رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

بصرف النظر عن تصريحات نيتنياهو العدوانية المتعجرفة، التى أعلن فيها خلال مؤتمر صحفى أمس الأول، أن اليوم التالى للحرب يعنى سيطرة إسرائيلية كاملة على غزة، ونزع سلاح القطاع، وأنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية مادام بقى فى منصبه، وأن حربه الثأرية الجبانة ضد  الشعب الفلسطينى الأعزل سوف تستمر لشهور، من أجل تحقيق كامل أهدافها، وإعادة الأسرى المحتجزين لدى حماس فإن الوقائع تقول غير ذلك. سحبت إسرائيل آلافا من جنودها من غزة بعد خسائر فى المعدات والجنود، يتعمد مجلس حربها، إلقاء تعتيم إعلامى صارم حول أعدادها وأحجامها، بما يهيئ لخفض حدة الحرب، ويمهد لمناقشة إجراءات اليوم التالى لوقفها، التى باتت محلا لجولات وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى المنطقة.

وفى نفس السياق، يأتى قرار إدارة بايدن سحب واحدة من حاملتى الطائرات اللتين أرسلهما للبحر المتوسط والخليج بعد السابع من أكتوبر، ليؤشر أن ساعة البحث فى اليوم التالى لوقف الحرب قد أزفت. كما جاءت تصريحات جون كيربى المتحدث باسم مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض بمثابة الرد على نيتنياهو، حين أكد تمسك واشنطن بحل الدولتين، وأن غزة لن يعاد احتلالها بعد توقف الصراع. ويبدو أن الخيارات أصبحت تضيق على نيتنياهو، بعد الانقسامات العلنية بين وزرائه ومجلس حربه ، ومع انخفاض معدل التأييد الشعبى له، لاسيما بعد أن طال أمد الحرب ولم ينجز ما وعد به، ومع صدمة الإسرائيليين عقب جرجرة جنوب أفريقيا حكومته إلى محكمة العدل الدولية متهمة بالإبادة الجماعية، وإعلان كل من تشيلى والمكسيك الانضمام لمطالبى المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق فى جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل فى غزة.

وكانت التداعيات الاقتصادية والسياسية التى أسفرت عن أكثر من ثلاثة أشهر من بدء الحرب الجنونية على غزة ، قد كشفت عن تشابك المصالح وتضاربها بين هوج تل أبيب وجموحها بالتلذذ بمواصلة القتل والتدمير، وبين قلق واشنطن التى لا ترغب فى توسيع نطاق الحرب، لمواجهة الضغوط الشعبية الداخلية عليها طلبا لوقفها، وللسعى لمعالجة تراجع شعبية بايدن لصالح  غريمه ترامب فى الحملات الانتخابية الرئاسية الدائرة الآن.

تمددت الحرب من غزة إلى الضفة الغربية ومن لبنان إلى اليمن  والعراق وصارت ساحة الحرب مشتعلة بين إيران وباكستان، وأصبح الحوثيون يهددون حرية الملاحة فى البحر الأحمر، بما يحمله ذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمى، على الأقل فى ارتفاع تكاليف نقل سفن الامدادات  والتوريد. ومع ذلك فليس هناك أفضل من تلك اللحظة الراهنة التى منحها «طوفان الأقصى «لبعث الحياة من جديد فى القضية الفلسطينية، ووضعها على موائد الحوار الدولى، لكى تتوحد المواقف العربية المتباينة فى اتجاه الدفع للمساعدة فى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وإحياء عمل مؤسساتها التى لعبت فى عقود سابقة دورا مهما فى الحوار السياسى بين الفصائل  والمنظمات الفلسطينية  داخل المجلس الوطنى واللجنة التنفيذية للمنظمة، ومهدت طرقا لتقريب وجهات النظر فيما بينها. ولا سبيل إلى تحقيق ذلك بدون إنهاء الانقسام فى الساحة الفلسطينية الذى كرسته حركة حماس، بعد فوزها بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية فى القطاع عام 2006، وقطع العلاقة بينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية فى الضفة الغربية.

ومنذ عام 1948 وحتى عام 1967 رفضت عدد من الدول العربية بينها مصر وسوريا والعراق  والكويت، منح  الجنسية للاجئين الفلسطينيين دعما لحقهم فى إقامة دولة مستقلة. وفى مثل هذا الشهر من عام 1964 أعلن  الرئيس جمال عبدالناصر فى  اعقاب مؤتمر قمة القاهرة وبدعم من سوريا والعراق تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعى وحيد للشعب الفلسطينى، والذى صار ياسر عرفات بمساندة من مصر وجامعة الدول العربية رئيسا لها حتى رحيله 2004، فضلا عن رئاسته للسلطة الوطنية الفلسطينية التى أقرتها اتفاقات أوسلو منذ العام 1994.

كان ميثاق منظمة التحرير يرفض قرار التقسيم، ويدعو للكفاح المسلح لتحرير فلسطين. وبعد أن جرت فى النهر مياه كثيرة، قبلت منظمة التحرير عام 1988، بحل الدولتين عبر تسويات سياسية وسلام شامل مع إسرائيل ضمن شروط تحقق عودة اللاجئين وإقامة الدولة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود يونيو 1967. كما تبادلت المنظمة مع الجانب الإسرائيلى الاعتراف ببعضهم البعض، وهو ما صار فيما بعد اتفاق أوسلو. ورغم وجود نحو اثنى عشر فصيلا فلسطينيا داخل منظمة التحرير، فقد ظلت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحركة الجهاد الإسلامى والجبهة الشعبية القيادة -العامة خارج – خارج صفوف المنظمة.

آن الأوان لنبذ هذا التشرذم والانقسام بين فصائل المقاومة الفلسطينية، بل لعله تأخر كثيرا. آن الآوان لكى تفتح المنظمة حوارا مسئولا حول إعادة بناء السلطة الوطنية الفلسطينية بالتراضى بين كل حركات الواقع السياسى الفلسطينى المتعدد دون إقصاء أو اصطفاء، ودون تفاخر بأكثرية وأقلية يجهض التنوع والابتكار، حين تحضر المصلحة الفلسطينية.

آن الأوان لموقف فلسطينى موحد، يصوغ خطابا جديدا على ضوء المتغيرات التى حدثت وتحدث فى خريطة التحالفات الدولية والعربية، وتأرجح موازين القوى بينها. خطاب يساهم فى دعم صمود الشعب الفلسطينى لمواجهة المخطط الإسرائيلى لمحوه من الوجود، لقيام الدولة الفلسطينية التى نحلم بها على أسس عصرية لا خلط فيها بين الدين والسياسة.

ولا سبيل أمام كل الداعمين للقضية الفلسطينية سوى تعليق الجرس فى رقبة «أبومازن» وحكومته وحركتى حماس والجهاد، ونسأل من يا ترى منهم الرشيد العاقل والجسور الذى سوف يبدأ الخطوة الأولى نحو بناء تلك الدولة؟