عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وما أدراك ما ليلة القدر؟

بوابة الوفد الإلكترونية

مضى جُل رمضان وأصبحنا على موعد مع ليلة مقدسة لم تشهد الأرض مثيلًا لها، ليلة خير من ألف شهر، فيها تتنزل الملائكة فتُسلم على الصائمين القانتين لله رب العالمين، وفيها قد نَزلت آيات الذكر الحكيم على قلب سيد الخلق وأشرف المرسلين، بواسطة ملك شَدِيدُ الْقُوَى، ولأجل أمة ذات شأن وقدر، فقال الله عزوجل: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ *سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ».

معنى ليلة القدر

ليلة القدر تعنى المغفرة وقبول الأعمال والعتق من النار، والعبادة فيها خيرٌ من عبادة ألف شهرٍ، وفيها تتنزل الملائكة إلى الأرض يسلمون على المؤمنين الصائمين، ويستغفرون لهم، ولعظيم فضلها أخفاها الله فى العشر الأواخر ليجتهد المسلم فى إدراكها من خلال الصلاة والقيام وقراءة القرآن وطلب العفو والمغفرة من الرحمن، فقال تعالى: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ».

وقال الخليل بن أحمد: «أن ليلة القدْر أُخذت من قوله تعالى: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أى ضُيِّق، وسميت بذلك لأن الأرض تضيق من الملائكة النازلين إليها فى تلك الليلة، ونزول الملائكة كلّه خير وبركة لأهل الأرض، فقال تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ»، وكما جاء فى الحديث الشريف الذى رواه أبوداود عن أبى هريرة رضى الله عنه: «وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى».

كيف نزل القرآن فى ليلة القدر؟

وفقًا لعلماء الدين فإن القرآن الكريم قد أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ فى ليلةِ القدر جملةً واحدةً، ثم وُضع فى بيت العزة فى السماء الدنيا، ثم بعد ذلك أنزله جبريل عليه السلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مُفَرَّقًا سورة تلو سورة وآية تلو أخرى على مدة النبوة كاملة، وإن هذا القرآن قد أُنزل هداية للناس بإعجازه وإرشاداته، وإن آياته واضحات فى الهداية إلى الحق وبيان الأحكام، وهذا معنى قوله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ».

ليالى أقدار

كثيرًا ما نتسأل لماذا لم يُحدد الله ليلة القدر لنغتنمها، وكثيرًا ما وضح العلماء والأئمة، أن حكمة الله اقتضت أن يُخفِى ليلة القدر فى رمضان ليجتهد الصائم فى طلبها كل الأيام ويضاعف العمل أملًا أن يدركها، فإن أدركها ينال رضوان الله فى الدارين، وقد قال الإمام محمد متولى الشعراوى رحمة الله فى خواطره القرآنية فى تفسير سورة القدر، إن الله تعالى أخفى ليلة القدر ولم يحددها فى ليلة بعينها لنجتهد فى قيام جميع الليالى فلا تكون ليلة واحدة بل ليالى أقدار، وهذا من وسع الله ورحمته بنا، فإن لم تُقبل فى ليلة قُبلت فى الأُخرى، وإن لم توفق فى ليلة وفقت فى الأخرى، وقد كان سيدنا النبى يجتهد فى طلبها فى العشر الأواخر من رمضان.

وكما أن الله يُخفى رضاه فى طاعته، ليكثر أصحاب الطاعات فى أعمالهم، ويُخفى غضبه فى معصيته؛ ليبتعد أصحاب السيئات عن أعمالهم، ويُخفى أعمار الناس وآجالهم؛ ليجتهد ويواصل الإنسان فى طاعة ربه، لينال رضاه، كذلك أخفى الله ليلة القدر فى رمضان لِيَجِدَّ الصائم فى طلبها، وخاصة فى العشر الأواخر منه، فيشمر عن ساعد الجد، ويشد مئزره، ويوقظ أهله كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أملًا فى أن توافقه ليلة القدر.

ليلة القدر حول الكرة الأرضية

ليلة القدر تختلف من دولة إلى أخرى، فالأيام الفردية هنا تكون زوجية فى دول أخرى، وفى هذا الصدد قال الدكتور أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن كل العبادات التى خصها الله بزمن معين دون مكان محدد، مثل الصلوات الخمس والصوم والإمساك تمر بنفس الاختلافات الجغرافية، لأن الأرض كروية بطبيعة الحال يجتمع فيها الليل والنهار معًا على الدوام، فيكون ليلاً فى البلد التى لا تواجه الشمس، ونهارًا فى الناحية الأخرى التى تواجهها، وبالتالى يستحيل اتحاد أهل الأرض جميعا فى ليلة واحدة كاملة بليلها ونهارها.

