رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لعل وعسى

تسببت الخسائر الاقتصادية الكبيرة جراء جائحة كورونا فى توجه الفكر الاقتصادى العالمى نحو البحث عن أدوات جديدة لتقييم جودة البناء الاقتصادى، حيث تبين أن الاعتماد على مؤشر واحد فقط للتقييم– طوال قرن من الزمان وتحديدًا منذ أزمة الاقتصاد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى– أصبح أمرًا غير مقبول، فاعتماد العالم منذ قرن على مؤشر الناتج المحلى فى تقييم الأداء الاقتصادى يحمل فى طياته الكثير من المكر والخداع والتضليل من جانب فئة على حساب باقى فئات المجتمع لتمهيد الأرض لرسم سياسات يتحتم قبولها للترويج لأمر ما.

وهو ما اصطدم مع توجهات الفكر الاقتصادى العالمى الحديث الساعى إلى مواجهة هذا المؤشر الشهوانى والميل نحو تبنى مؤشرات أقل انتهازية لقياس جودة البناء الاقتصادى معتمدة على المستوى المعيشى والبيئى، فالنماذج الاقتصادية العالمية أكدت أنه نادرًا ما يمكن قياس رفاهية أى أمة اعتمادًا على مقياس الدخل القومى، ففى عصر التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا المعلومات وهى منتجات غير مادية لا تجد فى مقياس الناتج المحلى مقياسًا ملائمًا، فضلًا عن عدم قدرته على رصد مخصصات للأعمال التى تتم بدون أجر مثل الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. اللافت للنظر أنه لم يجر ببال أى من الاقتصاديين أو السياسيين فى مصر أن ما أقدمت عليه القيادة السياسية من توجهات حديثة تؤكد العزم على الخروج من عباءة مؤشر الناتج المحلى والبحث عن مؤشرات أكثر واقعية ومصداقية تتفق مع إيمان الدولة بمفهوم التنمية المستدامة، حيث أقدمت مصر على تبنى ركيزتين مهمتين، الأولى البعد الاجتماعى عبر مشروع القرن الـ٢١ وهو حياة كريمة لتحديث أكثر من ٤٥٠٠ قرية من أصل ٤٨٠٠ قرية تقريبًا بتكلفة تقترب من تريليون جنيه.

أما الركيزة الثانية فهى البعد البيئى الذى تتمسك فيه مصر بقدرتها على قيادة العمل المناخى العالمى عبر الخروج بنسخة مصرية متميزة فى مؤتمر المناخ cop27 الذى تستضيفه شرم الشيخ نوفمبر القادم ومناقشة مخرجات قمة جلاسجو العام الماضى والتحرك نحو دعم وتوسيع رقعة الاقتصاد الأخضر وتعزيز توجه وتعهد القطاع الخاص بتمويل مشروعات المناخ بقيمة ١٣٠ تريليون دولار حتى عام ٢٠٥٠ عبر المشاركة فى التنمية ومراعاة البيئة فى مسارات التنمية مع التوسع فى النقل الكهربائى وبناء مزارع الرياح والطاقة الشمسية، التحرك المصرى محليًا كان بزيادة نسبة مشروعات الاقتصاد الأخضر إلى ٣٠٪ العام الجارى واستخدام ٤٢٪ من الطاقة كطاقة متجددة عام ٢٠٢٤، وإقليميًا عبر تعزبز ودعم مبادرتين أفريقيتن للطاقة المتجددة والتكيف، وعالميًا عبر قمم المناخ العالمية وآخرها قمة جلاسجو المعروفة باسم مؤتمر الأطراف ٢٦، وبالتالى نحن على أعتاب مرحلة جديدة لتأسيس مقياس جديد لجودة البناء الاقتصادى قادته دولة بوتان فى سبعينيات القرن الماضى عبر مقياس السعادة الوطنية كؤشر لقياس جودة البناء الاقتصادى، تلتها استراليا عام ٢٠٠١ ثم أوروبا عام ٢٠٠٧ عبر مبادرة ما بعد إجمال الناتج المحلى.

إن جائحة كورونا وتداعياتها تفرض الآن ضرورة البحث عن مخرج لتقليل الفجوة ما بين الأثرياء والفقراء، حيث استفاد الأثرياء من إرتفاع أسعار الأصول التى لديهم فى حين استنفد الفقراء الأمان فى بقائهم فى وظائفهم، لاشك أننا قد نرى قريبًا فى ظل السباق المصرى للحاق بركب الاقتصاد المتقدم وزيرًا للحياة الكريمة أو للإنسانية أو للسعادة كتعبير عن توجهننا للبحث مع العالم عن مقاييس جديدة لقياس جودة البناء الاقتصادى خلفًا لمقياس الناتج المحلى الذى فقد موضوعيته.

--

رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام