نقاد: "السيوف السلطانية" كشفت حكم المماليك في مزيج عبقري بين التاريخ والإبداع

نظم نادي أدب مصر الجديدة برئاسة الدكتور طارق منصور، ندوة لمناقشة رواية "السيوف السلطانية"، للكاتب محمد العون، ناقشها كل من: د.طارق منصور، د.أحمد فؤاد، د.إيهاب عبدالسلام، وأدارت اللقاء الكاتبة سمية عبدالمنعم.
بداية تحدثت الكاتبة الصحفية والقاصة سمية عبدالمنعم، عن الفارق بين الرواية التاريخية وكتاب التاريخ، مؤكدة أن الرواية التاريخية هي عمل فنّي لا توثيقي، فهي لا تنقل السرد التاريخي الصلب، وإنما تنقل تصوّر الأديب له ورؤيته له من خلال احتوائه للتاريخ وتفاعله معه بتشكيل فني.
منتقلة للحديث عن تلك الإشكالية التي لازمت الروايات التاريخية، والتي تنكر كثيرا محاولة الكاتب التغيير من الاحداث الواقعية لصالح الحبكة الدرامية ومتن الرواية، متسائلة هل يعد ذلك تشويها أم أن عدم حدوثه يعد قصورا، ويصم الكتابة بأنها مجرد سرد تاريخي خالٍ من الإبداع.

مضيفة أن رواية "السيوف السلطانية" للكاتب محمد العون، هي رواية تاريخية من العيار الثقيل، فهي تعد ملحمة من الأحداث التي شهدتها مصر المملوكية، فيشعر القارئ معها وكأنه يغوص في كتاب للتاريخ، وكأنه على متن آلة للزمن عادت به إلى عصر المماليك، فصار منهم يحيا حياة العوام والفقراء تارة فيرتدي ملابسهم ويسكن بيوتهم ويعمل في وظائفهم ويعاني معاناتهم، ثم يتحول إلى مملوك أو أمير يسكن قصورهم ويركب خيولهم ويحيا في ترفهم...
مؤكدة أن الكاتب قد برع ليس فقط في نقل الصورة بل ونقل تفاصيل ودقائق الحياة من مصطلحات ومفاهيم وأسماء ووظائف وأنواع الأوراق والأقمشة والملابس وأسمائها وأسماء العائلات والشوارع والمدارس، وأسماء آلات الحرب وأزياء الحرب والكر والفر..
هكذا وكأننا دخلنا بالفعل إلى عالم المماليك الثري أحداثا وتاريخا..والذي كان عاملا فاصلا ومؤثرا في تاريخ مصر.

بينما التقط طرف الحديث الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد، مؤكدا أن الكاتب قد نجا من الوقوع في براثن الكتابة التاريخية، فاستطاع أن يجمع بين التاريخ والإبداع في مزيج مثير، فالرواية هنا تنتمي للنمط الذي يقدم الشخصيات التاريخية بأسمائها وهناك شخصيات أخرى متخيلة، فهناك خيط سردي تاريخي ويكمله ويتفاعل معه خيط سردي متخيل للشخصيات، إذن فقد استطاعت الرواية أن تمزج بين المتخيل والتاريخي، فنجت من أن تكون مجرد تاريخ وقدمت سردا مبدعا متخيلا.
ثم انتقل د.فؤاد للحديث عن عنوان الرواية، مؤكدا أن العنوان دال جدا على الفكرة الرئيسة للرواية.
وعن السرد، يقول فؤاد إن الكاتب قد استخدم في لغة السرد الراوي العليم الأكثر مناسبة للحديث ومعرفة كل زوايا الأحداث، كما استخدم في بعض المواضع المونولوج الداخلي، وضمير المتكلم، خاصة مع شخصية "أيوب".
مؤكدا أن الكاتب استطاع أن يصف الشخصيات المحورية وينقل ملامحها النفسية وأبعادها المختلفة، فجاء الوصف دقيقا ينقل كل ملامح ذلك العصر.
وعن اللغة السردية والحوارية، قال د.أحمد فؤاد إن الكاتب استخدم اللغة الفصيحة وهي متقبلة في ذلك العصر ومناسبة له.
وفي حديثه عن بنية الجملة فقد استخدم جملا قصيرة وطويلة وذلك حسب الموقف نفسه، مختتما بأنه استمتع بقراءة تلك الرواية التي برع الكاتب فيها أيما براعة.

