رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

الفرق بين الرضا والصبر.. مفتاح السكينة والسعادة

بوابة الوفد الإلكترونية

الرضا بقضاء الله من أسمى درجات الإيمان، وهو باب عظيم للطمأنينة والسعادة الحقيقية. فالمؤمن الحق يعلم أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بقدر الله، وأن الخير قد يكون مخفيًا فيما يبدو لنا شرًا. وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:"ما أبالي على ما أصبحت، وما أمسيت أحبَّ إليَّ؛ لأني لا أدري أيهما خير لي"، وهذا تعبير عن تسليمه التام لحكمة الله في كل ما يحدث، سواء كان خيرًا ظاهرًا أو ابتلاءً يخفي في طياته رحمةً لا يدركها الإنسان إلا بعد حين.

الرضا يحتاج إلى تدريب ومجاهدة

لكن الوصول إلى هذه الدرجة الإيمانية العالية لا يكون سهلًا، فهو يحتاج إلى تدريب للنفس ومجاهدة لها، لأن طبيعة الإنسان تجعله يجزع عند المصيبة ويفرح عند النعمة. ولذا فإن الرضا لا يعني غياب الألم، لكنه يعني التسليم لله وحسن الظن به في كل الأحوال.

يروي لنا الإمام الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين» قصة لطيفة توضح هذه المعاني، حيث حدثت بين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه – وكان عالمًا ومربيًا – وبين عدي بن حاتم الطائي.

قصة علي بن أبي طالب مع عدي بن حاتم الطائي

رأى سيدنا علي عديًّا مكتئبًا، فقال له:

"يا عدي، ما لي أراك كئيبًا حزينًا؟"

فقال عدي:

"وما يمنعني أن أكتئب؟ فقد قُتل ابناي وفقئت عيني!"

فقال له سيدنا علي:

"يا عدي، من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر، ومن لم يرضَ بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله."

وهنا يوضح سيدنا علي رضي الله عنه أن القضاء نافذ لا محالة، سواء رضي العبد به أم سخط. لكن الفرق أن الرضا يمنح الإنسان راحة البال والثواب العظيم، بينما السخط لا يغير شيئًا سوى أنه يزيد القلب ضيقًا وحزنًا.

الفرق بين الرضا والصبر

هذه القصة تبين الفرق بين الرضا والصبر، فكلاهما معانٍ متقاربة، لكن الصبر هو تحمل المصيبة دون جزع أو اعتراض، بينما الرضا هو استقبال القضاء بحب وطمأنينة ويقين في حكمة الله. كما قال تعالى:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ}

والصبر الجميل هو الذي لا يكون معه تبرُّم أو اعتراض على مراد الله، بل يكون صاحبه مستسلمًا لله، مطمئنًا بعدله ورحمته.

الرضا.. مفتاح للزهد والتوكل

الرضا يزيل الحزن، ويمنح الإنسان راحة نفسية عظيمة، فهو يساعد على الزهد في الدنيا، ويعين على التوكل والتسليم، ويفتح للإنسان بصيرة تجعله يفهم الأشياء على حقيقتها.

فعندما يدرك الإنسان أن كل شيء في هذا الكون إنما يكون بمراد الله، فإنه لا يشعر بالقلق المفرط تجاه المستقبل، ولا يحزن حزنًا يعطله عن الحياة عند وقوع المصائب. فالرضا هو يقين داخلي بأن الله لا يقدر لعباده إلا الخير، حتى لو لم يكن ظاهرًا لهم في البداية.

كيف نصل إلى الرضا؟

الوصول إلى هذه الدرجة يحتاج إلى تدريب النفس وترويضها على التسليم لله، ومن أقوى الوسائل لتحقيق ذلك:

1. كثرة الذكر والاستغفار، فالقلب العامر بذكر الله يكون أكثر طمأنينة وأقرب إلى الرضا.


2. التأمل في قصص الصالحين، ومعرفة كيف كانوا يسلمون أمرهم لله في السراء والضراء.


3. التفكر في نعم الله، وإدراك أن كل محنة يخفي الله فيها منحة، وكل ابتلاء قد يكون سببًا في رفعة الإنسان.


4. حسن الظن بالله، والثقة بأن تدبير الله خير من تدبيرنا لأنفسنا.

 

 

الرضا بقضاء الله لا يعني أن الإنسان لا يشعر بالحزن، لكنه يعني أنه لا يعترض ولا يسخط، بل يستقبل الابتلاء بيقين أن كل ما يأتي من الله هو خير، حتى لو لم يدرك الحكمة منه. فهو طريق للسكينة والراحة القلبية، وهو مفتاح لحياة مليئة بالطمأنينة، لأنه يحرر القلب من الهم والقلق، ويجعله متصلًا بالله في كل لحظة.

فمتى تيقن العبد أن تدبير الله له خير من تدبيره لنفسه، عاش مطمئنًا راضيًا، مرددًا في كل حال:"كل ما يأتي من الله جميل."