عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

أسباب تسمية «يعقوب» بـ«إسرائيل» وإطلاق اسمه على الكيان الصهيونى

هل فضَّل الله بنى إسرائيل على العالمين دون قيد أو شرط؟

حقيقة الأسباط الاثنى عشر.. وعلاقة اليهود الحاليين ببنى إسرائيل

هل يحق لليهود احتلال «ميراث» أرض كنعان «فلسطين»؟

 

يعقوب عليه السلام كما صورته التوراة:

الحيلة التى لجأ إليها يعقوب ليأخذ البكورية من أخيه البكر:

يعقوب هو ابن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام، وأمه رفقة ابنة بتوئيل بن ناحور أخى إبراهيم، وهى من فدان آرام، ما بين النهرين أى العراق حاليًا، موطن إبراهيم عليه السلام.

ليعقوب أخ وحيد هو عيسو وهو توأمه، فرفقة لم تلد غيرهما، وقد خرج عيسو من بطن أمه أولاً ثم أعقبه يعقوب، معنى هذا أن عيسو هو بكر إسحق، وبموجب ذلك فمن حقه أن تكون له البكورية، التى يتميز بمقتضاها عن بقية إخوته فى الميراث، فالبكر يرث الضعف، كما يحصل على بركة أبيه. ويعد صفوة أبيه، وقد جاء ذلك فى (التكوين 25/24-26).

كان إسحق يحب عيسو، وكانت رفقة تحب يعقوب (التكوين 25/28).

عندما شاخ إسحق، وأراد أن يمنح البركة لعيسو ابنه البكر، قبل وفاته، طلب منه أن يصيد صيدًا ويعد له طعاماً، فسمعت رفقة ذلك، وطلبت من يعقوب أن يحتال على أبيه، ويدخل عليه، ويقول إنه عيسو ويطلب منه أن يمنحه البركة، مستغلاً ضعف إبصار إسحق. وصنعت رفقة له الطعام الذى يحبه أبوه، وألبسته ثياب أخيه عيسو، ووضعت على يديه وعنقه جلد الذبيحة التى أعدتها، لأن عيسو كان رجل أشعر، جاء ذلك فى التكوين (27/1-17).

وعلى الرغم من أن إسحق قد تعجب من عودة عيسو من الصيد مبكراً، وعلى الرغم من أنه قد ساوره الشك عندما سمع صوت يعقوب، فإن إسحق بارك يعقوب ودعا له: ظناً منه أنه عيسو (التكوين 27/18- 29).

عندما عاد عيسو من الصيد وأعد لأبيه الطعام، ودخل عليه، أدرك إسحق أنه قد تم خداعه. فارتعد بشدة، وأخبر عيسو أن أخاه قد مكر وأخذ بركته، وبذلك أصبح سيداً عليه! فحقد عيسو على يعقوب، ونوى أن يقتله. وعندما سمعت رفقة بما قاله عيسو طلبت من يعقوب أن يهرب ويذهب إلى حاران (شمال بلاد الرافدين) عند خاله «لابان» حتى يهدأ غضب أخيه وينسى صنيعه (التكوين 27/30-45).

طلب إسحق من يعقوب ألا يتزوج من بنات كنعان (فلسطين) وأن يتزوج من بنات خاله، وربط بين هذا الزواج وبين بركة إبراهيم ووعد الله لإبراهيم بتلك الأرض (التكوين 28/1-5).

هروب يعقوب إلى بلاد الرافدين من وجه أخيه وزواجه:

عندما وصل يعقوب حاران، وجد بئرًا، ووجد «راحيل» ابنة خاله قادمة لتسقى غنم أبيها التى ترعاها، فدحرج يعقوب الحجر الذى علم فم البئر وسقى غنم خاله. وأخبر «راحيل» أنه ابن رفقة أخت أبيها، فذهبت «راحيل» وأخبرت أباها، الذى ذهب واستقبل يعقوب وأتى به إلى بيته (التكوين 29/1-13).

عرض «لابان» على يعقوب أن يعطيه أجرًا مقابل قيامه بخدمته، فاختار يعقوب أن يتزوج «راحيل» ابنة خاله الصغرى التى أحبها مقابل أن يخدم خاله سبع سنين جاء ذلك فى (التكوين 29/15 – 18).

