جمعة: من أصابه شيءٌ من رحمة النبي فهو الناجي في الدارين
قالَ أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ طاهِرٍ القَيْسِيُّ الإشْبِيلِيُّ : زَيَّنَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِزِينَةِ الرَّحْمَةِ ؛ فَكانَ كَوْنُهُ رَحْمَةً ، وجَمِيعُ شَمائِلِهِ رَحْمَةً ، وصِفاتُهُ رَحْمَةً عَلى الخَلْقِ، فمن أصابه شيءٌ من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب؛ ألا ترى أن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾؛ فكانت حياته رحمة، ومماته رحمة؛ كما قال: «حياتي خيرٌ لكم وموتي خيرٌ لكم». وكما قال: «إذا أراد الله رحمةً بأمةٍ قبض نبيها قبلها؛ فجعله لها فرطًا وسلفا». قال السمرقندي: رحمةً للعالمين: يعني للجن والإنس.
وجاء ذلك في حديث الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق، حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر مولده، أنه قيل لجميع الخلق؛ للمؤمن رحمةً بالهداية، ورحمةً للمنافق بالأمانِ من القتل، ورحمةً للكافر بتأخير العذاب، قال ابن عباس: هو رحمةٌ للمؤمنين والكافرين؛ إذا عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة.
وتابع: أنه حُكي أن النبي ﷺ قال لجبريل عليه السلام: «هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟» قال: نعم؛ كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عليَّ بقوله: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ =٢٠- مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ ، الملك يخشى العاقبة قطعًا، وهم يرتجفون ولا يعرفون ما في نفس الله، والله سبحانه وتعالى ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ، وفعله في ملكه لا يتعلق بالعمل، والنبي ﷺ يقول: «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته»؛ فجبريل يعلم هذه الحقيقة، لكنه اطمأن بعدما صرح الله بأنه مطاع ﴿عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ فاطمأن لأن الله سبحانه وتعالى صادق، لا يخلف وعده، أما قبل ذلك التصريح؛ فالملك وإن كان معصومًا هو في خشية الله، وفي الهيبة الدائمة، كما أنه في الرجاء الدائم، ولكن جبريل اطمأن لمستقبله بالنبي المصطفى ﷺ فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين.
ورُوي عن جعفرِ بن محمد الصادق -في قوله تعالى: ﴿فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ﴾ [الواقعة:91]، أي بك؛ إنما وقعت سلامتهم من أجل كرامة محمدٍ ﷺ.
وأشار: أنه فسَّر بعض المفسرين الرحمة للعالمين بأنها تصيب كل الخلق ، وذلك لحديث الشفاعة كما أورده الإمام البخاري في صحيحه فإن الخلق يلجأون إلى سيدنا آدم فيعتذر، وإلى سيدنا نوح فيعتذر، وإلى سيدنا إبراهيم فيعتذر، وإلى سيدنا موسى ، وكلهم يُحيل بعضهم إلى بعض، حتى يُحيل سيدنا عيسى إلى سيدنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى ﷺ فيذهب كما في البخاري فيسجد سجودًا طويلًا عند العرش لله رب العالمين ويُلهم بدعاء لم يلهمه أحدٌ من قبل، حتى يقول الله له: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، قُلْ تُسْمَعْ ، سَلْ تُعْطَهْ ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ ، ويستجيب له؛ فتصيب رحمته بتلك الاستجابة كل العالمين في الموقف من لدن آدم إلى يوم القيامة سيستفيدون منه، من سبه، ومن كفر به، ومن آمن ؛ كلهم سيستفيدون من شفاعته العظمى للخلق أجمعين بتقصير يوم القيامة ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾، فيوم القيامة طوله ألف سنة، وسيختصره إلى النصف بالشفاعة الكبرى.