لم يعد هناك مكان آمن فوق أرجاء المعمورة، بعد أن رسم أتباع الشيطان طريق الهلاك للبشرية عبر استخدام الأجهزة اللاسلكية فى التطور الحديث للقيام بالجرائم العدوانية، التى تهدد سلامة الإنسان فى جسده، وتمس أمن وسيادة البلاد الواقع عليها الاعتداء، ومن هنا يكمن الخطر الذى يقيد الأمن والنظام والطمأنينة للمجتمع الدولى، عندما تستخدم دول أو منظمات إرهابية خطر هذه الأفعال المادية لتهديد سلامة البشرية، لأن فى الغالب لا يقع ضررها على شخص بعينه، إنما فى غالب الأحيان يصل امتداد الضرر ويهدد المحيطين به من كل جانب.
لعل أشد أنواع الجرائم قسوة وأشدها جسامةً، المجزرة الدموية التى استهدفت أعضاء من جماعة حزب الله فى الجنوب اللبنانى، وكان ذلك يوم الثلاثاء بتاريخ 17 من سبتمبر الجارى ويوم الأربعاء بتاريخ 18 من ذات الشهر أيضا، حيث قامت أصابع شيطانية بتفخيخ أجهزة الاتصالات الذكية الخاصة بهم «بيجر»، تلك الجريمة العمدية المضرة بسلامة الأرواح تعيد بالمجتمع اللبنانى إلى الأذهان، مسلسل السيارات المفخخة أو الملغمة المتصلة بجهاز متفجر، لكى يتم استخدامها فى عمليات الاغتيالات السياسية، وقد حدث ذلك فى حقبة الثمانينيَّات والتسعينيات من القرن الماضى، إلا أن بعد عقدين ونصف من الزمان، يختلف الفعل المادى فى شكل تكوين الجرائم الإرهابية، عندما سخر الأشرار لأغراضهم الدنيئة التطور الهائل فى تكنولوجيا وسائل الاتصال الحديثة، وجعلها ميدان حرب يتقنون فيه هجماتهم «السيبرانية»، وأن ما حدث من تفجير لأجهزة النداء الآلى «البيجر»، ما هو إلا بروفة تمهد لحروب «سيبرانية» قادمة، تكون بديلاً عن الحروب العسكرية التقليدية، وهذا ما ننبه إليه من خطورة استخدام هذه الأجهزة «الرقمية» فى تلك الأعمال الشيطانية، كسلاح فتاك لحصد أرواح الأبرياء والذى لا يقل خطورة عن الاستخدام الخطير للسلاح النووى أو الكيميائى المحرم دولياً، لأن العالم أصبح قرية صغيرة تربطه شبكة اتصالات دولية، تتحكم فيها أجهزة اتصالات ذكية، وإذا تم اختراقها جلبت على سكان الأرض الكوارث والخراب والدمار وهلاك فى الأنفس والأموال.
وإذا كانت هناك دول أو أجهزة استخبارات عالمية، تكون على مستوى عالٍ من الاحتراف فى استخدام هذه التقنية فى جرائمها الإلكترونية، إلا أنها ليست وحدها فى اختراق أجهزة «البيجر»، بل هناك شريك متواطئ مع هذه الجهات وهذا التواطؤ يظهر بوضوح فى أن الشركات المصنعة لهذه الهواتف هى الشريك الأساسى فى قوع الهجمات «السيبرانية»، باعتبارها المكون الأساسى لهذا الجهاز ويأخذ عليها أسباب انفجاره، وهذا التفسير يكون مبنياً على أغراض فنية بحتة، تستلزم بالضرورة معرفة الخامات المصنعة لأجهزة «البيجر»، وهل تم حقنها بمواد متفجرة أو زرع فيها مواد شديدة الانفجار، بجوار البطارية، أو يوجد بها شحنة متفجرة وشرائح ومواد إلكترونية تم تشفيرها والعبث فى محتوى مكوناتها لحين وقت زمنى معلوم يحدث الانفجار.. وعلى أساس ذلك تم رصدها من قبل أجهزة استخبارات أجنبية، من أجل استخدامها فى جرائمها العدوانية، فإن دور الشركة المصنعة لتلك الهواتف يكون دورا فنيا فقط، تم تطويعه فى خدمة دول وأجهزة استخبارات لا تريد أن يعيش المجتمع الإنسانى فى سلام وأمان، وتكون هذه الهواتف أداة أو محلا للجرائم الإرهابية، وعلى ذلك مهما يكون رجل المخابرات يتمتع بذكاء غير عادى، إلا أنه لا يستطيع التخلى عن العقلية الفنية والهندسية فى تصنيع الأجهزة الذكية، من أجل مواصلة جرائمه الإلكترونية.. ولحماية المجتمع الدولى من تلك الانتهاكات «السيبرانية»، يجب عليه وعلى منظماته بأن يتخذوا التدابير اللازمة لحمايته، من خطورة الجرائم الإلكترونية التى أصبحت تهدد كيانه، بأن يقوم بإصدار تشريع دولى لتقويض خطورة هذه الجرائم والحد منها، ويعتبر كل من ساهم وشارك فيها مجرم حرب، ومحاسبة الشركات التى تصنع الهواتف الذكية والشرائح الإلكترونية، فى غير الأغراض التى أنشئت من أجلها فى خدمة الإنسانية والمصالح العامة بين أفراد المجتمع الدولى ومؤسساته الاقتصادية، وإذا انحرفت هذه الشركات عن هذا الغرض، وطوعت نفسها للأفكار الشيطانية للترتيب والتحضير لارتكاب جرائم من شأنها الإضرار بالأمن والسلام الاجتماعى وجعله فى خطر داهم، تكون مسئوليتها الجنائية قائمة، لأن فى ظاهرها تعريض العالم واقتصاده للخطر، وعلى هذا نطالب بأن يكون هناك تشريع دولى يجرم هذه الأفعال، لأن بعد موقعة «بيجر» أصبح أكثر سكان العالم يعيشون فى رعب وخوف وفزع من حدوث انفجارات لأجهزتهم الذكية، ولكى يصبح العالم فى أمان لتلافى حدوث أى خطر يهدده، يجب أن تكون هناك ضوابط قانونية، يفرضها المشرع الدولى على شركات تصنيع الأجهزة الذكية، فى عدم استحداث جرائم ضد الإنسانية، بطريق الهواتف المحمولة، لأن عدم صدور قانون دولى يفرض قيوداً على الشركات التى تخالف المعايير الدولية فى تصنيع الأجهزة الرقمية، سوف تعم الفوضى وجرائم قتل الأبرياء العالم كله، دون محاسبة الفاعل أو شريكه فى الجريمة، لأن فى هذه الحالة المتهم هو الهاتف الذكى الذى بين يدى المجنى عليه.