رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشعب يريد

 

الموت حق، وكل نفس ذائقة الموت، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت.. وهناك من يستعد لهذه اللحظة التى هى آتية لا ريب فيها.. وإن كانت سنة 2020 بدأت قاسية، وتمر أيامها الصعبة يوماً بعد يوم، فقد فقدنا فيها الكثير مما نجلهم ونحترمهم وتعلمنا منهم.

وغيب الموت يوم الأحد الماضى واحداً من أساتذتى الأفاضل، الذى تعلمت منه الكثير، فهو صحفى متمكن وفلاح أصيل لم تبهره أضواء المدينة عندما قدم إليها من محافظة الشرقية ليلتحق بالجامعة.. وفيلسوف عابد لم يحد عما يراه ويقتنع به.. وكانت جرؤته ورؤيته خطوطاً حمراء لا تقبل النقاش أو المساس.. ولهذا عاش فى مناخ صنعه لنفسه ولم يغير ما يراه ولم يتغير مع الأجواء أو المحيطين به.

رحل أستاذنا حسين عبدالواحد مدير تحرير أخبار اليوم فى هدوء وبلا ضجة، ولم يكتب عنه أحد من تلاميذه وهو يصارع المرض ويضحك ويسعد بمن حوله، وكأنه فى رحلة يكتشف ما يحدث حوله ولا يتعجب، فهو من استعد للحظة وداع الدنيا منذ حضر للقاهرة يدرس بالجامعة.. وكان يسكن منطقة الدرب الأحمر التى عشقها حتى وفاته، حيث دعاه زملاء له لجلسة «فرفشة» كما يقول على النيل، ولم يتعود على ما رآه استهانة منهم وضياعاً لوقتهم، وهو الذى عاش يقرأ كتاباً كل يوم منذ التحق بالمرحلة الإعدادية، وكان شغوفاً بقراءة كتب العقاد وطه حسين والزيات، وتعلم وبرع فى اللغة الإنجليزية ليقرأ الأدب الإنجليزى.

وترك الأستاذ حسين عبدالواحد زملاءه، وانطلق سيراً على الأقدام إلى منزله بالدرب الأحمر ماراً بالمقابر التى لم تترك عينيه ولا عقله حتى وفاته، عليه رحمة الله.. كان يرى فى المقابر القديمة الحياة برونقها وجلالها فيمر بمقابر شرين باشا «أبو الدساتير»، وصبرى باشا أبوعلم، وسياسيين كبار وفنانين عظام، فيرى الحقيقة التى يغفل عنها الكثيرون، ويأتى لصحيفة «أخبار اليوم» وفى مخيلته هؤلاء الذين يراهم أحياء فى قبورهم، ويرى فى الشارع والعمل أمواتاً فى سياراتهم وقصورهم، واكتشف أن الذكاء والفلسفة والعقيدة الراسخة لا ترتبط بعلم أو منصب أو مال وسلطة، وإنما هى موجودة فى كثير من الحالات فى البساطة ومع «تربى» يدفن الأموات أو بائع بسيط أو تاجر يرسل البهجة مع فانوس رمضان أو حلوى المولد النبوى.. وصادق الكثير من الفنانين وكبار الأطباء وقابل سياسيين عالميين وأجانب وعرباً ومصريين.

وترك عدداً كبيراً من الكتب القيمة وعاش حياته ببساطة بين من كانوا أصدقاءه المتنوعين بدءاً من «التربى، والقهوجى والساعى أحياناً حتى ملوك ورؤساء دول ووزراء دفاع وكيسنجر وما إلى ذلك» دونما تغيير، ولم يكن كما قال يحسن لقاء زملائه جميعاً لانشغاله بالكتب والكاتبة والإعداد للسياسة الخارجية وملاحق صحيفة حققت نجاحاً لم يتكرر.

وكنت أثناء عملى الصحفى أحتاج إلى قدر من السياسة الخارجية وتقارير عالمية بعدما أخذتنى المحليات من صحافة الأحزاب والبرلمان والمحافظات حتى محررة عسكرية، ومن هنا اقتربت من القسم الخارجى بكل أساتذته منذ السنة الأولى بكلية الإعلام عندما طلبت منا الأستاذة الجليلة والقديرة د. عواطف عبدالرحمن بحثاً عن صحافة الصين، فارتبطت بأساتذة القسم الخارجى بدءاً من الراحل العملاق مصطفى غنيم وكل قيادات وأعضاء الأقسام الخارجية.. وشاءت الظروف أن أقترب كثيراً من الأساتذة كمال عبدالرؤوف ونبيل زكى ومحمد العزب موسى. وحسين عبدالواحد، رحمهم الله جميعاً، فقد كانوا عمالقة وفلاسفة بحق.

ولم أر أستاذ حسين عبدالواحد فرحاً مرحاً كما رأيته فى يناير 2010، وكان سر سعادته أنه اشترى قبراً بمنطقة السيدة عائشة ليعيش بين جنباته ما يستطيع من وقت قبل الرحيل، وكان يضحك عندما تعجب زملائى لرؤيته يصلى عقب تراويح رمضان كثيراً، مؤكدين أنهم لا يعرفون عنه إلا العمل والصمت، وما يشاع عنه من شيوعية وفلسفة أكثر منها قرباً لله وكأنهم من سيحاسبونه يوم القيامة.

رحم الله الأستاذ حسين عبدالواحد الذى احتضنه تراب مصر، وبنى قبره بنفسه فى مكان جميل يألفه قبل الإقامة فيه بسنوات.

 

وللحديث بقية إن شاء الله