خداع «لابان» ليعقوب:

عندما اكتملت سنوات الخدمة جمع «لابان» أهل المكان، وصنع وليمة، وفى المساء أخذ ليئة، ابنته الكبرى، وأدخلها على يعقوب، بدلاً من أختها «راحيل». وفى الصباح تبين يعقوب خديعة «لابان» له، وبرر «لابان» ما فعله بأنه لا يصح وفق عادتهم، أن تتزوج الصغيرة قبل الكبيرة، وطلب من يعقوب أن يهدأ، وأنه سوف يزوجه من أختها «راحيل» بعد أسبوع على أن يخدمه سبع سنين أخرى فوافق يعقوب.

وكما جرت عادة القبائل منح «لابان» ابنته «ليئة» عند زواجها جارية تدعى زلفة، وأعطى ابنته «راحيل» جارية تدعى بلهة، وكان من العادات القبلية إن كانت العروس عاقراً تطلب من زوجها أن يدخل بجاريتها وينجب لها أبناء منها (التكوين 25/21-29).

ميلاد الأسباط الاثنى عشر:

لما رأى الرب أن يعقوب يكره ليئة جعلها تحبل، وجعل «راحيل»، التى أحبها يعقوب عاقراً، فأنجبت «ليئة» أول أبناء يعقوب وهو رأوبين ثم أنجبت بعد ذلك شمعون ثم لاوى ثم يهوذا (التكوين 29/31-35).

غارت «راحيل» من أختها، ولما رأت أنها لم تلد، طلبت من يعقوب أن يدخل بجاريتها بلهة وينجب لها منها بنين، فحبلت بلهة وولدت دان ثم نفتالى (التكوين 30/1-8).

وعندما توقفت «ليئة» عن الإنجاب، أخذت جاريتها زلفة وأعطتها ليعقوب فأنجبت زلفة جاد ثم أشير (التكوين 30/9-13).

حبلت «ليئة» بعد ذلك وولدت ابنا دعته «يساكر» ثم ولدت ابنا آخر دعته «زبولون»، ثم ولدت بنتا ودعت اسمها دينة (التكوين 30/17-21).

بعد حين حبلت راحيل وأنجبت يوسف (التكوين 30/22- 24) ثم حبلت مرة أخرى، ولكنها تعسرت ولادتها وهى تلد بنيامين وماتت (التكوين 35/16-18).

يتبين مما سبق أن أبناء يعقوب ثلاثة عشر، فهناك ابنة تدعى دينة لكنها لم تعد بين الأسباط لأنها أنثى.

لم تفرق التوراة بين أبناء يعقوب الذكور، على الرغم من كون بعضهم أبناء جارية، وعلى الرغم من أن ستة منهم أبناء «ليئة» الزوجة المكروهة.

«ليئة» زوجة يعقوب هى التى أنجبت لاوى الذى سيأتى من نسله موسى وهارون عليهما السلام، كما أنجبت يهوذا الذى سيأتى من نسله داود عليه السلام، كما سيأتى من نسله المسيح المنتظر، وهى التى أنجبت رأوبين وشمعون ويساكر، وزبولون ودينة.

لم تنجب «راحيل»، التى أحبها يعقوب غير يوسف وبنيامين.

أنجبت جارية «ليئة» ولدين: جاد وأشير.

أنجبت جارية راحيل ولدين: دان ونفتالى.

ولد أبناء يعقوب جميعاً فى بلاد الرافدين (العراق حالياً) باستثناء بنيامين الذى ولدته «راحيل»، أثناء ترحالهم فى أرض كنعان، بين بيت إيل وبيت لحم.

الحيلة التى لجأ إليها يعقوب ليأخذ نظير خدمته لخاله:

أراد يعقوب أن يرجع إلى أرض كنعان بعد ميلاد يوسف، وأراد أن يأخذ نظير خدمته فماطله «لابان»، فلجأ إلى الحيلة لكى يأخذ المواشى والأغنام القوية ويترك للابان الضعيف منها، جاء ذلك فى (التكوين 30/25 – 43).

أيدت «ليئة» و«راحيل» ما فعله يعقوب بأبيهما، بل لقد سرقت «راحيل» أصنام أبيها، وقرر يعقوب أن يهرب هو وأهله نحو جبل جلعاد دون أن يخبر لابان (التكوين 31/1-21).

