رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

انتبهوا يا «ولاد الحلال»

التسول الإلكترونى.. أسهل طريق للوصول إلى جيبك!

بوابة الوفد الإلكترونية

عبر تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعى، والسوشيال ميديا، تطاردك عبارات يومية، كـ«أرملة وباجرى على يتامى ساعدونى يا ولاد الحلال معيش حق الإيجار».. و«ابنى مريض ومحتاجة حق الدوا».. و«أنقذ أسرة من الضياع تتعفف أن تقول للناس: حسنة لله».

 

وتلاحقك مقاطع فيديو وبث مباشر على تطبيقات الفيديو الشهير، تستجدى استعطاف فاعلى الخير، بعبارات تلعب بعواطف المصريين ويقع فى فخها الكثيرون.

 

وهكذا انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى ظاهرة «التسول الإلكترونى»، وهى لا تختلف عن التسول التقليدى سوى كونها تواكب تطورات العصر، وتستخدم التكنولوجيا للوصول إلى جيوب الناس، وتقوم على الخداع والاستعطاف للحصول على المال بطرق غير قانونية وغير مشروعة.

 

«على خالد» مواطن مصرى له مع نصابى التسول الإلكترونى حكاية عاشها، يرويها قائلا: ذات يوم استوقفتنى مناشدة إلكترونية لإحدى السيدات أكدت فيها أن لديها ابناً وابنة، وأن حالة الولد حرجة، وبحاجة لإجراء عملية بالمخ، مناشدة أصحاب القلوب الرحيمة مساعدتها، فتواصلت معها من خلال رقم هاتفها المسجل على الفيس بوك، فطلبت المساعدة وإرسال أى مبلغ مالى بأسرع وقت ممكن وقالت إنها بحاجة شديدة للمبلغ لإنقاذ حياة ابنها الوحيد، فلم أكذب خبرا وسارعت بإرسال مبلغ كبير إلى تليفونها عبر خاصية «الدفع الكاش»، وبعد يومين طلبت منى مبلغاً مالياً آخر، وعندما طلبت عنوانها للذهاب إليها وإعطائها المبلغ المطلوب تهربت منى وأغلقت هاتفها.

 

وتابع: هنا أدركت أن الأمر كله لم يكن سوى عملية نصب تعرضت لها، وبعدها علمت أن كثيرين مثلى تعرضوا لعمليات نصب إلكترونى ولهذا يجب فرض عقوبات قانونية على هذا النوع من التسول وتجريمه للقضاء على عمليات النصب المماثلة لمنع تكرارها مع ضحايا آخرين.

 

ظاهرة شائعة

ريهام أحمد عبدالرحمن - أخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى، أكدت أن التسول الإلكترونى أصبح ظاهرة شائعة على منصات التواصل الاجتماعى.. وقالت: الكثير يمارسون هذه الظاهرة السلبية على تطبيقات السوشيال ميديا، مما يهدد الأمن النفسى والاجتماعى لأفراد المجتمع ويساهم فى انتشار الجريمة فى المجتمع وانتشار ثقافة التواكل وعدم السعى.

 

وأشارت أخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى إلى أن التسول الإلكترونى يقوم به شخص يجيد إتقان كافة الأدوار فالمتسول شخص لديه ذكاء اجتماعى وقدرة على استخدام الكلمات المؤثرة التى يخدع بها الغير فهو يتسم بالكذب والمراوغة، ويثير بكلماته شفقة الآخرين وتعاطفهم معه، من أجل الوصول للثراء السريع دون أى مجهود أو تعب، وقد أثبتت العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية أن هذه الظاهرة السلبية فى المجتمع قد تفاقمت وازدادت بعد جائحة كورونا كوسيلة للكسب السريع.

 

وأكدت «عبدالرحمن» أن ظاهرة التسول الإلكترونى لا تختلف عن التسول التقليدى فهى ظاهرة تقوم على الخداع والتحايل واستغلال الآخرين للحصول على منفعة شخصية، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعى تيسر المهمة على هؤلاء المحتالين من خلال استخدامهم للأسماء المزيفة والحسابات الوهمية من استجداء عطف الآخرين.

 

وأوضحت أن هناك بعض الأسباب التى أدت لتفاقم هذه الظاهرة السلبية منها: انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وسهولة إنشاء الحسابات الوهمية، والبطالة والفراغ وانتشار ثقافة الاستسهال والكسب السريع، إضافة إلى العوامل الاجتماعية كالتفكك الأسرى، وعمالة الأطفال، وغياب الوازع الدينى والأخلاقى، والعوامل الاقتصادية كالفقر.

 

وترى «عبدالرحمن» أن القضاء على هذه الظاهرة يكون من خلال التشجيع على التعليم وبناء مشروعات حقيقية للمتسولين تكفل لهم حياة كريمة، مع ضرورة وضع تشريعات قانونية رادعة لمعاقبة مافيا التسول أو أى شخص يعمل على تنظيم مجموعات للتسول، واستغلال الأطفال وكبار السن لضعفهم وحاجتهم.

