في مثل هذا اليوم من العام الماضي رحلت زوجتي ورفيقة عمري وحبي الكبير عن دنيانا، شعرت بحزن وحسرة لم ينتبني مثلهما من قبل، كنت متمسكًا بالدعاء لزوجتي وهي تصارع الموت وهي طريحة الفراش لقرابة ستة أشهر قضتهم بأحد المستشفيات، لاقت خلالهم كل ألوان الآلام والوجع، ولكن كانت تتمسك بالحياة من أجل أسرتها الصغيرة من أجلي ومن أجل ابنينا. فعلت كل ما بوسعها لكي تظل أكبر فترة ممكنة بيننا، وفعلت كل ما بوسعي لتبقي بيننا حتي إن لم تتحرك تعلمت الصبر مع مرضها الذي امتد قبل دخولها للمستشفي عدة سنوات، ولكني كنت علي أمل الشفاء كنت أدعو لها ليل نهار في كل صلاة وبكل ركعة وبكل سجدة بين يد المولي كنت أدعوه، حتي يتغير، قدر رحيلها، الذي عملت له ألف حساب ولكن القدر كان أقوي وكانت إرادة المولي عز وجل التي قضت بفراق أعز الناس عن الدنيا بعد معاناة لا يطيقها بشر.
حبيبتي في مثل هذا اليوم تلقيت خبر رحيلك وكان كالصاعقة التي أفقدتني توازني وهزت كياني، ولم أستطع حتي الآن لملمة نفسي، أو التعايش مع الحياة وقد تلمست ذلك في كل طلعة شمس تأتي علينا وأنت لست بيننا.
زوجتي الحبيبة؛ عام كامل مر علي رحيلك ولا أدري ولا أعلم كيف مر بكل ما فيه من مآس ووجع ولكن كل ما أعلمه وأعرفه جيداً هو أنك قد فارقتنا ولم تعودى بيننا بجسدك، ولكن المؤكد أن روحك الطاهرة متواجدة وبكل قوة فلا تفارقنا لحظة ولا نغفل دورك بيننا يوماً. بعد رحيلك وخلال عام كامل كنت أفكر خلاله كيف سأستمر بدونك في الحياة فكانت البداية هي أن أستمر في استكمال رسالتنا معاً تجاه ابنينا حتي أصل بهما إلي بر الأمان الذي كنا نتمناه لهما، وخلال تحملي لهذه المسئولية الكبيرة بمفردي تيقنت كم كنت عظيمة، وكم كنت تقدمين لي ولابنينا وكم كنت تتحملين مشقة وصبر لا ينفدان وأنت تديرين كل شئون حياتنا باقتدار وحكمة لم أصل إليهما بعد، رغم كل خبرتي.
في كل زيارة أقوم بها إليك أعود بعدها مستمدا منك قوة كبيرة تدفعني خطوة جديدة للأمام وتحفزني علي تحمل المسئولية وقيادة الدفة ولكن عندما يسرح بيّ تفكيري فيما نعيش فيه أتيقن بأن كل ما أسعي لتحقيقه بدون وجودك صعب ولكنه ليس بالمستحيل، فروحك الطاهرة تلوح في الأفق ودائماً حولي وحول ابنينا، أحاول بكل السبل السير في نفس الاتجاه الذي كنت تسيرين فيه بنا. حبيبتي أوجعنا غيابك... عام مضى ونحن لا نكاد أن نصدق ولَم نستفق من الصدمة. رحلت ورحلت معك البسمة من كل أرجاء البيت، رحلت ونحن في أشد الحاجة لبقائك.. لتلملمي شملنا وتجبري كسرنا وتشفي جرحنا، رحلت وجراحنا ما زالت تنزف. حبيبتي أعرف أنك في أيامك الأخيرة، كنت تدركين وجعنا الصامت وتعرفين مفاصل الحزن في أعيننا تنظرين في أعيننا طويلاً ولا تتحدثين، نحن فقط كنا نعلم ماذا تريدين ولماذا نظرات القلق والحزن التي كانت ترتسم علي وجهك وخوفك علينا رغم شدة ألمك، كنت تنسجين بين عناقيد الحلم قطفاً من نور، كنت تجلسين على سرير المرض تستمعين للقرآن أو للأحاديث النبوية لا يزال كرسيك شاغراً كعرش الملوك يذكرنا بجلساتك معنا ووجودك بيننا، نعزي أنفسنا ونقول إنك لم ترحلي بل غيرت مكان إقامتك لكن طالت هذه المرة.. ما يعزينا هو أن كل ركن من أركان البيت وكل زاوية فيها حسك وصورتك. اصمت.. لكن سئمت العين من ذرف الدمع وتعود القلب على الألم والعذاب، الذي غطي حياتي وبدأت أسير الأحزان، وأصبح الحزن واليأس جزءاً لا يتجزأ من أعماقي بالرغم من رحيل تلك السنة يتبقي بقلبي وبعقلي أشياء لم ترحل، فلم يخطر ببالي أنّ الّلقاء لن يدوم، وأنّ القضاء والقدر هو سيّد الموقف، وأنّه ليس بيدنا حيلة أمام تصاريف القدر وتقلّباته. رحمك الله يا حبيبة القلب ويا رفيقة العمر وإنا لفراقك لمحزونون.