لماذا سُمى يعقوب إسرائيل؟ ومن الذى أطلق هذا الاسم؟ وما دلالته؟

عندما وصل يعقوب وأهله أرض جلعاد، على الضفة الشرقية من نهر الأردن، وكان يعقوب بمفرده ليلاً، صارعه (إنسان) حتى طلوع الفجر، وعندما رأى أنه لا يقدر على يعقوب ضربه على حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب، فقال ليعقوب: أطلقنى. فقال له: لا أطلقك إن لم تباركنى، فقال له: ما اسمك؟ فقال يعقوب، فقال له: لا يدعى اسمك يعقوب بعد اليوم، بل إسرائيل، لأنك صارعت (الله) والناس وقدرت. ودعا يعقوب اسم المكان «فينيئيل» قائلاً: لأنى رأيت الله وجهاً لوجه، ونجوت (التكوين 32/22-30).

فاسم إسرائيل أو «يسرائيل» يعنى «يصارع الإله»، وعلى الرغم من أن التوراة قد ذكرت فى البداية أن يعقوب صارع إنساناً، فإنها ذكرت بعد ذلك أنه لم يكن إنساناً، وتأكد ذلك بتسمية المكان «فينيئيل» التى تعنى «وجه الله» لأن يعقوب رأى الله وجهاً لوجه. والرب هو من أطلق على يعقوب اسم «يسرائيل».

لماذا أطلق اسم «يسرائيل» على الكيان الصهيونى عند إنشائه؟

لقد اقترح هيرتزل فى المؤتمر الصهيونى أن يطلق على الكيان الذى يزمعون إنشاءه اسم «دولة اليهود»، ولكن استقر الرأى على اسم «يسرائيل»، وذلك لأنه اسم توراتى، أى ورد فى التوراة، وأن الرب هو الذى أطلقه، والأهم أنه يعكس حقيقة هذا الكيان الذى ارتبط منذ نشأته بالقوى الاستعمارية ومخططاتها، التى تعتمد على الصراع والحروب حتى مع الله، فالصراع ركيزة أساسية يعتمد عليها هذا الكيان فى نشأته ولضمان بقائه واستمراره، وفى السلام نهايته وعوامل تحلله.

هل فضل الله بنى إسرائيل على العالمين دون قيد أو شرط؟

جدد الرب العهد الذى قطعه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب، بأن يعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم، جدد الرب هذا العهد مرة أخرى مع موسى عليه السلام، وتعهد بأن يخلصهم من العبودية فى مصر وأن يدخلهم الأرض التى وعدها إبراهيم ليرثوها (ليحتلوها) جاء ذلك فى الخروج (6/2-8).

شروط اختيار الرب لبنى إسرائيل:

اشترط الرب على بنى إسرائيل أن يسمعوا له وأن يحفظوا عهده ليكونوا صفوته بين جميع الشعوب.

ارتبط اختيار الرب لبنى إسرائيل وتفضيلهم على سائر الشعوب بتذكرهم الفرائض وإقامتها (العدد 15/40).

ارتبط الاختيار والتفضيل بعبادتهم الرب، وتوحيده، وعدم السجود لغيره، وفى هذه الحالة سيكافئهم بأن يطرد من أمامهم الشعوب، ويورثهم أرضهم، جاء ذلك فى (التثنية 4/19-20، 37-39).

ارتبط الاختيار بالابتعاد عما نهى الرب عنه والمحافظة على إقامة الفرائض والأحكام (الخروج 22/31، التثنية 14/1-2) (اللاويين 20/22-26)، (التثنية 7/5-11).

وقد قبل بنو إسرائيل الاختيار (الخروج 19/7-8).

ويتضح مما جاء فى التوراة أن تفضيل الرب لبنى إسرائيل على العالمين لم يكن تفضيلاً مطلقاً دون قيد أو شرط، ولكنه كان مشروطاً بالالتزام بالتكاليف التى أمرهم بها.

ولذلك كان من الضرورى أن يوافقوا على هذا الاختيار أو التفضيل وعلى تكاليفه.

إخلال بنى إسرائيل بشروط التفضيل:

نقض بنو إسرائيل شروط العهد الذى جدده الله مع موسى عليه السلام، والذى بمقتضاه فضلهم الرب على سائر العالمين، وجعلهم يرثون (يحتلون) أرضاً ليست ملكاً لهم فتذمروا على موسى وجادلوه بسبب فزعهم وعدم ثقتهم بالله ( الخروج 14/10-14) كما تذمروا على موسى لعدم وجود ماء (الخروج 15/23-24، 17/2-6)، كما تذمروا على موسى بسبب الجوع (الخروج 16/2-3).

