رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

حين دعانى، مشكورًا، الدكتور هانى سرى الدين للانضمام إلى أسرة الوفد من خلال كتابة مقال أسبوعى اعترتنى حيرة شديدة، فالمقال الأول ينبغى أن يترك بصمة مؤثرة فى قلوب القراء وعقولهم حتى يظلوا على مقالنا متابعين، فيتفاعلوا بما نكتب وينفعلوا به، ولكن، أى الموضوعات قادرة على إثارة قارئ هذه الأيام وخياله؟ هل أكتب عن مذابح الأشجار هنا وهناك؟ أم أكتب عن كنيسة البازيليك بمصر الجديدة التى قد تتعرض للتشويه إذا شيدوا جسرًا بجوارها يخفى الكثير من معالمها التاريخية؟

هل أكتب عن خسارة النادى الأهلى أمام بايرن ميونيخ والحلم الكروى الذى تبدد؟ أم أكتب عن ابتذال اللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعى وكيف يمكن لنا استرداد بهاء هذه اللغة؟

الحق أقول لك، وبعد تفكير عميق قررت الكتابة عن أخطر عشرة أعوام متواصلة مرت على مصر فى القرن العشرين، وهى الأعوام الممتدة من سنة 1919 حتى 1929، وسأشرح توًا لماذا هى الأخطر؟ فى 9 مارس من 1919 اندلعت أعظم ثورة مصرية فى القرن الماضى، والعظمة تكمن فى النتائج الإيجابية الجبارة لهذه الثورة المذهلة، فقد عززت الشعور الوطنى لدى الشعب وعملت على توثيق الروابط بين المسلمين والمسيحيين، وسمت بمفهوم الوطن إلى ذرى سامقة غير مسبوقة، حيث شعر المصريون للمرة الأولى منذ قرون طويلة أن مصر ينبغى أن تكون للمصريين لا للإنجليز ولا للعثمانيين (الأتراك). وعلى الفور أقدم طلعت حرب والذين معه فى عام 1920 على تأسيس أول بنك برأسمال مصرى خالص، إذ كانت البنوك قبل ذلك التاريخ حكرًا خاصًا على الأجانب.

وفى 1922 نالت مصر استقلالها المنقوص عن الاحتلال الإنجليزى، فصارت ملكية دستورية مع وضع دستور 1923. كذلك تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون سنة 1922 لينبثق من أعين العالم بريق الذهول من روعة الحضارة المصرية القديمة وفرادتها، ويتقين المصريون أنهم شعب جبار يتكئ على تاريخ ثرى بالعلوم والآداب والفنون.

وفى عام 1923 غادرت أم كلثوم قريتها بالدقهلية لتقيم بالقاهرة فيتطور فن الغناء على حنجرتها الذهبية. وفى عام 1923 أيضاً يعرض أول فيلم روائى مصرى وهو (فى بلاد توت عنخ آمون) للمخرج الإيطالى فيكتور روسيتو. وفى 1924 يلتقى أمير الشعراء أحمد شوقى بالموسيقى الموهوب الشاب محمد عبدالوهاب ويتبناه، فيثب الأخير بالموسيقى العربية وثبات عصرية راسخة وممتعة. وفى العام ذاته تجرى أول انتخابات نيابية حرة فى تاريخ مصر فيسقط رئيس الوزراء نفسه يحيى إبراهيم باشا ويفوز حزب الوفد برئاسة سعد زغلول بأغلبية مقاعد البرلمان.

أما فى 1925، فقد أصدر الشيخ على عبدالرازق كتابه المهم (الإسلام وأصول الحكم) الذى دعا فيه إلى فصل الدين عن الدولة والسياسة بشكل عام، كما أسس طلعت حرب شركة مصر للتمثيل والسينما (استوديو مصر أُسس فى 1935)، ثم أطلق طه حسين فى 1926 كتابه القنبلة (فى الشعر الجاهلى) الذى ألقى بحجر فى بحيرة تراثنا العقلى الراكد، وفى 1927 أسس بنك مصر شركة المحلة للغزل والنسيج، وفى 1928 انتهى الفنان محمود مختار من تشييد التمثال الأشهر (نهضة مصر)، وفى 1929 أصدر طه حسين الجزء الأول من تحفته الخالدة (الأيام) التى غرست فى وجدان ملايين القراء طوال تسعين عامًا فضيلة الكفاح ضد الجهل والظلم والفقر وحتى العاهة. ألم أقل لك إنها عشرة أعوام خطيرة؟ لأنها عامرة بإنجازات كبرى على مستوى السياسة والفكر والفن والأدب، لذا لا عجب ولا غرابة فى أننا ما زلنا نعتاش على توابع هذه الإنجازات الباذخة حتى الآن رغم مرور قرن من الزمان!