رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

 

 

لم أسعد يومًا بصداقة شخصية مصرية.. مثلما سعدت بمعرفتى بالعالم المصرى الكبير الدكتور سيد كريم (1911–2005). فقد اقتربت من الرجل كثيرًا.. والتقيته مرات فى فيلته فى المعادى، وجلسنا ساعات يروى فيها قصة الحضارة المصرية على حقيقتها، غير تلك التى روج لها علماء المصريات الغربيين وتبعهم فى ذلك تلاميذهم من الأثريين المصريين.. الذين اجتمعوا واتفقوا على إنكار ومحاربة، كل تفسيرات الدكتور «كريم» المختلفة عن تفسيراتهم غير الدقيقة.. فقط لأنه كشف زيف وأكاذيب تفسيراتهم بينما هو عالم المصريات الحقيقى الذى كان يمتلك أسرار الحضارة المصرية القديمة!

والدكتور سيد كريم.. واحد من أعظم خبراء تخطيط المدن فى العالم، وهو الذى وضع أول مخطط مستقبلى لمشروع القاهرة الكبرى يراع فيه التوسع العمرانى والزيادة السكانية على مدى ‏50‏ عامًا، والذى تم رفضه فى وقتها، واضطروا فيما بعد تطبيق ما قاله من امتدادات ومحاور وطرق دائرية.. ودائمًا ما كان يتذكر بمرارة رفضهم لمشروعه والاستعانة بخبير أجنبى من الأمم المتحدة لتخطيط القاهرة، فإذ بالخبير يطلع على مخطط الدكتور كريم، ويندهش أن لدى مصر هذا الخبير ويستعينون بالأجانب.. وبعدها بأيام تمت دعوة الدكتور للسفر إلى هيئة الأمم وتم تعيينه مستشارًا لتخطيط المدن بالأمم المتحدة‏!

الدكتور «كريم» لم يكن مهندسًا عاديًا فقد كان صديقًا ومعروفًا لدى الملوك والرؤساء ومنهم الملك فاروق والملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس جمال عبدالناصر والرئيس أنور السادات.. فهو المهندس المصرى الوحيد الذى صمم معظم العواصم والمدن العربية فقد قام بتخطيط أكثر من‏12‏ مدينة عربية منها بغداد الجديدة، ودمشق الجديدة، وجدة، والرياض، ومكة، وأبوظبى، وطنجة المغربية، إلى جانب مدن الغردقة وساحل البحر الأحمر السياحي‏،‏ كما صمم وشيد العديد من المبانى التاريخية، حيث أسس وقام بتخطيط ميدان التحرير وفندق هيلتون والمتحف المصرى والجامعة العربية‏.. وصمم معظم مبانى المؤسسات الصحفية الشهيرة كأخبار اليوم وروز اليوسف والمصرى، وغيرها. ولكل من هذه البنايات التاريخية أكثر من حكاية مع الإنجليز والملك فاروق والرئيس عبدالناصر الذى وضع له تصميم ضاحية جديدة تضمنت مدينة رياضية كبيرة تحتوى على استاد رياضى وملاعب للرياضات المختلفة وكذلك أرض لإقامة المعارض الدولية ووضع على الماكيت اسم «مدينة نصر» وأعجب الرئيس عبدالناصر بالتصميم وأقر الاسم للمدينة الجديدة‏!

والدكتور سيد كريم هو حفيد المناضل الكبير محمد كريم الذى قاد الدفاع عن الإسكندرية فى مواجهة الحملة الفرنسية، ووالده المهندس كريم فهمى تولى العديد من الوزارات فى عهد الملك فاروق.. وكان الدكتور كريم تلميذًا لصديق والده العالم الأثرى المصرى الكبير سليم حسن، الذى كان وراء عشقه للتاريخ المصرى القديم، وتحول هذا الشغف إلى أبحاث ودراسات علمية فى التاريخ والآثار، وتعلم الهيروغليفية، وحاول الكشف عن العديد من حقائق وأسرار تاريخنا المصرى، ودخل معارك كثيرة لتصحيح هذا التاريخ بالمستندات والندوات والمحاضرات، وكشف العديد من ألغاز الحضارة الفرعونية.. وكانت للدكتور كريم تفسيرات حول كيفية بناء الهرم الأكبر، مختلفة عن التفسيرات المعروفة خصوصًا فى موضوع نقل الأحجار، حيث أكد بالدلائل كيف تمكن الفراعنة من إلغاء الجاذبية الأرضية عند رفع الأحجار التى استخدمت فى بناء الأهرامات وتحريكها لمسافات طويلة.. وهناك تفاصيل كثيرة موثقة فى كتابين موسوعيين «لغز الحضارة المصرية» و «لغز الهرم الأكبر».. ولذلك حصل الدكتور «كريم» أعلى الأوسمة من السعودية وجائزة الدولة بدرجة فارس من بلجيكا، والميدالية الذهبية للعمارة لتصميم مبنى الجامعة العربية بمصر، من بروكسل وحصلت على أوسمة ونياشين وشهادات تقدير من معظم الدول الغربية والعربية.. ورحل عام 2005 وعمره 94 عامًا دون أن يكرم فى وطنه!

[email protected]