طلب بنو إسرائيل من هارون أن يصنع لهم إلهاً عندما تأخر موسى عليهم فى الجبل فصنع لهم عجلاً ذهبياً، من الذهب الذى سرقوه من المصريات، وقالوا إن هذا العجل هو الذى أخرجهم من أرض مصر، وبنى هارون مذبحًا للعجل، وقدموا له الذبائح (الخروج 32/1-6).

مارس بنو إسرائيل الزنا مع بنات موآب، وسجدوا لإلههن «بعل فغور» (العدد 25/1-5).

تذمر بنو إسرائيل فى برية سيناء على المن (الطعام الذى خلقه الرب دون وساطة) واشتهوا الطعام الذى كانوا يأكلونه فى مصر (العدد 11/1-6).

شكوى موسى عليه السلام وضجره من حمل الشعب الثقيل، وعجزه عن تلبية مطالبهم الكثيرة وتشككه فى مقدرة الرب أن يطعم هذا العدد الغفير (العدد 11/18-23).

وما ذكرته فى هذا الصدد ليس كل ما ورد فى التوراة ولكن على سبيل المثال فقط.

ما ترتب على إخلال بنى إسرائيل بشروط التفضيل فى عصر موسى عليه السلام:

غضب الرب على موسى وهارون وعاقبهما والجيل الذى خرج معهما من مصر بالحرمان من دخول أرض كنعان وميراث (احتلال) الأرض، واستثنى يشوع بن نون وكالب بن يفنه والأطفال الذين ولدوا فى البرية أثناء التيه جاء ذلك فى (لعدد 20/12، 27/12-14)، (التثنية 1/34-39)، (التثنية 32/48-52).

أرسل الرب عليهم فى البرية حيات سامة محرقة فلدغتهم ومات الكثيرون منهم ( العدد 21/4-6).

وقد لخص آساف، وهو من اللاويين المنشدين، ما قام به بنو إسرائيل فى البرية، وعدم إيمانهم بالرب، ونقضهم العهد، جاء ذلك فى أحد المزامير المنسوبة له (المزمور 78/10-32، 40-58).

إخلال بنى إسرائيل بشروط التفضيل بعد موسى عليه السلام:

بعد دخول بنى إسرائيل (الناجين من العقاب) أرض كنعان (فلسطين) مع يشوع بن نون، اختلطوا بشعوب هذه الأرض، رغم أن التوراة قد نهتهم عن ذلك ونتج عن هذا الاختلاط الاجتماعى اختلاط ديني، فعبدوا كل العبادات الوثنية التى عبدها الكنعانيون وقدسوها وقد وردت أخبار ذلك بداية من سفر القضاة مرورًا بأسفار الملوك وانتهاءً بأسفار الأنبياء، وفيما يلى بعض العبادات الوثنية، على سبيل المثال لا الحصر:

عبد بنو إسرائيل الأشجار المقدسة (إشعياء 41/19، 44/14-17) (حزقيال 6/13)، (هوشع 4/13).

نصب بنو إسرائيل الأشيرا (السارية وهى شجرة أو نصب يشبه الشجرة) رمزًا لعشتارت الشريكة الأنثى للبعل (القضاة 3/7، 6/25 – 26) ولم يتوقفوا عن عبادتها فى المملكة الشمالية كما جاء فى (الملوك الثانى 13/6) ولا فى المملكة الجنوبية كما جاء فى أخبار الأيام الثانى 24/18).

عبد ملوك بنى إسرائيل الأصنام مثل أخآب ملك إسرائيل (الملوك الأول 21/26).

عبد بنو إسرائيل البعل والبعليم منذ عصر القضاة، أى بعد موت يشوع بن نون، ولم يتوقفوا عن عبادته حتى السبى (القضاة 2/11، 13) (صموئيل الأول 7/3-4) الملوك الأول 22/53، وكانوا يسجدون له ويقبلونه (الملوك الأول 19/18).

بلغ عدد أنبياء البعل أيام أخاب 450 نبياً وأنبياء عشتارت 400 نبى جاء ذلك فى الملوك الأول 18/19.

استمر بنو إسرائيل فى ممارسة دعارة الطقوس الدينية الملوك الأول 14/24 أيام رحبعام بن سليمان ملك يهوذا، وكانت منتشرة فى عبادة الآلهة عشتر أو عشتارت، وتختلف دعارة الطقوس الدينية عن الزنا، فالتوراة نهت عن الزنا فى الوصايا العشر «لا تزن» (الخروج 20/14).