 

وطالبت أخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى بضرورة التفرقة بين الصدقة و«رمى الفلوس على الأرض».. وقالت: الصدقة لها مصارف معلومة لدى الجميع ويفضل ألا تعطى لأى شخص بدون إيصال رسمى والأفضل أن تغطى لجهة مشهرة تابعة للدولة مثل الشئون الاجتماعية أو الصناديق التابعة للأزهر ووزارة الأوقاف وغيرها أو فرد معلوم لديه، وأيضا وهناك طرق عديدة غير النت مطالبا كل فرد بالثبات الانفعالى فى مواجهة أى شخص يخاطب مشاعره ويتحقق أولاً من هو من خلال المعرفة الحقيقية أو الكاميرا أو رسالة صوتية أو مقابلته وجهاً لوجه، فلابد من التصدى لهذه الظاهرة السلبية التى تؤدى لانتشار الجرائم فى المجتمع وسن القوانين الرادعة حتى لا يكون أفراد المجتمع فريسة سهلة لمثل هؤلاء المحتالين.

أسباب كثيرة

 

يقول الدكتور أحمد متولى سعد - الأستاذ بكلية التربية جامعة الأزهر: التسول إحدى الظواهر الاجتماعية التى تجمع فى مصادرها ومظاهرها العديد من مشكلات المجتمع، كما أنه يعتبر أيضًا من المشكلات التقليدية فى العديد من المجتمعات وعلى مختلف فترات التاريخ، وبالرغم من أن هذه الظاهرة قديمة وكانت تمارس من بعض الشرائح والفئات الاجتماعية المعدومة اقتصاديًا أو من بعض الفئات التى تعانى من أمراض معينة أو من ذوى الاحتياجات الخاصة، إلا أنها أصبحت فى الوقت الحالى مهنة وحرفة للبعض.

 

وأضاف: التسول يعنى طلب الصدقة من الأفراد فى الطرقات وفى الأماكن العامة باستخدام طرق ووسائل مختلفة لاستدرار العطف والشفقة، والمتسول هو الشخص الذى اعتاد الكسب دون بذل أى جهد باستجداء الناس بالسؤال المباشر أو عن طرق أُخرى كجمع الصدقات والتبرعات وغيرها.

 

وأشار أستاذ التربية إلى أن مصر تعد من إحدى الدول التى تعانى من زيادة أعداد المتسولين، حيث تؤكد الإحصاءات الصادرة من وزارة الشئون الاجتماعية تزايد أعداد المتسولين فى مصر من عام إلى آخر، وتعد ظاهرة التسول فى مصر من الظواهر الأكثر تعقيدًا، وذلك بسبب زيادة عدد المتسولين، وتعدد وسائل التسول وصوره وأشكاله ومنها: التسول الصريح، والتسول المستتر، والتسول العارض، والتسول الموسمى، والتسول الدائم، والتسول التقليدى، والتسول الفردى، والتسول الجماعى، والتسول عبر الإنترنت (الإلكترونى).

 

وأكد «سعد» أن التسول الإلكترونى من الظواهر غير الحضارية وشكل من أشكال التطفل على الآخرين، وهو عملية مشابهة لعملية التسول التقليدية المتعارف عليها، ولكن ذات طابع إلكترونى وتكون عبر وسائل تقنية المعلومات ومنصات وصفحات التواصل الاجتماعى، بهدف استعطاف المستخدمين للحصول على منافع مادية أو عينية بإرسال رسائل نصية أو صور إنسانية مُفبركة، وقد يكون المتسول مجهولًا وغير معروفًا، ولا يمكن معرفة تفاصيل حياته لتخفيه وراء أسماء مستعارة.

 

وأوضح أستاذ التربية بجامعة الأزهر الأسباب والدوافع التى تؤدى إلى انتشار ظاهرة التسول على كافة أنواعه، منها: زيادة معدل الفقر وانتشار البطالة، واختلال النظام الطبقى الاقتصادى، والتضخم الاقتصادى، وتطور التجارة الإلكترونية فى جنى الأرباح وغيرها. كذلك من أسباب التسول التفكك الأسرى نتيجة لغياب أحد الوالدين، أو ممارسة بعض الآباء للعديد من العادات الخاطئة فى مرحلة الطفولة والتى تتمثل فى تعويد الأطفال على الأخذ من الغير وطلب الحاجة منهم. ومن الأسباب أيضًا غياب الوازع الدينى لدى المتسولين، إذ إن فى التسول دلالة على ضعف ثقتهم بالله وتواكلهم، وامتهانهم التسول باعتباره مهنة مريحة، وتفضيلهم للكسل والراحة على العمل والنشاط. كذلك من أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار ظاهرة التسول -ولاسيما الإلكترونى- هو إسهام تطور وسائل الاتصال فى تغيير أشكال الممارسة الاجتماعية لظاهرة التسول، وأصبحت تُوظف فيه معارف علمية متطورة، ومؤهلات ذهنية كبيرة مسايرة للتطور التكنولوجى.

