رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لماذا تتجسس إسرائيل على أمريكا؟ هذا السؤال شغل الرأى العام الأمريكى قبل إدارته، بعد القبض على الجاسوس اليهودى «جوناثان جاى بولارد» فى 1985، تلك الفضيحة التى تسببت ظاهرياً فى غبار هدد العلاقة الحميمة بينهما، ووصفها وزير الدفاع الأمريكى فى ذاك التوقيت «كاسبار ويلارد واينبرجر» بأنها مست الشرف القومى الأمريكى، وانتقدت صحيفة «نيويورك تايمز» تل أبيب «بحنية»، وقالت: هل يجوز أن يتجسس الأصدقاء على الأصدقاء؟ 

كان السؤال السابق «عتاباً» ممزوجاً بالدهشة المغلفة بالاستهجان، خاصة أن الولايات المتحدة لم تبخل على ابنتها فى منطقة الشرق الأوسط بالدعم الكامل، سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، وبعد مرور تلك السنوات الطويلة على فضيحة تجسس «بولارد»، تجاوزت العلاقة بين الأم والكيان المحتل مرحلة الصداقة والتبنى إلى نقطة الكيان الواحد! تلك النقطة التى يمكن أن تقول عندها بضمير مطمئن، إن أمريكا هى إسرائيل، وإسرائيل هى أمريكا، لتتم إعادة صياغة السؤال نفسه من جديد بأشكال مختلفة تتلاءم مع هذا التطور العكسى لتلك الفضيحة، وكيف وصلت العلاقة بينهما إلى هذا التوحد، فمن يتلاعب بمن؟ ومن يضحك على من؟ وأخيراً من يسيطر و«يلوى» ذراع من؟

الإجابة عن هذا السؤال بأشكاله المختلفة وسياقاته المتعددة، تجيب عنها مراحل قضية «بولارد» وتطورها، من لحظة دخوله عالم الجاسوسية ثم القبض عليه وإدانته وصولاً إلى حياته فى إسرائيل، التى يعيش فيها الآن بضمير البطل الذى أنقذها! وخلال تلك المراحل يمكن سرد عدد من الملاحظات والوقائع بعيداً عن كيفية تجنيد «بولارد» ودوافع دخوله عالم الجاسوسية:

ـ «جوناثان بولارد» هو محلل معلومات فى الأسطول الأمريكى، كانت تصل إليه معلومات يتم جمعها من قبل أجهزة الاستخبارات المختلفة، وكان يرى أن هذه المعلومات حيوية جداً لبقاء إسرائيل، يقول «بولارد»: بالرغم من أن الولايات المتحدة وإسرائيل اتفقتا على التعاون فى مجال تبادل المعلومات السرية، كان هناك جزء كبير من المعلومات بالغة الأهمية يتم إخفاؤها عن إسرائيل!

ـ «بولارد» الذى سرب آلاف الوثائق السرية الأمريكية، وكان يحمل جواز سفر باسم «دانى كوهين»، كانت لديه قناعة بأن نظرية وزير الدفاع «واينبرجر» تقضى بضرورة تحجيم قوة إسرائيل لضمان ارتباطها الدائم بالولايات المتحدة، وضمان استمرارية الوجود الأمريكى فى المنطقة، لذا عمل على تصحيح هذا الخطأ، فى رأيه، الذى ارتكب فى حق إسرائيل!

ـ يتضح من كلام «بولارد» السابق أن الولايات المتحدة كانت تحتفظ بجزء خاص من المعلومات التى تضمن لها الحفاظ على «زر» ريموت الأوامر الموجهة إلى إسرائيل، ووضعها تحت التحكم والسيطرة، .. ماذا حدث إذن؟!

ـ بعد اكتشاف أمر «الجاسوس» ومطاردته، تنصلت إسرائيل من تلك الفضيحة، وقامت سفارتها بطرد «بولارد» وزوجته «آن» خارج أبوابها إلى أحضان رجال الـ«إف بى آى»، ثم قدمت إسرائيل علناً اعتذاراً رسمياً للولايات المتحدة لاحتواء زلزال تلك الفضيحة وتوابعها، ثم رحب المجنى عليه بهذا الاعتذار!.. وهنا يجب السؤال، هل كانت دوافع هذا القبول تخضع «لحنية قلب الأم»، أم لخطورة الوثائق التى أصبحت فى حوزة تل أبيب؟!.. سؤال مهم بعد تسريب آلاف الوثائق السرية، التى رأى البعض أنها أضرت بالأمن القومى الأمريكى أكثر كثيرًا مما تم الاعتراف به علناً! 

ـ بعد مرحلة هدوء الأجواء وقبول الاعتذارات و«لم الشمل»، تأتى مرحلة الضغط للإفراج عن «الجاسوس»، ويبدو أن أهمية تلك الوثائق وخطورتها لم تسمح طوال تلك الفترة من 1985 بالحصول على عفو رئاسى من البيت الأبيض لـ«بولارد» الذى حكم عليه بالسجن مدى الحياة، ثم حصل على إفراج مشروط عام 2015، ثم إطلاق سراحه ووصوله إلى إسرائيل 2020. 

ـ لم تنتهِ قصة هذا «الجاسوس» عند تلك النقطة، فبعد «عملية طوفان» الأقصى التى أثبتت حتى اللحظة أنه يمكن تجاوز تلك الجاسوسية والتلاعب بها، بل فضح عجزها لاستعادة الرهائن الموجودة فى «خزائن حماس»، يقول «بولارد» تعليقاً على هذا الطوفان، إنه كان ينبغى على إسرائيل «إبلاغ عائلات الرهائن، إما أن يغلقوا أفواههم، أو سنغلقها لكم، لا تتدخلوا فى إدارتنا لهذه الحرب»! 

الخلاصة.. تريد إسرائيل أن تتخلص من كونها كائناً طفيلياً يعتمد بقاؤها على القوى العظمى، وتصبح الدولة الكبرى الوحيدة المهيمنة على الشرق الأوسط، عن طريق زرع شبكة من الجواسيس داخل مفاصل الدول الأعداء، مثل «إيلى كوهين أو كامل أمين ثابت» فى سوريا، أو ابتزاز الحلفاء وسرقة أسرارهم العسكرية والعلمية مثل تجنيد «بولارد أو دانى كوهين».. وعلينا الانتباه لأن مراحل تحقيق تلك الرغبة وتطورها تتكشف فى حضرة الجواسيس وكشفهم.

.

[email protected]