رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

رؤية

من المؤكد أن سعد زغلول وصحبه كما تذكر أوراق وفدية قديمة قد علموا النية التى بيتها الإنجليز لهم، فلم يحجموا ولم يترددوا، ولم توسوس المخاوف فى صدورهم، فقد كانوا هم كذلك قد فرغوا من مساورة النفس وهمس المخاوف إلى الشجاعة الصلبة الساكنة التى تنظر إلى الغد باطمئنان، وتعتزم العمل بأقوى اليقين وأعظم الإيمان، فقرروا وجوب الظهور وسرعة التكشف، حتى لا تباغتهم السلطة العسكرية فتسوق بهم إلى المعاقل والسجون قبل أن ينظموا الصفوف، ويمهدوا السبيل، ويبدأوا المسير.

لقد ساق القدر مصطفى النحاس يومئذ لإنقاذ الوفد قبل تكوينه، فكان المستبق إلى الفكرة أولاً، ثم المستبق إلى نجاتها ثانياً، وهو يومئذٍ قاضٍ، أو موظف مقيد بوظيفته، ولو أن رجلاً آخر فى مكانه، وفى مثل ظروفه الخاصة وإقلاله، وضعف سنده المادى واعتماده، ومحدود راتبه وماله — لراح على الأرجح متخوفاً، وانثنى عن الفكرة قانعاً منها بسلامة الإياب.

ولكن الزعيم أعد لها من التكوين، وهيئ لها بالفطرة والاستعداد، وخلق من أجلها ليكون زعيمها وبطلها؛ فكل حساب المخاوف ومطالب السلامة ومقتضيات الأمن والدعة ليس لمثله، ولا لرجل على غراره، ولكنها للاعتياديين الذين يعيشون لأنفسهم، ويسكنون إلى ذواتهم، ويطلبون مآرب عيشهم فى غير خطر ولا رهبة ولا اقتحام عقاب.

وفى خطاب تاريخى شهير للزعيم مصطفى النحاس وصفه أهل السياسة ومن كتبوا التاريخ بأنه «الخطاب الخطير»، أرى فى الفقرة التالية من الخطاب ما يؤكد ما عانته البلاد من أوزار سياسة استعمارية متغطرسة طائشة الشر:

لقد حاولوا قتلنا والتخلص من عنادنا وتعرضنا للأذى بل للموت مرات ومرات، فلم نكف عن أداء الواجب، ولم نلقِ السلاح، ولم نرهب الموت لأن الله حافظنا، وأقسمت وأقسم الشعب ألا نعبد إلا الله وألا نخشى سواه، هو القوى الجبار، وهو الواحد القهار، وقلت فى إحدى رسائلى للشعب:

إننى لن أعبد مخلوقاً مثلى مهما كان ذا هيل وهيلمان، وصاحب سلطة وسلطان..

وقلت، وما أشد وما أصرح ما كنت أقول: ما من كبير إلا الله منه أكبر..

ولم تنسَ البلاد عندما كان الصراع على أشده بين الشعب والبغاة المتألهين كيف حاولوا قتلى أكثر من عشر مرات للتخلص من صلابتى فى الحق واستمساكى بحقوق الشعب، فمرة يضعون الرصاص فى سيارتى فى الإسكندرية لتتطاير القذائف فتصيبنى فى مقتل، ومرة يطلق جانٍ الرصاص علىَّ فى مصر الجديدة وأنا فى طريقى إلى اجتماع شعبى فى شبرا، ومرة يحاولون طعنى بخنجر فى المنصورة فتلقاه عنى «سينوت حنا» أحد أبطال الجهاد العظام، ومرة ينهال رجال البوليس على جسدى وعلى من معى فى السيارة فى شارع فؤاد أمام دار الإسعاف يبغون القضاء علىَّ، ومرة يلقى آثم قنبلة على سيارتى فى شارع قصر العينى، ومرة يلقون قنابل على دارى، فلما أعيتهم الحيل حزموا أمرهم على نسف الدار بمن فيها بكميات هائلة من المفرقعات، ثم أطلقوا مدافعهم الرشاشة على شخصى ومن معى ومع أن الهدف كان قريباً فإنهم لم يصيبوه لأن الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين..».. (وللمقال تتمة فى أعداد قادمة)..