عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لا شك أن مبحث الأخلاق يُعد المبحث الفلسفى الأهم منذ نشأة التفكير النظرى لدى الإنسان، حيث دارت تأملات المفكرين حول منبع الأخلاقية لدى الإنسان، إذ اعتبروا أن الفضائل الأخلاقية تظل هى المميز للإنسان، وبقدر ما تكتسب المبادئ الأخلاقية صفة العمومية بقدر ما يرتبط بها البشر على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وعصورهم التاريخية.

ومنذ أن اكتشف المفكرون المصريون القدماء « الضمير» باعتباره جوهر وباعث الأخلاق لدى الإنسان، ومنذ أعلن سقراط فيلسوف اليونان الكبير مبدأه الشهير « اعرف نفسك « وأن « الفضيلة واحدة « وإلى الآن ظل البحث مستمرًا عن أخلاق عالمية واحدة ذات معايير محددة  تعلو فيها المبادئ الأخلاقية السامية على حسابات المنافع والمصالح الأنانية للأفراد والشعوب.

وقد لعبت الأديان سواء الطبيعية أو السماوية دورًا مهمًا فى مسيرة الإنسانية نحو أخلاق عالمية شاملة على أساس أن كل دين يؤمن به أصحابه باعتباره دينًا صالحًا للجميع واعتبار دعوته الإصلاحية الأخلاقية صالحة لكل البشر فى أى زمان وأى مكان. هكذا كانت ديانات الشرق منذ مصر القديمة وخاصة ديانة أخناتون التوحيدية وكذا كانت البوذية والهندوسية والزرادشتية والكونفوشية فيما قبل الميلاد، حتى الديانات اليونانية كانت تتصور نفسها عالمية واتخذت صورها المتعددة وتعاليمها من تأثرها بديانات الشرق القديم فأواصر القربى مشتركة بين الديانات الأورفية والفيثاغورية والأوليمبية بتلك الديانات الشرقية القديمة وأخذت منها أسماء الآلهة وتصوراتها الأخلاقية والدعوة إلى المصير الأخروى واقتران أخلاقية المرء فى حياته الدنيوية بمصيره الأخروى فى الثواب والعقاب.

 ولما ظهرت الديانات الكبرى وخاصة المسيحية والإسلام دعمتا هذه التصورات الأخلاقية والدينية ونقلتها من مجرد التصورات التى يؤمن بها البشر كنتائج لتأملاتهم العقلية فى الوجود والمصير إلى عقائد يقينية لدى المؤمنين بها، وظل أمر ارتباط العقائد الدينية بالتعاليم الأخلاقية عالمية الطابع لدى أصحاب هذه الديانات والمؤمنين بها حتى جاء مطلع العصر الحديث حاملاً معه تباشير ما سمى بعصر العلم وتقهقرت الدعوات الأخلاقية والدينية أمام سطوة العلم الحديث وتطور تكنولوجياته للحد الذى جعل البشر ينغمسون فى حياة مادية تركزت على تلبية المطالب اللذية للإنسان والتى لم تتوقف عند حد، فأصبح اللهاث وراء حياة لذية تكثر مطالبها الشهوانية يومًا بعد يوم هو نمط حياة الناس فى عصر الحداثة وما بعد الحداثة، عصر العولمة وما بعد العولمة، عصر العلمانية وما بعد العلمانية.

إن ما يشهده عصرنا الحالى من انحلال أخلاقى وفوضى سلوكية ينقلب فى إطارها الحق باطلاً والباطل حقًا وتختلط فيه المشاعر الإنسانية بالرغبات الحيوانية. وتتعدد التصورات الأخلاقية بتعدد المجتمعات وبتعدد النظرات النسبية لمفهوم الحياة عند الأفراد والجماعات. إن كل ذلك يعد دافعًا لإعادة النظر من خلال إعادة السؤال القديم – الحديث: هل يمكن إقامة أخلاق إنسانية عامة يتفق حولها البشر ؟!

أعتقد أن ذلك ليس أمرا صعبا فى ظل ظاهرة جائحة كورونا التى ساعدت فى بدايتها فى توحيد المشاعر الانسانية وجعلت العالم كله يتجه نفس الوجهة ويتساءل نفس الأسئلة ويبحث عن نفس الاجابات . لقد علت آنذاك قيمة العلم على قيمة السلاح وتعالت صيحات الأخوة الانسانية والمصير المشترك للبشرية محاولة التغلب على مظاهر الانقسام والصراع . لكن الطريف أن البشر وبالذات فى الدول المتقدمة لم يستوعبوا الدرس جيدا بعد، فعادوا إلى روح الأنانية والتنافس واحتكار اللقاحات وتأجيج الصراعات ؛ إذ لم يتأثر دعاة الصراع والارهاب الدولى فظلوا على مواقفهم المخيبة لآمال البشر فى عصر جديد يسوده السلام والمحبة والأخوة العالمية . لن يكون ذلك العهد الأخلاقى الجديد  ممكنا فى ظل وجود قوى دولية لاتزال تحتل أرض الآخرين وتستبيح ثرواتهم ، وفى ظل وجود ارهاب دولى يستخدم أذرعه وميليشياته فى ضرب استقرار الدول ، وفى ظل صراع محموم على السيادة بين الدول الكبرى وكأن العالم أمامهم لوحة من قطع الشطرنج تجرى عليها صراعاتهم !!

إن الأمل فى عهد أخلاقى جديد لايزال بعيدا رغم أنه كانت هناك فرصة سانحة لذلك لم نتعلم منها الدرس بعد .. فهل نحن فى انتظار كوارث عالمية جديدة لكى نعود بشرا متحابين مسالمين يعيش كل منا على أرضه فى سلام ؟!!