الجائحة «جمع جوائح» هو وباء ينتشر بين البشر فى مساحة كبيرة، قارة مثلا أو قد تتسع لتضم كافة أرجاء العالم. ويسمى الانتشار الواسع لمرض بين الحيوانات «الجارفة».. وأحيانا تتهدد البشرية بمزدوج « الجائحة والجارفة » معا، وهذا جد خطير..
ما خفى أعظم، لفتتنى حملة منظمة «آفاز» العالمية المتخصصة فى اطلاق الحملات البيئية إلى « جارفة » قد تفضى إلى «جائحة» ويستوجب التعاطى معها بتجفيف منابعها باكرا قبل فوات الأوان، البشرية لا تحتمل جائحة جديدة.. تكفينا عذابات كورونا حتى نهاية القرن.
قراءة تقارير « آفاز « الصارخة يشى بجارفة، ما يحدث فى المزارع الصناعية حول العالم كارثة محققة، تضخّ المزارع الصناعية بممارساتها المروّعة المضادات الحيوية القوية فى المواشى التى تربّيها، مما ينتج بكتيريا خبيثة شديدة المقاومة للعقاقير يمكن أن تقتل ١٠ ملايين شخص سنويًا بحلول عام ٢٠٥٠.
المعلومات المتاحة لـ«آفاز» تقول تتم تربية ٧٠ مليون حيوانٍ سنوياً فى مزارع صناعيّة فى ظروف مروّعة، إذ يتمّ حقن المواشى بالمضادات الحيويّة القوية لإبقائها على قيد الحياة ولزيادة أحجامها بشكلٍ سريع، فى حين أن هذه التربية تشكّل تهديداً مرعباً للبيئة وللثروة الحيوانية، لكنها فى الوقت نفسه مرتع لتحوّل مسبّبات الأمراض وتكاثرها وانتقالها إلى البشر. يموت بالفعل ٧٠٠ ألف شخص كل عام بسبب البكتيريا المقاومة للأدوية.
معلوم تعتمد المزارع الصناعية على إنتاج أطنانٍ من اللحوم الرخيصة بشكل سريع، لكن هذا يعنى تربية المواشى فى ظروفٍ عالية السمّيّة وإعطاؤها كميّاتٍ هائلة من المضادات الحيوية، اليوم، تستخدم نسبة ٧٠٪ من الإنتاج العالمى من المضادات الحيوية فى مزارع تربية المواشى الصناعية!
وعليه، قد تصبح مسبّبات الأمراض مقاومةً للعلاج، مما يخلق جراثيم خارقة مؤذية ومحصّنة ضد أقوى المضادات الحيوية قد تقتل الملايين.
ما يحذّر منه العلماء وخبراء الصحة العامة ويدقّون ناقوس الخطر، ليس ترفا علميا، ولكنه توجيه لحماية أنفسنا والطبيعة، يستوجب الانتباه، يجب ألا نكتفى بالحدّ من استهلاك اللحوم بشكل كبير، بل يتعين علينا أيضًا خفض استخدام المضادات الحيوية فى المزارع الحيوانية، يستوجب تربية المواشى فى ظروف أفضل وصحيّةً أكثر.
نداء « آفاز « موجه إلى سلاسل الوجبات الجاهزة العملاقة، تحديدا سلاسل ال « هامبرجر «، وتأمل فى لفت عملاق البرجر، «سلسلة ماكدونالدز» لتُراجع سياسة استخدامها للحوم الأبقار التى تحتوى على المضادات الحيوية.. اذا حدث ذلك فَبِهَا وَنِعْمَتْ كما يقول علماء الفقه.
آفاز تتحرك من حول العالم ب ١٧ لغةً، وإذا صوّت الملايين، تسعى لجبل عملاق البرجر «ماكدونالدز» لتحمّل مسؤوليته وليصبح مثالاً عالمياً يُحتذى، وبالسوابق، حظرت مطاعم «ماكدونالدز» تحت ضغط شعبى استخدام المضادات الحيوية فى الدجاج الذى تستخدمه فى عام ٢٠١٦ مما أدى إلى سلسلة من ردود الفعل الجيدة.
هل يفعلها عملاق البرجر مجددا، إذا تخلى ماكدونالدز عن المضادات الحيوية، فإن حجم سلسلة المطاعم الهائل يمكن أن يحوّل الصناعة العالمية إلى زراعةٍ أكثر استدامة، مما يساهم فى وقف تطوّر الجراثيم وننجو من جائحة محققة.
معلوم أن ماكدونالدز أكبر مشترٍ للحوم الأبقار، ويستوجب دفع المطاعم إلى اتباع سياساتٍ جديدةً خاصة باستخدام المضادات الحيوية، إذا ذهب ماكدونالدز إلى منع استخدام المضادات الحيوية ستتحول صناعة اللحوم بأكملها باتجاه تربية أكثر استدامة إنسانية للمواشى.
معلوم ليس هناك ما يؤثّر فى خيارات
السلاسل العابرة للحدود، ماكدونالدز نموذج ومثال، أكثر من صورته العامة فى الذهنية الكونية، العالم بقاراته فى حجرة شات صغيرة، وملايين الأصوات حول العالم ستدفع عملاق لحوم البرجر إلى وقف استخدام المضادات الحيوية.
للكاتب والروائى البرازيلى «باولو كويلو» صاحب رواية «الخيميائى» مقولة بليغة تصدق على حملة «آفاز»: «يرتدى الإنسان نظارات جديدة فوق عينيه يعيد رؤية كل شيء من خلالها بوجهة نظر مختلفة عما سبق.. هذه النظارات اسمها المحنة».
لكل محنة «جائحة» منحة، كورونا مرة أخرى تظهر مدى ترابط مجتمعاتنا وهشاشتها، مما يلفتنا إلى تقدير أعلى للطبيعة والنظم البيئية التى تدعم كل أشكال الحياة على الأرض. إن أفضل وقتٍ لمنع احتمال وباء جديدٍ هو الآن - وأمامنا فرصةً ذهبية لمواصلة كفاح البشرية لإصلاح إنتاج الغذاء، ورعاية الحيوان، وحقوق عمال المزارع الصناعيّة، من أجل العالم الذى نحلم به!