أما النهى عن الدعارة المقدسة فورد فى التثنية 23/17 والترجمة الصحيحة: «لا تكن داعرة مقدسة (قديشا) من بنات إسرائيل، ولا يكن داعر مقدس (قاديش) من بنى إسرائيل»، وقد جاءت ترجمتها فى الكتاب المقدس: «لا تكن زانية من بنات إسرائيل ولا يكن مأبون من بنى إسرائيل».

كما جاءت ترجمة المصطلح فى هوشع 4/14 «الناذرات الزنى» والصواب «الداعرات فى المعبد». ويبدو مما جاء فى الملوك الثانى 23/7، أن بيوت الدعارة المقدسة كانت بجوار بيت الرب.

عبد بنو إسرائيل الشمس والقمر والأبراج وجند السماء، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جاء فى الملوك الثانى 17/16، 21/3، 5.

صنع يربعام بن نباط ملك إسرائيل عجلين من الذهب، ووضع واحداً فى بيت إيل، والآخر فى دان، وقال: هذه آلهتك يا إسرائيل التى أصعدتك من أرض مصر، وطلب من الشعب أن يقربوا لهما الذبائح بدلاً من الذهاب إلى أورشليم (الملوك الأول 12/28-29).

قدم آحاز ملك يهوذا ابنه فى النار قرباناً للوثن مولك (الملوك الثانى 16/3).

بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس المؤابين ولمولك رجس بنى عمون، وبنى مرتفعات لعشتورت إلهة الصيدونيين (الملوك الأول 11/17، الملوك الثانى 23/13).

ما ترتب على إخلال بنى إسرائيل بشروط التفضيل بعد موسى عليه السلام:

يتبين مما سبق أن بنى إسرائيل قد تعدوا كل النواهى التى نهاهم عنها الرب عند دخول أرض كنعان فعلى سبيل المثال لا الحصر، نهاهم الرب عن عبادة آلهة كنعان أو السجود لها كما جاء فى الخروج 23/23-24، لذلك تنبأ الأنبياء بعد موسى بغضب الرب على بنى إسرائيل، وبالمصائب التى ستحل بهم، فعلى سبيل المثال ورد فى نبوءة هوشع أن بنى إسرائيل كفروا باختيار الرب لهم، وخروا للأصنام التى نحتوها (هوشع 11/1-2).

وورد فى نبوءة النبى ميخا أن الرب غضب على بنى إسرائيل بسبب صناعتهم الأصنام وعبادتها (ميخا 1/7).

وتنبأ حزقيال، الذى سبى إلى بابل، بالمصائب التى ستحل ببنى إسرائيل بسبب العبادات الوثنية ومن بينها الأصنام (حزقيال 6/4-6، 13).

كما تنبأ بخراب أرض إسرائيل والحرمان من ميراثها بسبب عبادة الأصنام وسفك الدماء (حزقيال 33/24-26).

وجاء فى المزمور 78/61-64 أن بنى إسرائيل استحقوا غضب الرب عليهم، فقد سلمهم الرب للسبى وانتقم من الكهنة.

وجاء فى الملوك الثانى 17/7- 18 الخطايا والأثام التى ارتكبها ملوك مملكة إسرائيل الشمالية فى حق الرب الذى أخرجهم من أرض مصر، وبسبب آثامهم عاقبهم الرب بفناء المملكة وبسبى بنى إسرائيل إلى أشور.

فالسبى الأشورى حدث فى القرن السابع ق.م، وفيه تم تهجير عشرة أسباط من بنى إسرائيل، وهم من كانوا يقيمون فى المملكة الشمالية، إلى مملكة أشور (شمال العراق) وقد اختلطت أسباط بنى إسرائيل العشرة بأهل أشور وتلاشوا بينهم ولم يعد لم ذكر بعد ذلك.

ولم تكن المملكة الجنوبية (مملكة يهوذا التى تضم سبط يهوذا وبنيامين فقط) أحسن حالاً من المملكة الشمالية، فقد عبد سبعة ملوك من ملوكها عبادات وثنية بداية من أول ملوكها وهو رحبعام بن سليمان.

ولذلك انتهى أمر هذه المملكة بسبى أهلها إلى بابل (العراق) فى القرن الخامس ق.م.