فيما قال الدكتور إيهاب عبد السلام إن كل روايات محمد العون مليئة بالأحداث والأدبيات وسبر أغوار النفس البشرية، كما أنها تحفل بالرسائل المختلفة.
متابعا أن هذه الرواية التي بين أيدينا "السيوف السلطانية" إنما تمتلئ بالرسائل المقدمة بين السطور، فها نحن نشعر بالحزن الشديد على قدر ذلك البلد الذي تعرض لكل هذه السرقات وكل هذا النهب.
مضيفا أن من ضمن الرسائل المقدمة أيضا انحدار حال الصناعة في عصرنا الحالي، فبينما نجد في عصر المماليك أن الورق الجيد كان في ذلك الوقت يصنع في مصر والشام، نجد أن الورق الردئ هو الذي يأتي من بلاد الفرنجة.
كما أن من بين الرسائل التي تتضمنها الرواية إعلاء مبدأ التعليم الذي يجعل صاحبه يتسيد من حوله ويتميز عليهم في طبيعة ما يتقلد من أعمال، بينما نرى أن غير المتعلمين هم من يعملون بالمهن الوضيعة والبسيطة، وهو مبدأ مهم جدا أرساه الكاتب من خلال روايته. واختتم د.إيهاب عبدالسلام مؤكدا أن الرواية تحفل بالعديد من الرسائل التي أراد الكاتب أن يقدمها للقارئ.