لذا يجب على المسلم أن يتبع رؤية هلال البلد التى يسكنها فى جميع الشرائع الدينية من الصوم وإدراك ليلة القدر ولا يضره اختلاف مطالع الهلال من مكان إلى آخر، وقد أخرج الإمام مسلم فى «صحيحه» عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن كريبًا قدم عليه فى المدينة من الشام فى آخر رمضان، فأخبره أن الهلال رؤى فى الشام ليلة الجمعة، وأن معاوية والناس صاموا بذلك. فقال أبن عباس: «لكنا رأيناه ليلة السبت؛ فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل العدة». فقال له كريب: أَوَلَا تكتفى برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: «لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

علامات ليلة القدر

وعن علامات ليلة القدر، ذكر الإمام القرطبى فى تفسيره لسورة القدر أنه قال: «علاماتها: منها أن الشمس تطلع فى صبيحتها بيضاء لا شعاع لها»، وقال الحسن قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى ليلة القدر: «إِنَّ مِنْ أَمَارَاتِهَا: أَنَّهَا لَيْلَةٌ سَمْحَةٌ بَلْجَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ». وقال عبيد بن عمير: «كنت ليلة السابع والعشرين فى البحر، فأخذت من مائِه، فوجدته عذبًا سلسًا»، وبغض النظر عن بعض الظواهر المناخية التى تحدث صبيحة ليلة القدر وليلتها، وضح العلماء أن الأهم هو الشعور بالسلام النفسى والطمأنينة واستنارة القلب والإقبال على الله بالعبادة والخشوع والتضرع.

فيما قال الدكتور محمود شلبى، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إننا لسنا مطالبين بالبحث عن علامات تحدد وتؤكد لنا ليلة القدر المباركة لأن الشرع الشريف لم يحددها، لذا يجب أن نستمر فى الطاعات والعمل الصالح خلال العشر الآواخر جميعها لعلنا نُدرك ليلة القدر.

وتابع «شلبى» أن النبى قال تحروا ليلة القدر فى العشر الأواخر، والعلامات قد تتشابه وتجد الأيام جميعها ذو صفاء ومعتدلة الجو، فبغض النظر أن هناك علامات ليلة القدر بالفعل، يصعب علينا تحديدها، وهى على كل حال أيام قليلة جدًا، فعلينا أن نجتهد فيها كُلها لندرك ليلة القدر بإذن الله.

تحرى ليلة القدر وإحيائها

ورد فى فضل إحياء ليلة القدر ما رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَامَ ليلة القدر إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وأرشدنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى تحرى ليلة القدر فى هذه الأيام المباركة خاصة فى الليالى ذات الأعداد الفردية، وهى ليلة مشهودة يحصل فيها مزيد اتصال بين العباد وربهم سبحانه، وهى ليلة بدء نزول القرآن الكريم على قلب حضرة النبى عليه الصلاة والسلام، وتنزَّل الملائكة فيها بالبركة والرحمة؛ فعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أخبرنا عن ليلة القدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هِيَ فِى رَمَضَانَ الْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ؛ فَإِنَّهَا وِتْرٌ: فِى إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِى آخِرِ لَيْلَةٍ، فَمَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ».

وعن أفضل الأعمال التى نحيى بها ليلة القدر أوضح الدكتور أحمد وسام، أن رمضان معروف بالأعمال الصالحة كقيام الليل وصيام النهار وإطعام الطعام والتصدق، وأفضل الأعمال التى نحيى بها العشر الأواخر لندرك ليلة القدر هى قيام الليل كما كان يفعل سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، كما جاء فى الحديث الشريف: «إن سيدنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم، كان إذا دخل العشر الآواخر من رمضان شد مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله»، مما يدل على الإجتهاد فى العبادة، فيجب علينا أن نواظب على الطاعة والعبادة تلك الأيام بل كلل أو تعب أو ملل سائرين إلى الله بحسن الظن أننا سندرك ليلة القدر.

الدعاء ليلة القدر

أما بالنسبة للدعاء المأثور إذا أكرم الله المسلم بهذه الليلة فعن عائشة رضى الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ ليلة القدر، بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى» أخرجه الترمذى وصححه، والنسائى وابن ماجه وأحمد، وصححه الحاكم.

وصية سيد الخلق

وأخيرًا علينا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصانا أن نتعرض لنفحات الله تعالى فى أيام جهرنا، وفى هذا السياق أشار الدكتور محمود شلبى، أن هناك أيام مباركة ذو نفحات أوصى رسول الله أن نتعرض لها لعلنا لا نشقى بعدها أبدًا، واستشهد بحديث سيدنا النبى «ِإنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِى أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا»، ومن تلك الأيام العشر الأواخر وليلة القدر، لذا علينا أن نتعرض لها بالعبادة والطاعات حتى تصيبنا نفحات الله، وتلك النفحات فى تلك الأيام المخصوصة إنما وضعت لحكمة بالغة من الله عز وجل، لشحذ الهمم وإيقاظها، فيتعبد العبد إلى ربه ويشد الهمة فى مثل تلك الليالى، كشهر رمضان وليلة القدر ووقفة عرفات وغيرها من أيام الله.