هل هناك علاقة بين اليهود الحاليين وبين بنى إسرائيل؟ وهل يحق لهم ميراث (احتلال) أرض كنعان (فلسطين)؟

يتبين من العرض السابق أن الأنبياء بعد موسى عليه السلام قد صوروا السبى الأشورى (القرن السابع ق.م) على أنه كان عقاباً من الرب للمملكة الشمالية على ما ارتكبته من خطايا وآثام وعبادات وثنية، فقد تم سبى عشرة أسباط من بين اثنى عشر سبطاً، وقد اندثرت الأسباط العشرة ولم يعد لهم ذكر بعد القرن السابع ق.م، فقد ورد فى الملوك الثانى 17/23: « فسبى إسرائيل من أرضه إلى آشور إلى هذا اليوم».

كما صور الأنبياء بعد موسى عليه السلام، سبى المملكة الجنوبية (سبط يهوذا وبنيامين) إلى بابل على أنه أمر حتمى وعقاب لها على ما ارتكبته من خطايا.

فى حين نجد أن التهجير أو السبى كان سياسة استعمارية انتهجتها الإمبراطوريات القديمة فى أرض كنعان (فلسطين) نظراً لموقعها الإستراتيجى وأهميته، فتشكل أرض كنعان (فلسطين) مع مصر أوسط نقطة فى العالم، لذلك ما أن تفرض إمبراطورية ما سيطرتها على بلاد فارس والعراق والهلال الخصيب حتى تقوم بتأمين طريق الوصول إلى البحر المتوسط وإلى مصر، ولا تكتفى باحتلال تلك المنطقة، بل تقوم بتهجير سكان كنعان (فلسطين) وتوطينهم فى مناطق أخرى، وتجلب سكان آخرين تابعين للإمبراطورية أو المستعمر (طابور خامس)، وتقوم بتوطينهم فى أرض كنعان، أى تقوم بخلخلة التركيبة السكانية (لحماية مصالحها).

وقد تكرر هذا «التهجير والتوطين» كثيراً سواء فى التاريخ القديم أو الحديث.

فقد قامت الإمبراطورية الآشورية، فيما يعرف بالسبى الأشورى 722 ق.م، بتهجير سكان السامرة من بنى إسرائيل (المملكة الشمالية أى الأسباط العشر) إلى أشور وميديا وشمال سوريا، وجلب مجموعات سكانية من شمال سوريا وبابل وعيلام وتوطينهم مكانهم فى السامرة.

وقد تكرر هذا الأمر (التهجير والتوطين) على يد الإمبراطورية البابلية، فالسبى البابلى الذى قام به نبوخذ نصر 586 ق.م هو تهجير لسكان أورشليم وإقليم يهوذا (المملكة الجنوبية أى سبط يهوذا وبنيامين) إلى بابل.

وبعد أن سيطر الفرس على المنطقة بعد هزيمة الإمبراطورية البابلية، قامت الإمبراطورية الفارسية بتهجير عكسى، فقد هجرت السكان الموالين لها من كافة أنحاء الإمبراطورية (سفر عزرا 1/1) إلى أرض كنعان تحت اسم (العودة من السبى) وذلك من أجل خلخلة التركيبة السكانية التى كانت موجودة فى أرض كنعان والتى قاومت هذا «الغازى المعتدى» الذى وصف نفسه بأنه «عائد».

وتعكس الإصحاحات من 4-6 من سفر عزرا الصعوبات الإدارية التى تواجه سياسة إدخال عناصر سكانية جديدة، وديانات مركزية فى منطقة ما، حيث يوجد سكان مستقرون ذوو علاقات وسلطات ذاتية منذ أمد بعيد.

فالصراع الذى حدث بين هؤلاء «العائدين» وبين السكان المحليين يعكس رد الفعل البغيض الذى قوبل به هؤلاء «الغازون – العائدون» تحت مظلة المستعمر الفارسى.

أما آخر مخططات التهجير فى منطقة فلسطين فهو ما قام به الاستعمار البريطانى أثناء فترة الانتداب، وهو يشبه المخطط الفارسى الذى قام به الملك «كورش».

فلقد تعاون الاستعمار البريطانى مع الصهيونية عن طريق وعد بلفور (1917م) وقام بتوطين سكان تابعين (عملاء) للإمبريالية من كافة أنحاء العالم، فى أرض فلسطين تحت اسم «العودة إلى أرض الآباء» وقام هؤلاء «العائدون» بترويع سكان فلسطين الآمنين وإرهابهم بهدف إجبارهم على النزوح وترك فلسطين.

