عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

قدم إلى مصر فى بداية شبابه أوائل العشرينيات من القرن الماضى عندما استقدمه الملك فؤاد الأول ليعمل مشرفًا على القصور الملكية فى وزارة الأشغال.

وسريعًا ما اندمج فى الحياة المصرية, ونهل من معينها, وتغلغل ماء النيل فى أوردته وشرايينه ليشب عاشقاً لثرى هذا الوطن الجميل فاعتنق الدين الإسلامى وظل فى مصر لا يبارحها حتى وفاته.

خلف المعمارى الإيطالى ماريو روسى تراثاً معمارياً وعلمياً لا يضارع، كما ترك جيلاً من الذين تتلمذوا على يديه وحملوا من بعده لواء عمارة المساجد فى مصر من أمثال المهندسين النابهين على ثابت وعلى خيرت اللذين سطرا صفحات زاهرة من تاريخ هذا الفن الجميل فى مصر المعاصرة.

أنفق «روسى» جل عمره لإنتاج أعماله الرائعة, واستغرق ذلك منه جهدا مضنيا فى مجاله, يبحث وينقب ويصمم فأخرج لنا إبداعاً عظيماً ظل شاهداً على نبوغه وسيبقى إلى ما شاء الله.

ظهرت عبقرية  «روسى» واضحة فى إنشاء وبناء مسجد العارف بالله أبى العباس المرسى فى مدينة الإسكندرية، واستغرق البناء مدة ست عشرة سنة ليرتفع صوت الحق منادياً «الله اكبر الله أكبر» من المسجد الشهير الذى أقيم فى موضع ضريح وجامع قديم كان يضم رفات هذا الصوفى العربى الأندلسى المولود فى بلدة «مرسية» شرقى الأندلس ذلك الفردوس المفقود، وأقيمت أول صلاة فيه عام 1945م.

وبعد سنوات طويلة قضاها «روسى» فى دراسة فن العمارة الإسلامية المصرية واستيعابها, شرع فى بناء هذا المسجد على هيئة منحنى اقتبس هيئته من الفنان المعمارى العثمانى سنان بن عبد المنان الذى اتخذ الشكل الثمانى أو السداسى فى تصميماته المعمارية.

فبينما كان «بن عبد المنان» يتحرى هذا الشكل لإقامه قبابه الكبرى على أضلاع المسدس أو المثمن لم يدع «روسى» مجالاً واسعاً للسقف فأنشأ قبة مسجد أبى العباس المرسى فى المنتصف قائمة على دعامات حجرية ملبسة بالرخام وترك «روسى» خارج المثمن رواقاً يدور مع بيت الصلاة, والمسجد كله بيت صلاة أى أن روسى استغنى عن الصحن فى المسجد واستعاض عنه ببيت صلاة مستقل وملحق بالجامع عندما بنى مسجداً آخر بمحطة الرمل.

والقبة فى مسجد أبى العباس ترتفع سامقة عالية عن الأرض بما يقرب من ستة وعشرين متراً, وهى من الداخل تمثل قطعة من الفن المعمارى البديع حيث تتدلى منها ثريا ضخمة تضارع تلك الموجودة فى مسجد محمد على باشا بقلعة صلاح الدين الأيوبى.

ولكى تتحمل القبة ثقل «الثريا» التى تحوى بضعة أطنان من البرونز والنحاس والبلور، أرسى «روسى» على قاعدتها ثمانية أعمدة من الجرانيت الوردى تم نحته فى إيطاليا خصيصاً ليحمل بعدها إلى موقع المسجد.

والقبة من الخارج مزخرفة بزينة منحوتة فى الحجر وهى على رأى الدكتور حسين مؤنس فى كتابه عن المساجد تعد من أجمل القباب التى أقيمت فى مصر بأسرها، وعلى أعمدة المسجد تقوم عدة عقود مدببة بالغة الارتفاع.

ويعد هذا الطراز من ابتكارات «روسى» وقد اقتبسه وطوره بعد ذلك فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة فى القسم المجدد زمن الملك عبد العزيز رحمه الله، وقد ابتكر «روسى» العديد من تيجان الأعمدة وقواعدها المحلاة بالبرونز وجرى بعد ذلك اقتباسها فى العديد من المساجد.

والحقيقة أن صاحب هذه السيرة العطرة لم يكتف بما تركه, فقدم لنا هدية ثمينة  تتمثل فى أطلسه الشهير عن العمارة والزخارف الإسلامية جمع فيه مادة خصبة عن عمارة المساجد وزخارفها، ومال زال هذا «الكنز» موجوداً فى وزارة الأوقاف مرجعاً هاما لكل معمارى تتوق نفسه للنهل من هذا المعين, وشاهدا على ملحمة فنية لأحد عشاق المحروسة.

رحم الله المعمارى الفذ وحفظ مصر وأهلها.

 

[email protected]