رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

تظنون ما الذى يفقد الإنسان بما هو كذلك ما الذى يفقده ذاته وشخصانيته، حتى يصبح كريشة فى مهب الرياح تذر فى فضاء متماد لا نهائية له، وإذا حاول العودة لا يستطيع، لماذا؟! لأنه سيطرت عليه الأهواء والشهوات، بكل مسمياتها وبكل خصائصها، سيطرت عليه نزعات مادية، سواء نزعة الشهوة، شهوة الجنس، فغدا غدوا حثيثا للافراط فى إشباع هذه الشهوة دونما ترويض لها ودونما تهذيب لنفسه، فبات حيوانيا شهوانيا، وقس على ذلك باقى الشهوات الدنيوية الأخرى. من مال وجاه وسلطان. فأصبح يتفنن فى حياكة المؤامرات من أجل تحقيق مآربه. كل ذلك أفقد الإنسان هويته وبات كل همه ودأبه وديدنه تحقيق هذه الأغراض.

لكن هل هذه المادية تحقق للإنسان ذاته، هل ما نحلم به ونصبو إليه وكان جل حلم الفلاسفة، كن ذاتك، صر ذاتك، فكيف يتحقق فعل الكينونة هذا، كن ذاتك، صر ذاتك، كيف نتحول من هذه المادية العبثية إلى إثبات الشخصانية الحقيقية لا الشخصانية المتلونة المتحولة العطبة المصابة بالمراهقة الفكرية التى جعلت الإنسان لا يستطيع أن يميز بين الصواب والخطأ، الحق، والباطل.

هذه المراهقة جعلت الإنسان لا يستطيع أن يحدد إلى أى الاتجاهات يميل، وأى الأفكار يعتنق، لا يهمنا، يعتنق ماذا، فتلك حرية عقلية، المهم لا تتأرجح يمينا ويسارا. إذا استقرا نا تاريخ الإنسانية أو بمعنى أدق ما أتيح لنا التعرف عليه من تاريخ الإنسانية، فالتاريخ سيال متدفق عبر الأزمنة والكلمة الأخيرة لم يقلها جيل بعينه.

إذا استقراءنا تاريخ الفكر الفلسفى بدءا من حضارات الشرق القديم، نعم كانت هناك نزعات مادية، لكن ليست ببشاعة المشهد الحالى، لكن كان هناك على الجانب الآخر من ينادى بالعود الأحمد إلى الأنسنة، فنجد على سبيل المثال كونفشيوس، نجده يحدثنا عن عدم الإسراف والمغالاة وطرح الأنا والعيش المتعقل مع الواقع والعود إلى الذات عن طريق وسط أخلاقى لا نميل إلى جانب على حساب جانب آخر.

قس على ذلك سقراط وأرسطو وأفلاطون والأفلاطونية المحدثة أفلوطين وتلاميذه وحديثهم عن السعادة، فجميعهم ذهب إلى القول ليست السعادة فى الجاه ولا فى الجمال ولا فى المال، مفرقين بين اللذة والسعادة، فاللذة تزول بزوال المؤثر، أما السعادة فتبقى غير زائلة.

لكن فى نفس الوقت لم يغالوا فى الزهد وحرمان النفس بل ونتفق معهم فى هذا القول، إذا ما خير الإنسان بين الصحة والمرض فسيختار عقلا الصحة. لكن الأشكالية فى كيفية تحقيق هذا الأمور.

نعم بالسعى والجد والاجتهاد دونما إفراط أو تفريط، فليس من المنطقى أن يفنى الإنسان عمره فى ذلك، وليس من التعقل أن يمضى المرء معظم حياته زاهدا متقشفا ظنا منه أنه يرضى ربه.

حتى من دعى إلى ذلك من المدارس الفلسفية تخفف من حدة الجانبين، اللذوى، والتقشفى، فها هو أبيقور إمام اللذويين يتخفف من الإسراف فى إشباع اللذة وينهى حياته متعبدا زهدا لا يأكل إلا ما يقوت بدنه.

وكذلك زينون الرواقى الذى كان مدرسة فى الزهد، ينهى حياته داعيا إلى السعادة الحقيقية التى هى العيش وفقا للطبيعة العقلية داعيا إلى سلام وسلم عالميين ووحدة للجنس البشرى دونما عنصرية. دونما مغالاة أو إفراط أو تفريط.

كذلك الأمر عند فلاسفة العصر الوسيط سواء فلاسفة الإسلام أو فلاسفة المسيحية أو اليهودية دعوتهم جميعًا عدم المغالاة لا إسراف محاولين قدر استطاعتهم أن يوفقوا بين معطيات عقولهم، وثوابتهم التى قررتها كتبهم المقدسة.

قس على ذلك فلاسفة العصر الحديث حتى الماديين منهم تخففوا من نزعاتهم المادية بغية الحفاظ على الشخصانية. وأنت يا إنسان العصر، أما آن الأوان أن تعود عودا أحمدا إلى ذاتك، إلى هويتك الحقيقية، إلى ذاتك المفكرة. إلى وجودك الحقيقى.

--

أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان