانى وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وعلى أساس حل الدولتين.
< ما تقييمك للمغازلة التى تتم بين إيران وإسرائيل من حين لآخر دون أن يكون هناك تصادم مباشر بين البلدين؟
<< لا أرى مغازلة صراحة، ولا أدرى ما مؤشرات هذه المغازلة، فقد قام الطرفان بمهاجمة كل منهما للآخر، وقامت إسرائيل بحملات عسكرية ضد أذرع إيران فى المنطقة وربما أضعفتها أو تمكنت من ذلك ستجيب الفترة القادمة عن ذلك، ولكن بكل تأكيد هى مواجهة تسعى من خلالها الولايات المتحدة ومقاول الحرب إسرائيل للقضاء على النفوذ الإيرانى فى المنطقة والأهم القضاء على البرنامج النووى الإيرانى قبل أن تمتلك إيران الردع النووى الذى سيحول بعد ذلك دون المساس بها أو بسيادتها الوطنية، هذا السباق بين امتلاك إيران للسلاح النووى ومحاولة الحيلولة دون قيامها بهذا هو المشهد القادم والذى ستتضح معالمه، فإيران تسعى لامتلاك الردع العسكرى النووى لحماية نفسها مما قد تتعرض له، حيث إن الولايات المتحدة تقف على صدر المنطقة بأساطيلها العسكرية وبقدراتها، وكما شاهدنا هى تقدم لإسرائيل كل حتى الذخائر، فإسرائيل بدون المشاركة الأمريكية فى الحملة التى استمرت أكثر من عام لم تكن لتستمر أكثر من ثلاثة أشهر، انكشفت إسرائيل على المستوى الاستراتيجى، لكن الواضح أننا نواجه الولايات المتحدة التى تستخدم إسرائيل كما تستخدم زيلينسكى فى المشهد الأوكرانى كمقاولى حرب.
< البعض يرى أن أمريكا صاحبة الدور الرئيسى فى أزمات الشرق الأوسط ودوله بدافع أن لها أطماعًا فى المنطقة فما ردك؟
<< بالفعل.. أتفق تمامًا مع هذا التحليل، فالولايات المتحدة هى التى مارست عملية إزاحة إيران من المنطقة والقضاء على نفوذها فى جنوب لبنان وفى سوريا وفى فلسطين، كانت الضحية هى القضية الفلسطينية فى المشهد الذى تابعناه لمدة عام فى غزة، الولايات المتحدة هى التى تسعى لإضعاف الصين من خلال استدراج روسيا لمعركة ضروس على الساحة الأوروبية تشترك فيها قسرًا الدول الأوروبية على الأراضى الأوكرانية، وهى ليست حربًا بين روسيا وأوكرانيا، هى حرب بين روسيا والغرب على الأراضى الأوكرانية، نأمل أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب تسعى لتسوية هذه الحروب، وآمل أن تخاطبها المنطقة العربية التى يجب أن تنسق أولا فيما بينها، خاصة بين القاهرة والرياض، انتقالا إلى تركيا ثم إلى إيران وأى دولة إقليمية راغبة فى الدخول فى صياغة استراتيجية أمنية خيرة تسعى من أجل أمن واستقرار حقيقى فى المنطقة، وهنا تخدم المصالح الأمريكية بشكل أفضل، فالحروب لم تحقق للولايات المتحدة إلا تدهور الحالة الإنسانية والأخلاقية والتنموية والأمنية ولم تصل بنا إلى الأمن والاستقرار المنشود، إذا كنا نتحدث عن تنمية، وعن انطلاق للأساطيل التجارية والبحرية حتى والعسكرية عبر قناة السويس فلا يمكن أن يتحقق هذا الاستقرار فى ظل مشهد سياسى وعسكرى مضطرب، ولا يمكن تحقيق مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية فى منطقة الخليج والحلول كلها حلول عسكرية، وتستعدى المنطقة بعضها على بعض، أمامنا