رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

علي عبدالرازق باشا، اسم يظل محفورا في ذاكرة مصر، ليس فقط لأنه وزير أوقاف، بل لأنه رمز للإصلاح والتجديد، رجل جمع بين الحفاظ على الهوية الإسلامية والانفتاح على التطور والنهوض بالمجتمع. 

خلال فترة توليه وزارة الأوقاف من مارس 1947 حتى يوليو 1949، شهدت الوزارة نهضة شاملة، شملت كل نواحي العمل الإداري، التعليمي، الصحي، والاجتماعي، لتثبت مصر أن الدين يمكن أن يكون شريكا حقيقيا في التنمية. 

الرجل لم يكن مجرد مسؤول رسمي؛ كان صاحب رؤية واعية، فكر كبير، وعمل دؤوب لتغيير واقع المؤسسات الدينية بما يتماشى مع متطلبات العصر.

ولد علي بن حسن بن أحمد عبدالرازق في قرية أبو جرج بالمنيا عام 1888، وتلقى تعليمه في الأزهر ثم واصل دراسته في أكسفورد، ليجمع بين العلم الشرعي العميق والفكر العصري. 

عمل في القضاء الشرعي، وله مؤلفات مهمة في الفقه والشريعة، قبل أن يخوض غمار العمل الوزاري في أكثر الفترات حساسية في تاريخ مصر الحديث. 

كانت شخصيته مزيجا من الفهم الديني الدقيق والقدرة على الإدارة الحديثة، وهو ما انعكس بوضوح في كل قرار اتخذه خلال سنوات خدمته في الوزارة.

من أهم إنجازاته على الصعيد التنظيمي أنه أصدر قرارات تنظم عمل المعاهد الصناعية، وحدد اللائحة التي تضمنت 131 مادة، بما يضمن تطور التعليم العملي للطلبة. 

كما أصدر قرارا بحصر المساجد في جميع أنحاء مصر للتعرف على حالتها والنهوض بها، مع إعادة إحياء مكانتها التاريخية والاجتماعية في المجتمع. 

لم يقتصر عمله على المساجد فقط، بل أنشأ مكتبا للصحافة داخل الوزارة ليكون حلقة وصل بين العاملين والإدارة، وحدد أعضائه واختصاصاتهم، وكان من بين هؤلاء أسماء كبيرة مثل نجيب محفوظ وطاهر أبو فاشا، ما يظهر مدى حرصه على توثيق العمل الإعلامي والمهني داخل الوزارة.

على صعيد التنمية البشرية، لم يغفل عن تحسين أوضاع العاملين، فأنشأ صندوق ادخار للموظفين وزاد المرتبات للخدم والمؤذنين، محددا حدا أدنى يعكس اهتمامه بالعدالة الاجتماعية. 

كما وضع معايير واضحة لترقية الأئمة واختيارهم، مع وضع شروط لضمان الكفاءة العلمية والشرعية، ومواكبة التطور في العمل الدعوي والتعليمي. 

وحرص على وضع لوائح مفصلة لدور طلبة العلم من حيث الإدارة، وشروط القبول والفصل، والمرتبات، والمرافق الصحية، وكل ما يضمن بيئة تعليمية متكاملة.

ولم يغفل الشيخ عبدالرازق باشا عن الجانب الصحي والاجتماعي، فافتتح أقساما للعلاج بالأجر في مستشفيات الوزارة، وأنشأ مؤسسة للقرض الحسن في حي الأزهر، مع الاهتمام بالرياضة وبناء لجان لتطوير الأداء البدني للطلاب والعاملين. 

كل هذه الخطوات كانت جزءا من رؤيته المتكاملة التي ترى أن دور وزارة الأوقاف لا يقتصر على العبادة فقط، بل يمتد ليشمل التنمية الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.

أما فيما يخص الحفاظ على أموال الوقف، فقد شكل لجانا لفض المنازعات المتعلقة بالعقارات وتحسين الأراضي الزراعية، وتحصيل الإيجارات والمتأخرات، بما يضمن استدامة الموارد المالية للوزارة. 

كما كان حريصا على تعزيز الدور الدعوي للمساجد، فزادت مرتبات العاملين، وأنشئ صندوق ادخار، وتم وضع تعليمات دقيقة لتحديد واجبات العاملين، وتحديد أفضلية الترشيح للإمامة والخطابة لمن يتمتع بالعلم والقراءات والتجويد، مع العمل على تعليم ما لم يعرف منهم هذه العلوم، وحرص على الاحتفال بالمناسبات الدينية بما يعكس القيم الأصيلة للمجتمع المصري.

ويمكن القول إن الشيخ علي عبدالرازق باشا كان نموذجا فريدا للوزير القائد، الذي لم يكتف بالإدارة البيروقراطية، بل أعطى كل اهتمامه لتطوير الإنسان والمجتمع، ولم يكن هدفه مجرد إدارة وزارة، بل بناء مؤسسة وطنية قوية تستطيع أن تكون قلبا نابضا في حياة المجتمع. 

رجل أعاد للوزارة هيبتها ومصداقيتها، وحفظ لها روحها الإسلامية، وفي نفس الوقت جعلها مؤسسة مواكبة للتقدم والتنمية، لتظل ذكراه ملهمة لكل من يريد أن يخدم وطنه بإخلاص وفكر حديث وحس وطني عميق.