رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

استوقفني بدهشة عنوان الرواية التي تحمل اسم "حدث في برايتون" فدلالة الحدث تعنى بالنسبة لي حدث كبير؛ فقررت دون تردد قراءة الرواية على مدار يومين متتالين دون انقطاع على غير عادتي في القراءة التي أتأخر فيها كثيرًا وذلك كان لأهمية وعمق الموضوع المطروح في الرواية، بالإضافة إلى عذوبية الطرح والتحليل المستخدم.

الرواية باختصار تشتمل على ثلاث مراحل مختلفة لفتاة صعيدية فقيرة قررت أن تستأنف دراساتها العليا بجامعة ساسكس أحد ابرز الجامعات البريطانية في مدينة برايتون. حيث أن نشأة الفتاة المسمى في الرواية "منه الله محمد"  كانت في قرية صغيرة بالصعيد لأبوين فقيرين وثلاث أخوه من متوسطي التعليم اجتهدت بشكل فردى وحصلت على الدرجة العلمية الأولى من الجامعة وهى شهادة البكالوريوس بالكاد نظرًا لضعف الموارد وقلة الإمكانيات المادية، فالأب كان يحمل شهادة الدبلوم الزراعي والأم تحررت من الأمية الابجدية بعد معاناة ولازالت تعانى من الأمية الثقافية نظرًا للبيئة المحيطة بها وعدم توافر الوقت لتربية الأولاد ومراعاة الزوج. فعاشت "منة" حياة فقيرة تخلو من جو المرح واللعب وكل مقومات الحياة الحديثة، وكان الأهل والاقارب ودائرة المعارف على نفس الشاكلة بطبيعة الحال في القرى والنجوع الصغيرة بالصعيد.

 التحقت للعمل كموظفة بإحدى الشركات كمرحلة مؤقتة في عمرها، ثم سعت من خلال استاذًا لها بالالتحاق والسفر لبريطانيا لاستكمال دراستها العليا هناك، وبالفعل وبعد مرور وقت ليس بالقصير من الاجراءات اللازمة للمنح الدراسية والموافقات الخاصة بالسفر والانتقال نجحت في السفر والالتحاق بجامعة ساسكس وذلك رغم اعتراض الأهل والاصدقاء في بداية الأمر إلا أنها وبعد صراع طويل من النقاشات والصدمات تمردت على الحال القروى البسيط وقررت السفر إلى بريطانيا.

سافرت وهى تحلم بالكثير ولكن كان لديها في نفس ذات الوقت هاجس الخوف من التعامل مع الآخر، والآخر هنا ليس فقط جنس الرجال بل حتى الثقافات المختلفة التي من المؤكد أنها ستلتقى بها وتجتمع معها. ورغم ضعف اللغة الانجليزية وعدم قدرتها على إجادتها إجادة تامة في بداية مرحلة السفر، إلا أنها استطاعت الحصول على دورات متقدمة في اللغة لكسر الحاجز والقدرة على التعامل مع من يتحدثون باللغة الأجنبية. وصلت برايتون وللأسف الشديد صدمت مثلها مثل الكثير ممن ليس لديهم إدراك كافٍ ولا وعى رصين بثقافة الشعوب الأخرى؛ فقررت الانفصال والعزلة وعدم الاتصال بأحد واقتصرت حياتها بين الدراسة والغرفة الصغيرة والصلاة والبكاء بسبب تخوفها الشديد وحذرها الدائم من أفراد لا يشبهونها. بقيت على هذا الحال عام كاملاً تبكى وتحزن وتفرح مع نفسها لعدم قدراتها على التعايش مع الأخرين إلى أن قامت أحد زميلاتها بالجامعة -مكسيكية الاصل- بدعوتها، وقد رأت "منة" فيها الارتياح النفسي وهذا قد يرجع لوجود خصائص وسمات مشتركة بين ابناء العالم الثالث في الشكل فقط دون الجوهر فلبت النداء. وبدأت في الانخراط رويدًا رويدًا بأقرانها في الجامعة والمنطقة السكنية التي تلتحق بها لاكتساب مهارات وخبرات جديدة والتخلص من الحياة النمطية التي اعتادت العيش فيها.

 استطاعت "منة" التحرر تدريجًا من شرنقة أهل القرى والتحرر نسبيًا في الشكل والمظهر مع الاحتفاظ بعادات وتقاليد الأسر المحافظة، فشاركت في دورة لإعداد القادة وحضرت الكثير من الندوات والفعاليات الثقافية في برايتون وتبادلت الأحاديث والكتب مع أشخاص من مختلفي الجنسيات والمذاهب والمرجعيات.

وبعد مرور أربعة اعوام كاملةً قضتها "منة" عادت للقاهرة، عادت وبحنين للعودة مرة أخرى لبرايتون الساحرة وملهمة أفكارها وتغييرها. تمردت واستطاعت أن تستقل بحياتها بعيدًا عن أهل قريتها خصوصًا بعد أن تغيرت أفكارها وازداد إدراكها للأمور بشكل كبير عن ذي قبل علاوة على توليها منصب كبير في أحد شركات الادوية والتي أصبح دخلها بطبيعة الحال مستقر ومستقل، ورغم صعوبة اقناع الاهل بذلك إلا أنها فعلت ما تريد وتزوجت ولم تدم فترة الزواج مدة طويلة نظرًا لقلة خبرتها في التعامل مع الآخر إلا ان التجربة اصفرت عن مولودة جميلة اهتمت بها كثيرًا وتمنت أن ترافقها مرة أخرى لبريطانيا لتجدد بداخلها ذكريات الماضي ونقطة تحولها المضيئة.

فكل التقدير والاجلال لمؤلف الرواية الذى جسد لنا درسًا في التغلب على الذات والإصرار على تحقيق أنفسنا بغض النظر عن النشأة والتكوين وادعو كل من اتاحت له الفرصة الاطلاع على هذه الرواية الشيقة التي اتسمت بعمق الفكر والمضمون وخلت من التعقيدات والاساليب الفلسفية النمطية؛ حدث في برايتون رواية تستحق القراءة.