الآن مشهد لتحول جسيم حدث فى المنطقة يحتاج لإعادة الأمن والاستقرار، والقائم ليس على الانتهازية واحتلال الأراضى كما فعلت إسرائيل فى المشهد السورى فى فترة سيولته واضطرابه، ولكن على أساس احترام السيادة الوطنية، وهنا أعيدك أيضا إلى ما ذكرته حول إعلان المبادئ، إذا أنشأنا لقاء جمعيًا يضم الدول الفاعلة فى المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الراغبة سيمكن صياغة منظومة للأمن والتعاون تتفق الدول المجتمعة فيه على إعلان مبادئ إقليمى تلتزم به كانت إسرائيل أو إيران أو تركيا بما لا يدع المنطقة لمزيد من التشرذم، أما إذا ما أنشأنا أطرًا تتنافى مع قواعد القانون الدولى أو أطرا أمنية ستطرح علينا لمواجهة دولة بعينها، هى أمور فشلت فى الماضى وستفشل فى المستقبل، الذى سينجح هو رؤية عربية إقليمية بالتعاون مع الشركاء ودول الجوار لا تعتمد فيها دول الجوار خاصة تركيا وإيران على مفاهيم قديمة كالتدخل فى الشأن العربى امتد ذلك إلى إثيوبيا وإسرائيل ارتباطًا بحل الدولتين، هنا ينشأ الإقليم الذى ننشده المؤسس على قواعد للأمن والتعاون والتنمية وتحقيق الازدهار بناء على قواعد القانون الدولى، ويمكن أن تكون الإطار الرئيسى هو الأمم المتحدة بالتعاون مع الأطراف الدولية كالولايات المتحدة وروسيا والصين.
< د. مصطفى الفقى فى تصريح سابق قال إن ثمة نظرية بريطانية من القرن الثامن عشر تطالب بضرورة تطويق مصر حتى لا تحلق عاليًا وتحقق التنمية الحقيقية وحتى لا تمد يد العون إلى الدول المظلومة، ولكن فى الوقت نفسه لا تسمح لها بالانهيار.. هل تعتقد أن هذه النظرية لا زالت قائمة حتى الآن؟
<< كل المؤشرات توحى بأن الدور المصرى يتعرض لضغوط شديدة الوضوح سواء كانت ضغوطًا اقتصادية أو ضغوطًا أمنية كملف الإرهاب أو ضغوط مائية، فمصر دولة محورية وهى فى رباط إلى يوم الدين.
< ما أهم السيناريوهات لتحديد مستقبل سوريا فى رأيك.. وماذا عن التحركات الإسرائيلية فى سوريا وماذا عن تأثير ما يحدث فى الأراضى السورية على دول الإقليم بشكل عام؟
<< الموقف المصرى كان -منذ البداية- حريصًا على التأكيد على وحدة وسلامة الأراضى السورية، ومن هنا كانت إدانته للموقف الانتهازى لإسرائيل والذى تعدى على السيادة الوطنية واحتل أرضًا ودمر أجزاء رئيسية من القوات المسلحة السورية والبحرية، هذا الأمر يعكس أن مصر مع الوطن السورى الواحد الذى يجب أن يعبر عن علاقة متكافئة بين مذاهبه وأطيافه وقواه السياسية دون استئثار، ويدعو لبنية دستورية تقود إلى انتخاب برلمان سورى يؤسس لعلاقة مشتركة تجمع كل أطياف سوريا من أجل إقامة سوريا الموحدة، على أن يتم انتخاب رئيس للبلاد بشكل دستورى وقانونى وشرعى، ولكن فى الوقت نفسه وكما ذكر وزير الخارجية تتعامل مع حكومة الأمر الواقع لحين انتخاب سوريا بشكل مناسب لحكومتها وحياتها البرلمانية والرئاسية القادمة، سوريا فى هذه المرحلة فى حالة سيولة وموقف متطور وخطير يحتاج إسنادًا دبلوماسيًا من البلدان العربية والدولية كما شاهدنا فى اجتماعات وزراء الخارجية بمدينة العقبة الأردنية فى 18 ديسمبر