فى غزة، حيث الموت مستمر، والدمار لا يرحم، والنوايا واضحة، لا نستطيع أن نقبل ما يحدث. ومع وصول إسرائيل إلى قمة أخرى مقززة.
إن ما تواجهه إسرائيل الآن ليس إدراكها أن النظام العالمى معطل، بل إنه يعمل بالضبط كما صمم له. وهذا التصميم تكون فيه الحسابات الأنانية للقوى الإمبريالية وحلفائها هى كل ما يهم. فالفلسطينيون لا يقعون فى مرمى نيران إسرائيل فحسب، بل وأيضاً فى مرمى نيران الأنظمة العربية التى استقرت بفضل قربها من الولايات المتحدة التى تطالب بالهدوء عندما يتعلق الأمر بأفعال إسرائيل. وفى مرمى نيران صناعة الأسلحة المربحة للغاية بحيث لا يمكن الحد منها. وفى مرمى نيران النظام الذى تديره الولايات المتحدة والذى قايض حياة الفلسطينيين من أجل رعاية قوة مهيمنة فى المنطقة من شأنها أن تحد من قوة إيران. وفى مرمى نيران حكومة غربية بالكامل على الطراز الوسطى رفضت الحد من أفعال إسرائيل بشكل هادف بينما كانت توبخ المواطنين الذين يهددون بنقل أصواتهم إلى أماكن أخرى.
الغارات الجوية «المتواصلة» على شمال غزة، وحرق المرضى أحياء فى أسرة المستشفيات، كما حدث لشعبان الدلو. واستهداف الأطفال بطائرات بدون طيار، ثم « الضرب المزدوج «: إرسال ضربة ثانوية لضرب أولئك الذين تجمعوا للمساعدة. وخلق ظروف المجاعة من خلال منع الإمدادات. وإصدار أوامر للفرق الطبية والدفاع المدنى بمغادرة مخيم جباليا للاجئين.
إن هذه الاستراتيجيات المتطرفة تتماشى مع النهج الذى يمارس فى مختلف أنحاء الأراضى المحتلة، والذى يقوم على إجبار الفلسطينيين على التحرك «طوعاً» من خلال حرق الأرض التى يعيشون عليها. وتأمين توسع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية من خلال عدم إعطاء الفلسطينيين أى خيار سوى التحرك من خلال الترهيب، وخنق النشاط الاقتصادى من خلال إغلاق مناطق السوق وتزويدها بنقاط التفتيش والجنود، والخداع البيروقراطى الذى يسمح بهدم المنازل وإغلاق المحلات التجارية. وتزداد مدينة الخليل الفلسطينية ارتفاعاً وكثافة، حيث يبنى الناس شققاً للانتقال من المنطقة التاريخية القديمة التى يتم تقليص عدد سكانها «طوعاً»، من خلال التدابير التى تجعل المنطقة غير صالحة للعيش. ويجد الفلسطينيون الذين بقوا فى المنطقة أنفسهم محاصرين فى مواجهات مع المستوطنين والجنود، ثم يتم وصمهم بالخطر الأمنى وقتلهم لتحديهم الخطة.
إن هذا الأمر يتردد بقوة فى غزة. وهذا يتفق مع ما يسمى بخطة الجنرالات، وهى اقتراح قدمه عدد من الجنرالات المتقاعدين إلى الحكومة الإسرائيلية فى أوائل أكتوبر، يدعو إلى منح الفلسطينيين بضعة أيام لمغادرة شمال غزة، ثم إعلانها منطقة عسكرية وقتل وتجويع من تبقى منهم.
إن هذه المرحلة الجديدة الصارخة، من الحرب تحمل فى طياتها مرحلة مذهلة فى قسوتها التى لا يمكن تصورها، والتى يتعين على بقية العالم أن يبتلعها كل صباح. إن كل الانتصارات الخطابية والقانونية التى تحققت خلال العام الماضى، وكل الاحتجاجات والصراخ والإدانات من جانب المنظمات الدولية، لا قيمة لها إذا كان المكان الذى انتهى بنا المطاف إليه الآن هو مكان يحمل فيه الأطفال الفلسطينيون إخوتهم الجرحى لساعات. ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يوقفها.