رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحدثنا فى المقال السابق «فى حضرة الجواسيس» عن فضيحة اليهودى الأمريكى «بولارد»، الذى سرب آلاف الوثائق السرية إلى إسرائيل، فى نفس ذاك التوقيت وعلى نفس الشاطئ من بحيرة الجواسيس، تنعكس صورة «بولارد» ليظهر «موردخاى فعنونو» الذى فضح برنامج إسرائيل النووى 1986، ليراه العالم الرجل صاحب الضمير الحى، المناضل من أجل السلام، وبعد مرور أربعة عقود تقريبًا من خيانة «فعنونو»، يحتاج الأمر منا إلى إعادة قراءة، ربما تدخل تلك الخيانة فى نطاق ألاعيب «الموساد»، وتصبح إحدى حلقات مسلسل «الردع عن طريق الشك» الذى تمارسه إسرائيل باستمرار.. لماذا هذا الرأى الصادم للبعض؟ إليك القصة والإجابة.

ما قبل الخيانة:

«موردخاى فعنونو» يهودى مغربى ولد 1954، هاجر مع عائلته إلى إسرائيل 1963، التحق بوظيفة تقنى فى مفاعل «ديمونا» النووى 1977، وكُتِب فى ملفه الأمنى حسب بعض الروايات بأنه يحمل معتقدات يسارية مؤيدة للعرب، وأن هذه الشخصية قد تكون خطرة فى سلوكها المفاجئ، وبالرغم من تلك البداية التى رسمت قاعدة منطقية تؤدى إلى خيانة إسرائيل دون شك، نسأل: كيف يمكن السماح لشخص بهذه المواصفات، أن يعمل داخل منشأة شديدة السرية والتأمين؟ ثم كيف تمكن «فعنونو» من تسريب كاميرا داخل «ديمونا» والتقاط هذا العدد الهائل من الصور، والاحتفاظ بها، ثم تهريبها إلى الخارج؟!

الخيانة والنشر:

بعد أن تم الاستغناء عن خدمات «فعنونو» 1986، أو تركه العمل برغبته، لا فرق، اتجه إلى أستراليا، واعتنق المسيحية، ثم تعرف على صحفى قام باختلاق قصة جعل فيها «فعنونو» عالماً نووياً ينشق عن إسرائيل، ويحمل تفاصيل مخطط لضرب العرب بالأسلحة النووية، ساعيًا لبيع هذا السبق الصحفى لمن يدفع أكثر، انزعج «فعنونو» عندما سمع تلك المزاعم، وقرر أن ينشر قصته فى صحيفة جادة، لإطلاق صافرة إنذار نحو خطر إسرائيل «النووية»!

تم التواصل مع صحيفة «صنداى تايمز» البريطانية، التى قررت اصطحاب «فعنونو» إلى لندن، وتم نشر تفاصيل وصور ومعلومات ثمانى سنوات كاملة قضاها «فعنونو» داخل المفاعل النووى السرى للغاية! وخلصت الصحيفة إلى أن إسرائيل تمتلك 200 رأس نووى، وتابع العالم تلك الكارثة، ولم يتحرك أحد لمحاسبة تل أبيب!

فى هذه المرحلة نلاحظ أن «فعنونو» يتنقل بسهولة دون خوف، وهذا يجافى المنطق ويهتك عرضه، كما نلاحظ أن توقيت النشر والخيانة، هو توقيت فضيحة الجاسوس «بولارد»!! والسؤال الذى يقفز إلى رؤوس الجميع: أين كان «الموساد» فى تلك الرحلة؟!

ما بعد الخيانة:

أثناء رحلة «فعنونو» من أستراليا إلى لندن، وصلت المعلومات إلى «الموساد»، مسبوقة بمعلومات أشد خطورة، تقول إن «فعنونو» خلال رحلته إلى أستراليا زار السفارة السوفيتية، ليكتشف «الموساد» عن طريق عملائه، أن تلك الزيارة كانت بغرض الاستفسار عن ماهية الأوراق المطلوبة لقضاء إجازة فى الاتحاد السوفيتى فى وقت لاحق!!

من تلك التفصيلة العابرة فى رحلة «فعنونو»، هل يمكن القول هنا إن إسرائيل أرادت أن ترسل برقية تهديد خاطفة إلى الولايات المتحدة، بإمكانية إرسال آلاف الوثائق التى وصلت إليها عن طريق «بولارد» إلى السوفييت العدو اللدود؟!

بعد نشر تلك القصة المثيرة والمعلومات الأكثر إثارة، استقر الرأى على إعادة «الخائن» إلى حضن إسرائيل واستجوابه، واختار «ناحوم أدموني» رئيس الموساد «شيريل بنتوف» للسفر إلى لندن كفتاة أمريكية تدعى «سيندى» لتلتقى «فعنونو» عن طريق الصدفة ثم إغوائه، وتمت عملية الاختطاف بسلام وعاد «فعنونو» إلى أرض الوطن، وتم الحكم عليه بالسجن 18 سنة منها 10 انفرادى.. هل انتهت الإثارة عند تلك النهاية؟ للأسف لا.

غضبت بريطانيا وقالت إن اختفاء «فعنونو» الغامض انتهاك لسيادتها، وتم تصحيح الواقعة عن طريق «فعنونو» نفسه! فقد كتب على كف يده بالإيطالية أثناء انتقاله من السجن إلى المحكمة، وأشهرها للصحفيين، فى إشارة إلى أن عملية الاختطاف تمت فى روما! لم تتوقف الإثارة عند تلك النقطة أيضًا!

فى 7 أبريل 1997 أى بعد عشر سنوات من الواقعة، نقلت «القدس العربي» حواراً أجرته صحيفة «صنداى تايمز» صاحبة السبق النووى، مع عميلة الموساد التى شاركت فى اختطاف «فعنونو»، تحدثت فيه عن حياتها وتفاصيل عملية الاختطاف، ونشرت صورة لها عندما كانت «سيندى»، بجانب صورة ترتدى فيها نظارة سوداء وقالت إنها «شيريل».. فهل ظهور العملاء ونشر صورهم والتعرف عليهم يكون بتلك البساطة؟! 

الخلاصة: إن قصة «فعنونو» الذى يعيش الآن تحت الإقامة الجبرية فى إسرائيل، رواية يملؤها الغموض، مثل سياسة الغموض النووى التى تمارسها إسرائيل باستمرار، وسط صمت عالمى أكثر غموضًا، مع التهديد الدائم باللجوء إلى «خيار شمشون»، وهو ما أكده وزير التراث الإسرائيلى «عميحاى إلياهو» مؤخرًا و طالب بضرب غزة بقنبلة نووية!!

[email protected]