الماضى، وكذلك فى الاجتماع الوزارى الذى عقد فى الرياض على يومين للأطراف العربية ثم الأطراف الدولية ما يعكس اهتمام المجتمع الدولى بأمن واستقرار سوريا، والمؤكد أن مصر ستواصل مراقبة المشهد، هى لم تهرول للمساندة ولكن فى الوقت نفسه تدرك أن سوريا ركن أساسى من منظومة الأمن القومى العربى ويجب حمايتها فى هذه المرحلة من التدخلات الإقليمية والدولية الضارة أو من انتشار جماعات مسلحة لا تتوخى خيرًا للوطن السورى أو لدول الجوار، وبالتالى مصر ستكون حريصة على أن تبقى متابعة ومراقبة للمشهد السورى بما لا يضر مصالح شعبها ولا بمصالح المنطقة ولا يسمح لدول إقليمية بعينها خاصة بعض الدول المعروفة والتى تتدخل فى الشأن السورى بشكل فج وهى تراقب هذه التدخلات تؤمن بأن المخرج الوحيد سيكون بالدعوة إلى حكومة سورية منتخبة وبرلمان سورى ورئيس حتى تستكمل الدولة مؤسساتها، فمصر معركتها الحقيقية دومًا هى مع دولة المؤسسات خاصة فى 30 يونية معركتها للحفاظ على مؤسسات الدولة وجيشها الوطنى وبنفس القدر تعاملت مع المشهد فى السودان وتتعامل مع المشهد فى ليبيا وستتعامل مع المشهد فى سوريا.
< هل انتخاب رئيس جديد للبنان من الممكن أن يخفف من الصراع السياسى لمدة عامين هناك على الإقليم العربى؟
<< طبعًا.. حدث فى لبنان تحول رئيسى مهم وضرورى كنا نتوقعه ونأمل منذ سنوات، ولعل الاتفاق على تنفيذ بنود قرار الأمم المتحدة 1701 والتزام الأطراف به بعد هذه المواجهة الضروس بين إسرائيل وحزب الله قادت لبنان واستعادت الشكل الأول من أشكال سيادتها وستجرى انتخابات برلمانية فى القريب، وستنتقل لبنان للمرحلة التى كنا نأملها دائمًا للشعب اللبنانى الشقيق.
< ماذا عن دور مصر فى حل الأزمة السودانية؟
<< دور مهم وضرورى، تؤمن مصر بالحلول الدبلوماسية والسياسية ولكن تؤمن بنفس القدر بإعلاء شأن مؤسسات الدولة السودانية المرتبطة بشعبها والتى يجب أن تنتصر على أى قوى مسلمة تتعدى على السيادة الوطنية فى السودان.
< كيف ترى الدور المصرى فى أفريقيا منذ تولى الرئيس «السيسى» سدة الحكم، وما تقييمك لتحركات الدبلوماسية المصرية فى ملف سد النهضة؟
<< فيما يتعلق بإثيوبيا أولا، فإن مصر تضع إفريقيا فى قلب وعقل دبلوماسيتها، إفريقيا هى المستقبل، وهى السند لمصر وهى المدخل لاستثماراتها وتنميتها وهى الإطار الأوضح لعلاقتنا الدولية بعده تأتى باقى الأطر، وأعتقد أن الإطار العربى والإطار الإفريقى ثم الإطار الإسلامى والعلاقات مع أوروبا والعلاقات الاستراتيجية مع الشركاء الدوليين هى التى يمكن وصف الحالة الدبلوماسية المصرية بها، علاقتنا مع إفريقيا يجب أن تستند لأدوات تسمح بالانطلاقة، وإحدى هذه الأدوات – من وجهة نظرى- هى الدعوة لإنشاء صندوق مصرى لتمويل التنمية فى إفريقيا، يمول نشاط الشركات المصرية فى القارة الإفريقية، لا شك أن هناك شركات ورجال أعمال مصريين يعملون بكفاءة على المستوى الإفريقى، ولا شك أن هناك أهمية لما صدر بشأن صندوق ضمان المخاطر الخاص بالمؤسسات الاستثمارية ورجال الأعمال، لكن سيتحقق لك بالفعل التمركز والتواجد الحقيقى فى القارة الإفريقية