"أراد الكاتب أن يفضح مجتمع المماليك ليقول لنا لا تأخذكم بهم شفقة، فهم لا يستحقون"
هكذا افتتح الأستاذ الدكتور طارق منصور حديثه عن الرواية، مؤكدا أن الرسالة التي يقدمها الكاتب هي رسالة مزدوجة، ففي فترة المماليك انقسم المجتمع المصري إلى قسمين؛ قسم متسيد وآخر لا ناقة له ولا جمل..
مؤكدا أن الكاتب قد نجح في فضح مجتمع المماليك من الداخل، بصورة لم ترد في كتب التاريخ رغم أن الاحداث نفسها وردت ولكن بالشكل الجامد وليس الإبداعي.
مضيفا أن الكاتب قد استعد جيدا بمعلومات غزيرة واطلاع واسع، وقد تعرض لهذه الفتره لأنها من أسوأ الفترات التي تعرضت لها مصر.
متابعا أن العون قد استخدم التعبيرات المصدرية المناسبة جدا للغة ذلك العصر، لهذا نراه قد استعان بمراجع ليورد أسماء الوظائف والأشياء في ذلك العصر وخاصة كتاب "الألقاب".
ويرى د.طارق منصور أن هدف الكاتب من الرواية هو هدف وطني قومي، فهي رواية تاريخية وطنية في المقام الأول، يعطينا الكاتب من خلالها دروسا وعبرا واستشرافا للمستقبل وإشارات مهمة، فالرواية تتماس مع الواقع التاريخي بشكل غير مباشر فقد فضح عصر المماليك وطغيانه في مقابل الشعب المصري المقهور والمغلوب على أمره، وهو ما يثبت قدرة ومهارة الكاتب في صياغة الحدث التاريخي في إطار درامي ممزوج بالخيال.
أما عن الوصف، فيؤكد دكتور طارق أن الكاتب قد نجح في تصوير المشاهد وخاصة المؤثرة منها بشكل مهاري جدا مثل مشهد الطاعون وضحاياه.
وفي حديثه عن شخصيات الرواية قال إن هناك خطين تسير فيهما الرواية؛ خط المماليك الذي يفضح حالهم وخط الشعب وهذا هو حال المجتمع آنذاك، فلو أراد أحدهم أن يطمح للأفضل فلا يستطيع مثل أيوب وهو دلالة على الصبر، كما أن علاقة فخر الدين بأيوب كناية عن أن هناك بعض المماليك الذين كانوا يميلون للمصريين بل ويتزوجون منهم، ولكن بشكل مستتر لا يمكن الإفصاح عنه حتى لا يتعرضوا للعقاب.
مضيفا أن هناك ايضا شخصية ابن البلد الصابر الطموح وهو أيوب لكنه لا يستطيع تحقيق طموحه نتيجة تمكن المماليك من العباد وطغيانهم.
وعن كون شخصيات الرواية حقيقية، أكد د.طارق منصور أن الشخصيات التاريخية التي وردت بالأحداث هي حقيقية مثل الأمير شيخون الطيب الذي كان له مواقف جيدة مع المصريين خصوصا أثناء تفشي مرض الطاعون، وغيره من الشخصيات.
مختتما حديثه بأن الرواية ذات رؤية وطنية لا يمكن إغفالها، وكتبت بمجهود واضح يحسب للكاتب.
وفي مداخلته، قال المهندس شرقاوي حافظ إن المؤلف له تجارب سابقة في الكتابة التاريخية مثل روايته "مولانا"، ولكنها تمثل فترة حديثة، كما يرمز عنوان الرواية التي بين أيدينا "السيوف السلطانية" إلى ذلك المزج بين الواقع والخيال فلا يمكنك التفرقة بينهما. مؤكدا أن شخصية أيوب يمثل صبر المصريين على ذلك الذل.
مضيفا أن الرواية كلها دارت بين السلطان والمملوك وتم تهميش الشعب المصري تماما، وقد استطاع الكاتب أن يكون دقيقا في الوصف وتسلسل الأحداث المنطقي فليست هناك فجوة بين الأحداث، كما أن هناك إسقاطات كثيرة، مثل وجود مبدأ أن السرقة من الدولة لا تعد سرقة وهذا المبدأ ما زال موجودا، فالشخصية المصرية وردت في شخصية أيوب.
بينما أكد المؤرخ والكاتب الصحفي محمد الشافعي أن الرواية التاريخية رائجة منذ سنوات وتكتب إما دفاعا عن مرحلة أو شخص أو إسقاطا على مرحلة أخرى أو لإتاحة موضوع جاذب.
مضيفا أن محمد العون لم يسقط الأحداث على شخص ما بل على مناخ عام، فمصر علشت في عصر المماليك فترة بائسه استطاع الكاتب بجهد كبير وقراءات مهمة وموثقة أن يبرز فترة حكم قلاون وأولاده السبعة.

وأكد الشافعي أن الكاتب قد حقق خلال روايته نوعا من الواقعية خاصة في وصفه لنهب المماليك لخيرات البلاد، كما نجح في وصف الأماكن والأشياء، ربما كان يحتاج للمزج بين الوصف الشكلي والدوافع النفسية للشخصيات.
وعن دلالة أسماء الشخصيات، أكد الشافعي أن الكاتب قد نجح في اختيارها، فلكل اسم دلالته، مثل
أيوب وهو دلالة على الابتلاء، جلال، وهو حامل العلم، استخدام اسم احمد كرجل دين، بكل ما يحمله من دلالة دينية.
وأضاف الكاتب الصحفي محمد الشافعي أن تلك الفترة كان هناك دور مهم للمرأة إلا أن الكاتب لم يشر لها سوى في شخصية اتفاق، ولم يشر لصراعات النساء خاصة أمهات الأمراء.
واختتم الشافعي حديثه مؤكدا أن الجزء التأليفي المتخيل هو الذي أحيا الجزء التاريخي وأوضحه.

