رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِى حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى ‏مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ، لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ»، ‏فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ؛ ‏لِكَى يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنى». (مت2: 13-‏‏14)‏.

فى 1 يونيو من كل عام تحتفل الكنيسة المصرية بذكرى تبارك ارض مصر بقدوم ‏العائلة المقدسة اليها، وفى ذلك المقال سنتناول تلك الذكرى من زاوية غير تقليدية ‏عبر سؤال مهم وهو: لماذا اختارت السماء دولة مصر لتكون الأرض الذى تهرب ‏اليها العائلة المقدسة من بطش هيرودس الملك؟ ولم يتم اختيار مكان أو بلد آخر؟ بعيدا عن تنبؤات العهد القديم ‏والرموز الروحية لذلك الحدث العجيب فى الأراضى المصرية، لكن هناك أسبابا ‏كثيرة للغاية لاختيار السماء لأرض مصر‏. 

أولا- مصر قلب العالم ونقطة الارتكاز التى تمثل جغرافيته، والمدلول الروحى من تلك الزيارة هو أن المسيح جاء لكل الخليقة، ويتضح ذلك فى أشعياء ‏النبى بالعهد القديم الذى قال «وفى ذلك اليوم يكون مذبحا للرب فى وسط أرض ‏مصر» (أش١٩:١٩) وبالفعل يعتبر دير المحرق «درنكة» أسيوط من أهم ‏المحطات التى استقرت بها العائلة المقدسة ويشتهر هذا الدير باسم (دير العذراء ‏مريم) والمغارة التى سكنتها العائلة المقدسة هى أول كنيسة فى مصر بل فى ‏العالم كله. 

ثانيا- من أسباب مجيء السيد المسيح للخليقة هو خلاص الإنسانية وإنقاذها من ‏الخطية، واسترجاع الإنسان بمكونه الروحى الذى كان حاضرا فى شخصية ادم ‏وحواء قبل السقوط عن طريق مخطط إبليس، وبالنظر إلى التاريخ المصرى القديم ‏نجد أن مصر كانت تكرم الإنسان وإنسانيته عن طريق الفلسفة الإنسانية والدينية ‏التى كانت تحكم المجتمع حينذاك، فمثلا قوانين ماعت الـ42 قانوناً، وهى تشير إلى الضوابط الأخلاقية العميقة فى الدين ‏المصرى القديم وعموم الحياة الاجتماعية، منها على سبيل الذكر وليس الحصر، أنا ‏لم أزنِ، أنا لم اسرق ارض احد، أنا لم اتهم احدا زورا، أنا لم أشتم احد، أنا لم ‏أهدد السلام، فتعاليم ماعت الـ42 بداخلها كل الضوابط الروحية والأخلاقية والتى ‏ظهرت بوضوح فى شريعة سيدنا موسى التى نزلت عليه فى جبل سيناء، وأيضا فى ‏موعظة السيد المسيح على الجبل، وهنا التلاقى الإنسانى بين ما جاء به السيد ‏المسيح للخليقة وبين فلسفة الحياة المصرية القديمة.‏

‏3- نزول أول شريعة للإنسانية من عند الله كانت على سيدنا موسى فى جبل ‏سيناء، وذلك هو المكان الذى مر منه السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى الداخل ‏المصرى وهنا الرمز الروحى على قول السيد المسيح متى 5 :17-19 »17«لاَ ‏تَظُنُّوا أَنِّى جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. وهنا كمال ‏العمل الإلهى فكلمته التى القاها وكتبها سيدنا موسى كشريعة على لوح حجرى، فى جبل ‏سيناء، تلك الكلمة تم تجسدها فى شخص السيد المسيح لتكون ناطقة ظاهرة ‏لحمية وليست حجرية» أيضا ظاهرة فى سيناء وارض مصر.‏

‏4- كانت مصر هى القلب النابض للعالم فى جميع المجالات والعلوم، وتوافر ‏لديها كل مقومات الحياة الصحية من غذاء وماء وصحة، وهذا ما كان يحتاجه اهم ‏طفل جاء إلى العالم ليساهم فى تكوين طفولته النفسية والصحية والأخلاقية، وهذا ‏ما حدث أيضا مع سيدنا موسى وقول الكتاب، فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، ‏وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِى الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ.» (أع 7: 22)، هكذا كانت عظمة مصر ‏القديمة، والتى ظهرت أيضا فى قول الكتاب، وَصَاهَرَ سُلَيْمَانُ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ، ‏وَأَخَذَ بِنْتَ فِرْعَوْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ إِلَى أَنْ أَكْمَلَ بِنَاءَ بَيْتِهِ وَبَيْتِ الرَّبِّ ‏وَسُورِ أُورُشَلِيمَ حَوَالَيْهَا. الملوك الأول (3 :1)، فرغم ما كان يمتلكه سليمان ‏الحكيم من عظمة إلا لم تكتمل قوته إلا بعد أن صاهر فرعون مصر، ومن سليمان ‏وموسى إلى يوسف وأخير السيد المسيح، هكذا تكون مصر محبوبة عند الله.