 

وتابع: تُعد ظاهرة التسول –ولاسيما الإلكترونى- إحدى الظواهر التى تشكل خطرًا على المجتمع، لما لها من العديد من الآثار والانعكاسات السلبية على الأمن النفسى والاجتماعى والاقتصادى والصحى على حياة الأفراد والمجتمع، وتتمثل آثاره السلبية على المستوى النفسى والاجتماعى فى: الحط من كرامة المتسول، وتعرضه لكافة أنواع الاستغلال خاصة الجنسى، وارتفاع نسبة البطالة، وزيادة معدلات الجريمة والإدمان بين المتسولين.

 

ولفت إلى أنه يترتب على ظاهرة التسول اختراق خصوصية أفراد المجتمع سواء فى منازلهم وأملاكهم الخاصة، أو فى الأماكن العامة، أو على مواقع التواصل الاجتماعى، مما يؤدى إلى فقدان الشعور بالأمن فى المجتمع. كما تتمثل الآثار السلبية للتسول على المستوى الاقتصادى فى: أن المتسول يُمثل عبئًا على الاقتصاد القومى، وذلك لعدم مساهمته فى الناتج المحلى القومى، مما يؤثر سلبًا على قيمة الدخل الفردى وعلى حجم الإنفاق الكلى، بسبب اكتناز الأموال المحصلة من التسول وعدم تشغيلها، كذلك يسهم فى هدر جزء كبير من خزينة الدولة فى سبيل مكافحة التسول، مما يؤثر سلبًا على نصيب القطاعات التعليمية والصحية والتنموية من خزينة الدولة. أما عن الآثار السلبية الصحية فتتمثل فى: انتشار العديد من الأمراض بين المتسولين الناتجة عن تواجدهم فى بيئات غير صحية وغير نظيفة، كالتيفويد وأمراض الصدر وأمراض العيون وغيرها.

 

وأكد أن الإسلام قد حرص على غرس معانى العطاء وبذل الخير بين العباد، وبالمقابل وضع من الضوابط والأُطر العامة التى تبين أهمية الكسب الحلال والسعى إلى العمل المشروع، وحذَّر من الكسب غير المشروع وشدد على النهى عن العمل غير المشروع، ولبيان موقف الشريعة الغراء من التسول بصفة عامة ومن التسول الإلكترونى بصفة خاصة فقد وردت أدلة شرعية تنهى عن التسول وسؤال الناس من غير ضرورة، ومنها قول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا تَزالُ المسأَلةُ بأحدِكُم حتَّى يَلقى اللَّهَ وليسَت فى وجهِهِ مُزعةُ لَحمٍ»، ويؤكد هذا الحديث على أنَّ الجزاء من جِنس العمل، حيث تَوعَّد الله المُتسوِّل بسَلْخ وَجهِه يوم القيامة، كما أراق ماء وجهه فى الدنيا، لأنّ السؤال مذلَّة، والله لا يرضى للمسلم أنْ يُعرِّض نفْسَه لهذه المَهانة. كذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم: «مَن سَأَلَ النَّاسَ أمْوالَهُمْ تَكَثُّرًا، فإنَّما يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ، أوْ لِيَسْتَكْثِرْ»، ويؤكد هذا الحديث على عُقوبة الله لمَن أكثَر مِن سُؤال النّاس إلا لضرورة. ويتضح من صريح هذه النصوص الشرعية أن تحريم التسول لا يخرج عن ثلاثة أمور محرمة: الأول: إظهار الشكوى من الله تعالى، حيث يقوم المتسول بإظهار فقرة وذكره لقصور نِعم الله عليه، وهو عين الشكوى من الله. أما الأمر الثانى: أن فيه إذلالاً للسائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير خالقه. أما الأمر الثالث: أنه لا ينفك عن إيذاء المسئول غالبًا لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه.

 

واستطرد: حتى نتمكن من مواجهة ظاهرة التسول على كافة أنواعه والحد من انتشارها فلابد من إرساء قيم المشاركة بين كافة مؤسسات المجتمع ابتداءً من الأسرة إلى باقى المؤسسات الأخرى، كالمؤسسات التعليمية، والدينية، والإعلامية، والتشريعية، والقضائية، والتنفيذية، ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدنى، لأن الواقع يتطلب أن يخرج الحل من المجتمع ككل ولا تنفرد به مؤسسة معينة دون أخرى، مع ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية والعلاجية لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها.. هذا والله أعلم.