بينما تحدث المخرج علي أبوسالم، عن الجانب النفسي للشخصيات، مؤكدا أنه حينما يحيل السارد الفعل الدرامي إلى الجانب النفسي للشخصية فهو يصل لقمة الكمال.
متابعا أنه كان يمكن التركيز على الجانب النفسي للماليك، فحينما نضع ذلك الجانب امامنا يكون المتلقي حائرا بين الإشفاق والإدانة، فما فعلوه نتيجة تشويه شخصياتهم منذ صغرهم، من الاعتداء الجنسي وممارسة العنف عليهم حتى يتم إخضاعهم.
مؤكدا أن الجانب النفسي متأصل في شخصياتهم وهكذا تحولوا لشخصيات ناكرة لإنسانيتهم، يرون المصريين أقزاما لأنهم جردوا من إنسانيتهم.
بينما يرى د.محمد ابراهيم، أنه من السهل أن يكتب أي كاتب تاريخا متسلسلا لكن الرواية التي تلمس القلب مختلفة تماما، مؤكدا أن الرواية التي بين أيدينا من ذلك النوع الأخير، مضيفا أن اختيار العصر والفئة ليس أمرا سهلا.
متابعا أن الرواية تحفل بالإشاريات والرمزية، مختتما أن الرواية التاريخية في الاصل رمزية.

وتعقيبا على ما سبق قال الكاتب الروائي محمد العون،
أنا لا أكتب تأريخا، لكن ما أريد قوله عن تلك الفترة قد وصل للقارئ، مؤكدا أن قد توقف عند اضطراب تلك الفترة وتوقفت، رغم أن فترة حكم ابن قلاوون مستقرة لكن هناك أزمات لا يمكن إغفالها، وكون ٧ من أبنائه يحكمون في ٨ سنين ويموتون مقتولين فهو أمر ملفت.
مضيفا أن هناك امراء مؤثرين وأثرهم باق حتى الآن، مثل الأمير طاز، ومسجد شيخون ومدرسة ومسجد صرغمتش، مسجد السلطان حسن.. وغيرها.
وعن تعقيبه على عدم تفسير بعض المصطلحات، قال العون إنه من السهل تفسيرها، فأنا أكتب لقاريء لديه النت والتكنولوجيا ويسهل عليه البحث، فلابد أن يكون القاريء فاعلا ومشاركا. مؤكدا أنه بذل جهدا في معرفة تلك المصطلحات وفي عدم حدوث خلط بينها.
وأكد العون أنه قد ذكر دور النساء في الرواية، فأم السلطان حسن ذكرت، فقد كانت زوجة سلطان وأم سلطان وكانت سببا في تعاسة ابنها وضياع حكمه.
معللا عدم التركيز على دور النساء في تلك الفترة وكون ذكر المرأة قليل لدى المؤرخين بأن ما يدور في الحريم كان سرًا إلا في بعض اللمحات مثل مربية السلطان حسن فالمقريزي ذكرها بالاسم، وهناك نماذج قليلة موجودة في التاريخ، لكن مناخ الرواية لم يسمح بذكر المزيد.
واختتمت الكاتبة سمية عبدالمنعم الندوة مؤكدة أننا أمام رواية تاريخية إبداعية، كتب بمهارة وتفرد.
يذكر أن الكاتب محمد العون عضو اتحاد كتاب مصر منذ 1986، حصل على عدة جوائز، وهي:
* جائزة الدولة التشجيعية في الأدب لعام 2013 عن رواية مولانا.
* جائزة اتحاد كتاب مصر فى الرواية لعام 2014 عن رواية سجن الطاووس.
* أعمال قصصية منشورة في الصحف والمجلات المصرية منذ عام 1996 - أخبار الأدب - الهلال - الأهرام المسائى – أدب ونقد - مجلة الأدباء – إبداع – القاهرة –صدى البلد.
الكتب الصادرة:
الملك ينزل المدينة – مجموعة قصصية - دار ميريت
2006
خيانة الجسد - مجموعة قصصية – 2008 طبعة
خاصة
مصير بيكاسو - رواية - دار الحضارة - 2009 4 - مولانا - رواية - دار الحضارة - 2010
ليلة التحرير - رواية - دار الحضارة – 2011
مراكب الليل - رواية - دار الحضارة – 2012
سجن الطاووس - رواية - دار الحضارة – 2014
عطر الغرام - رواية - دار الحضارة – 2015
9. فانوس مكسور - مجموعة قصصية - دار دلتا -
2017
سراديب الذهب - رواية - دار روافد – 2017
ممر الشاي الهندي - رواية - دار فضاءات - 2020
السيوف السلطانية رواية_ دار الفاروق_ 2024




