رؤية
معلوم أن الفنون ليست كما يصورها البعض مجرد قفزات عشوائية فى أفق اللا معنى وفى مساحات اللعب التافه، وقد يرى البعض أنها قد تمثل حالة هروب من واقع رتيب فى الوقت الذى كان على المبدع أن يخرج بإبداعاته فى مواجهات شجاعة مع شياطين عتمة الكراهية فى كهوف العنكبوت الخانقة للانطلاق لفضاءات النور والبهجة وهواء السلام المتجدد.
نحن نحيا مع الفنون وإبداعات البشر مرة ثانية غير حياتنا، بل وثالثة ورابعة مع كل تجدد لأوراق شجرة الإبداع وأزاهير الفنون ونسائم عبير جمالها.
فى أزمنة القسوة وجفاف المشاعر، وحين يحزننا جدب الأرض وغضب السماء تتردد علامات الاستفهام عن أسباب تراجع الحالة الإبداعية لدينا، وحكاية التراجع ليست لظرف طارئ نفسى أو اجتماعى وفترة ونعديها كما يصورها البعض، ولكنها حالة تمثل نتيجة طبيعية وحصادًا مُنتظرًا لمجتمعات تكثر فيها محددات الإنتاج الإبداعى ومشروطيات وقياسات كل منتج وكل فكر إبداعى يتجدد مع كل إبداع، إلى حد فرض محرمات معرفية وثقافية (تحليل وتحريم) تغل فكر المبدع وتكبت مشاعره وتكلس أحاسيسه فيتوقف الفكر المحاور والجدل الناقد، وتموت جرأة اقتحام مساحات إبداعية جديدة، ومن ثم العودة فورًا لمساحات السكون المطمئنة الخاملة، واجترار ما تم اجتراره فى السابق من أشكال لنتعايش من جديد مع مضامين تقليدية تبعث على الملل، بل وقد تدفع بشر تلك المجتمعات لكراهية كل الموجودات من حولهم، ونفور بعضهم من بعض على مستوى التعامل الإنسانى!
ويا من تُحرمون علينا الاستمتاع بنعيم العقل ونعمة الفكر الناقد وإعمال التأمل العلمى الموضوعى، ألا تعلمون أن ترصدكم ووقفاتكم الاحتجاجية المُضلة الغاشمة وبلاغاتكم الجاهلة لإيقاف نمو وازهار شجرة التنوير التى حدثنا عنها الرئيس السيسى من أمام «مسجد الفتاح العليم» و«كنيسة ميلاد المسيح» فى يوم احتفالية سلام بديعة وإعلانه حتمية مواجهة جرذان الكراهية المقيتة.. ألا تعلمون أن ما تفعلون جريمة بشعة لن يغفرها لكم التاريخ ، ولن يسامحكم عنها مواطنونا أولاد حضارة علمت الدنيا كل صنوف الإبداع الرفيع ؟!
ويا من توصدون كل يوم نوافذ وبوابات الولوج لمنظومات إعمال الفكر الناقد، من أقامكم حكامًا وقضاة وأصحاب قرار علينا، وعلى أفكارنا وإبداعاتنا بشكل مطلق وجميعها ذات طابع نسبى قابلة للتغيير والتجديد والتطوير والبناء عليها واختزال أجزاء منها للتماهى والتوافق مع مستجدات كل عصر ومع صلاحية بيئة كل فكر يتم استعارته من أهل مدن الحداثة وما بعد الحداثة؟ دعونا وأحلامنا نشكل واقعًا جديدًا.
لن نسامح أنفسنا، وسيحاسبنا الأحفاد لو تهاونا فى الوصول إلى اتفاق على معيار عقلانى نستند إليه فى خياراتنا لبوصلة إقامة مشاريعنا الفكرية والثقافية، وأن نعيد ونثمن الصالح من القيم الأخلاقية لإقامة مصالحة مشروعة بين أهل الدعوة الحسنة للأديان وإخوانهم فى الإنسانية فرسان الدعوة لنفض الكسل العقلى والتعلق بشراع التنوير على سطح سفينة الوطن.
الآن لدينا فرصة هائلة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى لاستدعاء قوانا الناعمة من جديد وبحماس لدفع كل آليات التنوير بالعمل الجاد والموضوعى عبر مؤسسات التعليم والثقافة والرياضة والأوقاف والجامعات ومنظمات العمل المدنى بعد رحلة قاسية عشناها ولازلنا نعيشها فى منطقتنا الموعودة بأجواء ظلامية غادرة.