فمفهوم «العودة» مفهوم أيديولوجى أساسى فى سياسة التهجير وإعادة التوطين منذ عصر الإمبراطوريات القديمة، فهو محاولة إيجاد صلة دينية قديمة تربط هؤلاء المهجرين بتلك الأرض الغريبة عنهم.

ومفهوم «العودة» أو الإعادة يشمل «إعادة الحكام» أو «إعادة الشعوب» أو إعادة الآلهة.

وقد استخدم الفرس هذا المفهوم الأيديولوجى بإتقان، فالإصحاح الأول من سفر عزرا يصور كورش كبان للهيكل (بيت الرب)، وكمعيد لما أخذه البابليون.

وقد تبنى الاستعمار البريطانى والصهيونية هذا المفهوم الأيديولوجى، فهؤلاء المستعمرون القادمون من كافة أنحاء العالم، «عائدون إلى أرض الآباء» وبالتالى فإن عزمهم إقامة الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، ما هى إلا تهجير بيت المقدس، أى بيت الرب القائم، وإعادة توطين عبادة الإله يهوه فى مكانه.

أما عن صلة هؤلاء العائدين ببنى إسرائيل الذين وعدهم الرب بميراث (احتلال) هذه الأرض، فلقد دأبت الصهيونية السياسية منذ البداية على تسخير الأبحاث الأنثروبولوجية، وترتيب نتائجها مسبقاً بحيث تخدم دعاواها الاستعمارية فى فلسطين، وبحيث تركز على النقاء الجنسى لليهود، وأنهم ظلوا على ساميتهم، وأن يهود اليوم أينما كانوا هم النسل المباشر لبنى إسرائيل التوراة.

ورغم ذلك فقد أثبتت الدراسات أن اليهود يبدون معدل تفاوت كبير جداً فيما بينهم فى فئات وفصائل الدم مما ينفى تجانس الأصل، وقد أجمع مهرة علماء الأنثروبولوجيا من «كين إلى ربلى إلى كوت» على تزاوج اليهود من غير اليهود وعلى دخول أعداد كبيرة من الوثنيين والمسيحيين إلى اليهودية، والدليل على ذلك أن أعداد اليهود بعد شتاتهم فى أنحاء العالم وبعد طردهم من فلسطين فى القرن الأول الميلادى، قد نمت بمعدلات غير معقولة، وأرجعوا ذلك إلى أمرين:

التحول الضخم إلى اليهودية مثل تهود مملكة الخزر التترية فى القرن الثامن الميلادى، وتهود الفلاشا (يهود الحبشة)، واليهود السود من التاميل فى جنوب غرب الهند، واليهود القرائين فى طوروس.

التحول الفردى المستمر فى كل مكان وزمان، عن طريق التزاوج والامتزاج الدموى وعلى الرغم من أن كتاب اليهود فى العصر الحديث يصرون على ضآلة دور التحول إلى اليهودية عموماً، والتحول الجماعى إلى اليهودية بصفة خاصة، فى انتشار اليهودية، فإن المصادر الدينية (العهد القديم والتلمود) تثبت عكس ما يدعون منذ السبى وليس منذ الشتات.

 

خلاصة القول:

اليهود الحاليون ليسوا بنى إسرائيل، ومن ثم لا حق لهم فى هذه الأرض (أرض فلسطين)، واليهود الحاليون أداة من أدوات الاستعمار البريطانى أتت بهم بريطانيا إلى هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم، لكى تخلخل التركيبة السكانية، عن طريق تهجير السكان الأصليين، وتوطين عملاء لا ينتمون لهذه المنطقة، وينتمون فقط لمن يدفع أكثر ويضمن وجودهم وبقاءهم فى المنطقة أطول فترة ممكنة.

ولذلك ليس من المستغرب أن تنظر كل الدول الغربية إلى الكيان الصهيونى، ليس بوصفه دولة احتلال وإنما بوصفة دولة للعائدين إلى أرض آبائهم.

ولذلك ليس من المستغرب أن يكون معنى الفعل ورث «يارش» فى اللغة العبرية وعاء هذا الفكر الاستعمارى: 1- آل إليه شىء عن طريق الإرث.

2- احتل أرضاً أو شيئاً ما.