من خلال صندوق يمول نشاط الشركات، فكثير من الشركات أو رجال الأعمال تحجم عن الاستثمار رغم إدراكها بجدواه ذلك نتيجة عدم وجود تمويل كافٍ، وبالتالى إذا تمكن هذا الصندوق من تمويل رجال الأعمال أو الشركة الراغبة ستتهافت الدول الإفريقية مادام هناك تمويل ميسر يتم بأطر بنكية سليمة، فعلت ذلك الصين بـ15 مليار دولار وفعلت الهند بـ5 مليارات دولار وتركيا 2.5 مليار وكوريا الجنوبية والعديد من البلدان منها فرنسا والولايات المتحدة، هو يقدم تمويلا لنشاط شركات، فحاجة إفريقيا الحالية هى حاجة تنموية وليست القضية السياسية، أما السؤال بشأن ملف المياه أتصور أن الموقف المصرى هو موقف متوافق مع قواعد القانون الدولى وهو موقف يدعو لاتفاقيات قانونية ملزمة هو ناشد للاستقرار، داعٍ للتنمية فى إثيوبيا لا يتعارض معها ولكن فى الوقت نفسه يحافظ على حقوقه التاريخية المكتسبة، وهذه الحقوق لابد من احترامها وإدماجها فى منظومة تنمية،أتصور إذا ما تمكنا خلال المرحلة القادمة فى حوارنا مع إثيوبيا ومع الشركاء الدوليين ومنها أوروربا والصين والولايات المتحدة، إذا ما أمكن تقديم منظمة للأمن والتعاون فى منطقة الشرق، أو ممر للتنمية الشرقى، أقترح دائمًا أن يضم هذا الممر مصر والسودان وإثيوبيا ويربط بينهما بسكك حديدية وطريق برى ويربط بين المنشآت الهندسية، السدود فى البلدان الثلاث ليتم التعاون والتنسيق من خلال هذه المنظومة التى تجعل من المياه جزءًا من مفهوم أشمل، الموقف الإثيوبى يجب أن يتخلى عن تشدده ويدرك أن هناك مساحة للكل للاستفادة من النهر، وأى نهر دولى لا يمكن أن تستفيد منه دول المنبع وتترك دول المصب لتعانى من ممارسات فى أعالى النهر.
< أخيرًا.. هل من الممكن أن نشهد تصاعدًا للأزمات الدولية فى 2025 أم انحسارًا لها.. وهل نحن أمام بداية نظام عالمى جديد؟
<< نحن أمام مشهد صعب، فى العديد من مناطق العالم، فى أوروبا الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها على سلاسل الإمداد فى مجالات الطاقة والغذاء على سبيل المثال، وما تكلفه هذه الحرب من كلف إنسانية وكلف مادية واقتصادية، كان من الممكن أن تنهض بها العديد من الدول سواء فى القارة الأوروبية أو من خارجها، كما أن الأوضاع فى الشرق الأوسط هى أوضاع طاردة ومولدة للإرهاب ومولدة للعنف ومولدة للتقييم والتشرذم والطائفية كلها أمور تستدعى حكمة وتشاورا وحوارا دوليا ثم حوارا إقليميا مشتركا، فالمشاهد فى المنطقة هى مرتبطة بأوضاع داخلية كما كان وضع بشار الأسد ورفضه التعامل مع المعارضة السورية ودفع الأمور لمرحلة شديدة الصعوبة والاعتماد على قوة إقليمية ودولية خذلته ولم يعتمد على شعبه وكانت قيم الديمقراطية مهدرة سواء فى سوريا أو غيرها من بلدان المنطقة، ما يستدعى أيضا النظرة الأشمل لما هو مطلوب من دول المنطقة وما هو مطلوب من الولايات المتحدة على سبيل المثال وأوروبا، فكل هذه الأطر الدولية تحاول أن تحقق مصالح، وبالتالى عليك أن تحصن ذاتك وعلى أن تتبنى من السياسة ما يقربك من الشعب ويحولك لإقليم مستقر تتعاون فيه الدول ولا تتآمر على بعضها البعض.