رؤى
روى عن ابن عباس رضى الله عنه: «أن رجلًا جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبصرت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟، قال: نعم، قال: قم يا بلال فأذن فى الناس فليصوموا غدًا».
أبوحنيفة وأتباعه رأوا فى الخبر أن الرسول لم يسأل الإعرابى كان عبدًا أو حرًا، فاسقًا أو غير فاسق، زانيًا أو سارقًا أو قاذفًا للغير، فقط قال له: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله»، وشهد الإعرابى وأخذ الرسول بروايته وصام الشهر الكريم.
أبوحنيفة قاس على الواقعة وأخذ برواية الواحد كان امرأة أو عبدًا أو قاذفًا مشترطًا فقط الإسلام، خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم سبق واشترط الرؤية للصيام فى رواية عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين».
أبوحنيفة لم يأخذ برؤية المرأة هكذا على المطلق، بمعنى آخر أنه لم يعامل مشاهدتها على سبيل الإخبار وليس الشهادة فى جميع المسائل، ولا فى جميع الشهور، بل قيد الأخذ بمشاهدتها فى حالة واحدة فقط، وهى الغيم أو ضباب الرؤية التى لا تجعل السماء صحوة وصافية وصالحة لرؤية طبيعية.
فقد ذكر علاءالدين السمرقندى (من الحنفية، ت 539 هـ) فى تحفة الفقهاء (1 صــ 346) هذا القيد بقوله: إن كانت السماء متغيمة فإنه يقبل خبر الواحدة العدل ذكرًا كان أو أنثى، حرًا كان أو عبدًا، محدودًا (طبق عليه الحد) فى القذف أو لا بعد ما تاب وصار عدلًا، لأن هذا من باب الإخبار دون الشهادة يلزم الشاهد الصوم فيتعدى إلى غيره لكنه من باب الدين فيشترط فيه العدالة».
وقد برر الكاسانى(حنفى، ت 587 هــ ) هذا فى (بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع 2 صــ 81) الأخذ برواية محدود القذف بقوله: «إن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبلوا إخبار أبى بكرة وكان محدودًا فى قذف، وروى أبويوسف عن أبى حنيفة: أن شهادته برؤية الهلال لا تقبل، والصحيح أنها تقبل، وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة، لما ذكرنا أن هذا خبر وليس بشهادة، وخبره مقبول، وتقبل شهادة واحد عدل على شهادة واحد عدل فى هلال رمضان بخلاف الشهادة على الشهادة فى سائر الأحكام».