تراجع مفهوم الدولة الوطنية وتصاعد دور الفاعلين المسلحين من غير الدول سواء كانت ميليشيات، أو فصائل جهادية، أو عقائدية أيديولوجية، أو شركات أمن على شاكلة فاجنر الروسية هو أحد أبرز تحديات ومهددات بناء الدولة خلال العقدين الأخيرين.
موجة جديدة من استهداف «الدولة الوطنية» فى سياق التصعيد الأخير فى سوريا بعد أكثر من 4 سنوات من الهدوء، وهو ما أعاد للواجهة مرة أخرى إشكاليات «الدولة الوطنية» بمفهومها التقليدى كما حدده أيان براونلى Ian Brownlieعلى أنها أى الدولة شخص قانونى يعترف به القانون الدولى استنادا إلى أربعة أركان هى: إقليم محدد، سكان دائمون، وحكومة فعالة، واستقلال معترف به. وهى الدولة التى حصنها النظام الدولى بمبادئ السيادة الوطنية، والسيادة الإقليمية، وعدم التدخل.
ما يحدث فى سوريا اليوم هو حلقة جديدة من حلقات التدخل الخارجى وانتهاك السيادة للدولة الوطنية فى سوريا، وهو انتهاك يهدف لتفكيك الدولة الوطنية، وتحويلها لدويلات صغيرة، محكومة بمجموعة من الفصائل والميليشيات تظل فى حالة تناحر وتصارع مع بعضها البعض. هذا الانتهاك يأخذ عدة أشكال وسيناريوهات، تبدأ باللعب على وتر الطائفية والإثنية والعرقية تارة، واستهداف الجيوش الوطنية تارة، والشائعات تارة أخرى، ويتزامن مع ذلك تصاعد ودعم دور الفاعلين من غير الدول خاصة الفصائل والميليشيات المسلحة.
هذا السيناريو الخاص بإضعاف وتفكيك «الدولة الوطنية» فى المنطقة بدأ منذ أكثر من 20 عاما فى العراق، ومن قبلها الصومال، ثم مر قطار التفكيك والاستهداف بكل من: سوريا، ليبيا، واليمن، والسودان، والان عاد قطار التفكيك مرة أخرى للمحطة السورية ليقضى على البقية الباقية من جثة الدولة الوطنية السورية.
خطورة الفاعلين المسلحين من غير الدول تتمثل فى العمل على تقويض الطابع المتجانس لسيادة الدولة الوطنية من خلال المطالبة بالحكم الذاتى الاستراتيجى/الإقليمى من داخل حدود الدولة. ومن جانب آخر تدويل الصراعات الداخلية المحلية بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية من خلال إشراك الأطراف الخارجية الفاعلة، وسوريا النموذج الأبرز على ذلك، فالقرار الوطنى السورى أصبح بيد روسيا، تركيا، وإيران. حيث يمارس الأطراف الدولية والإقليمية، إلى جانب طبيعة واتجاه التنافس على مستوى النظام الدولى أشكالًا مختلفة من النفوذ. حيث يتم استخدام الجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول كوكلاء بالوكالة إما لاحتواء المنافسين أو القضاء عليهم، أو دعم الأصدقاء والحلفاء.
هذه الضغوط والتدخلات الخارجية، أدت إلى ظهور أنماط مختلفة من التغيير فى سوريا والعراق واليمن، وليبيا، والسودان. فكل صراع يجمع بين مزيج متميز من التطرف وتفكيك الدولة، مع وجود جهات مسلحة تسعى ليس فقط إلى الهيمنة والسيطرة على الأرض والموارد، بل وأيضاً إلى توفير الخدمات العامة كبديل للدولة الوطنية. وعلى هذا النحو، فإنها تطالب بدور مستقل وتخلق نظاماً إقليمياً بديلاً إلى جانب سيادة الدولة أو فى بعض الحالات بدلاً منها. وهذا يتحدى السلطة الشرعية المعترف بها للدولة الوطنية فى الحكم والسيادة وحيازة القوة، ويحد من قدرتها على الحكم بفعالية على الأراضى المعترف بها دولياً. ومن ثم، فإن الاستحواذ على الأراضى أكثر من مجرد ضرورة عسكرية.
وحدها مصر هى التى نجت من هذا السيناريو الملعون، بفضل نسيجها الموحد، ومؤسساتها وقيادتها الوطنية وعلى رأسها القوات المسلحة والشرطة. حفظ الله الوطن، جيش، وشرطة شاء من شاء وأبى من أبى.