رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نتطلع إلى العلم باعتباره طوق نجاة للبشر من الأوبئة الفتاكة، وقسوة الطبيعة، والتوحش الإنسانى. لكن فى بعض الأحيان يتحول العلم الحديث إلى آلة شر كريهة، ويصبح التطور التكنولوجى والعلمى عدوًا للإنسان، فتصدق مقولة «ومن العلم ما قتل».

ولا شك أن سيرة العالم الأمريكى الشهير روبرت أوبنهايمر التى قدمها فيلم جديد كتبه وأخرجه كريسوفر نولان، وعرض مؤخرا فى كثير من البلدان ومنها مصر تعد نموذجا واضحا على قصة العلم الذى يضر بالبشر، والذى قد يجعل صاحبه يشعر دائما بعذاب الضمير تجاه إنجازاته.

لقد سافر روبرت أوبنهايمر إلى ألمانيا لدراسة الفيزياء فى إحدى جامعاتها الشهيرة، فى ظل صحوة علمية عظيمة شهدتها ألمانيا فى مختلف العلوم خلال الربع الأول من القرن العشرين، وهناك حصل على درجة الدكتوراه ليعود بعدها أستاذا لمادة الفيزياء، وواحدا من أهم المتخصصين فيها فى بلاده.

وفى سنة 1939 وبعد هروب ألبرت أينشتاين من مختبرات النازية وهجرته إلى الولايات المتحدة، وقع الرجل على خطاب مرسل إلى الرئيس الأمريكى روزفلت ينبه فيه إلى أن ألمانيا النازية قد تتمكن من تطوير قنبلة ذرية نتيجة الأبحاث العلمية المتطورة التى أجرتها فى مجال الانشطار النووى لليورانيوم.

وبناء على ذلك الخطاب قررت الولايات المتحدة إنشاء مشروع مانهاتن، وعهد لأوبنهايمر برئاسته للوصول إلى تصنيع القنبلة الذرية قبل ألمانيا، وتم تخصيص أكبر ميزانية لذلك. ورغم وطنية أوبنهايمر فإنه كان يشعر دائما بتشكك فى آثار ما يعمل على تطويره، وكثيرا ما ذهب إلى صديقه وأستاذه أينشتاين طالبا المشورة، فقال له إن عليه أن يواجه عواقب إنجازه. ويتزايد قلق الفيزيائى الأمريكى بعد عمل تجربة للقنبلة الذرية، ثُم يشعر بعدها بالأسى الشديد عندما يقرر الرئيس الأمريكى ترومان إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتى هيروشيما ونجازاكى باليابان لتعصفا بحياة مئات الآلاف من البشر وتحولا حيوات الأحياء إلى جحيم.

وساعتها يُدرك الرجل أنه تم توظيفه وتوظيف عبقريته العلمية فى جريمة إنسانية بشعة، يحاول المرة تلو المرة التبرؤ منها، لكنه يتعرض لضغوط واتهامات تشكك بوطنيته وتربط بينه وبين الشيوعية.

ويبتكر الفيلم محاورات خيالية بين العالمين العبقريين إينشتاين وأوبنهايمر تثير فى نفوسنا تساؤلات آنية مكررة حول حدود استخدام العلم الحديث وسبل تقنين التطور التكنولوجى وتحجيمه وقصر استخدامه على الجوانب السلمية والحضارية.

ويأتى ذلك ونحن نشهد بالفعل جدلاً جارياً حول حدود التطور العلمى خاصة فى مجال الذكاء الاصطناعى، وطرح البعض لضرورة وضع ميثاق أخلاقى للذكاء الاصطناعى له تخوفاً من استخداماته ضد الإنسان.

إن كل ذلك يؤكد لنا أن التطور العلمى مهما بلغ من الرفعة فى حاجة لقيم أخلاقية محصنة لتوجيهه لخير البشرية، فما فائدة منجزات الحضارة إن لم تحد من تمدد الشرور فى العالم؟.

ولا شك أن مثل هذا الجدل، وهذه القضية تحديداً يستفز كثيراً من عقول الشباب فى مصر، والتى أسعد كلما لامست حماسها وسعيها لمواكبة العلم الحديث واللحاق بالعلوم التكنولوجية المتقدمة. وهذا أمر عظيم ومبشر خاصة فى ظل كثير من الإحباطات المحيطة.

وسلامٌ على الأمة المصرية.