عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشرقون يحاولون منذ القرن 19 تزييف التاريخ لصالح بنى إسرائيل

محاولات لتشويه الاكتشافات الأثرية التى تثبت حق الكنعانيين فى الأرض

إبراهيم ليس يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا يتبع الحق ويرفض الباطل

الفلسطينيون أطلقوا لفظ «عبريين» على الضيوف الطارئين فى أرض كنعان

دأب المستشرقون منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومع ثورة الاكتشافات الأثرية على صناعة مصطلحات وخلق تاريخ لبنى يعقوب، أى بنى إسرائيل، فقبل هذا التاريخ كان العهد القديم «الكتاب الذى يضم التوراة التى تنسب إلى موسى عليه السلام وأسفار الأنبياء الذين جاءوا من بعده كما يضم أسفارًا تاريخية وأدبية».. يعد كتاب تاريخ وجغرافيا واقتصاد واجتماع لمنطقة الشرق الأدنى القديم بأكملها، ولما خضعت فلسطين للانتداب البريطانى، تم عمل مسح أثرى لكل بقعة فيها، وكان علماء الآثار ينقبون وهم يحملون المعول فى يد وفى اليد الأخرى العهد القديم وعندما لم يجدوا ما يوثق أو يتفق مع ما جاء فى العهد القديم، راحوا يدسون اسم بنى إسرائيل فى الأجزاء الناقصة أو المبتورة من الوثائق، ولم يكتفوا بذلك بل راحوا ينفون أو يجدون أى دور لأى حضارة من حضارات المنطقة، بل وصلوا لما هو أبعد من ذلك فقد شوهوا تلك الاكتشافات التى عثروا عليها للحضارة الكنعانية، أى لسكان فلسطين الأصليين، ووصفوها بأنها حضارة وثنية أى تؤمن بتعدد الآلهة، هذا فى الوقت الذى يحفل العهد القديم بما يثبت أن بنى إسرائيل لم يتخلوا عن العبادات الوثنية حتى فى حياة موسى عليه السلام، واستمرت عبادتهم للأوثان حتى عاقبهم الرب بالسبى الأشورى «القرن السابع ق. م» ثم بعد ذلك بالسبى البابلى «القرن الخامس عشر ق. م».

لذلك سنقوم بتصويب المصطلحات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة والرد على الادعاءات وسنبدأ بما دسوه على إبراهيم عليه السلام، لأنه النسب المشترك بين العرب وبين بنى إسرائيل، وهو النسب الأقرب من سام بن نوح، الذى يسبق إبراهيم عليه السلام بثمانية أجيال.

فقد حاول بنو إسرائيل أن يثبتوا أنهم ينتسبون إلى إبراهيم عليه السلام، وأن ينفوا عن أبناء إسماعيل نسبتهم إليه عن طريق تشويه هذا النسب كما تجاهلوا وجود ستة أبناء ذكور لإبراهيم عليه السلام من زوجته قطورة، كل ذلك لكى يقصروا الوعد بالأرض عليهم وحدهم وليحرموا بقية أبناء إبراهيم من ميراث أرض كنعان فاختلقوا عدة ادعاءات، أولها: إن إبراهيم عليه السلام يهودى، وقد رد الله على هذا الزعم بما جاء فى سورة «آل عمران» «ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين» «67».

وصدق الله العظيم فقد عاش إبراهيم عليه السلام عام 2000 ق. م «أى القرن العشرين قبل الميلاد» تقريبًا، أى قبل موسى عليه السلام بـ600 أو 700 سنة تقريبًا، وقبل السيد المسيح عليه السلام بألفى عام تقريبًا، وهذه التواريخ تقريبية لعدم وجود وثائق أو نقوش تحسم الأمر.

فإبراهيم ليس يهوديًا ولا نصرانيًا، ولكن كان حنيفًا أى يتبع الحق ويميل عن الباطل، وكان مسلمًا، وليس المقصود بالإسلام هنا أنه يؤمن بدين محمد عليه السلام، ولكن من المعانى الأخرى للإسلام أنه يعنى الإيمان بالله وطاعته والانقياد والإخلاص لله، ووفق هذا المعنى يعد إبراهيم عليه السلام مسلمًا فقد آمن بوجود إله خالق لهذا الكون عن طريق التفكير العقلى، وعن طريق التأمل فى حركة الكون كما جاء فى سورة الأنعام: «وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين فلما جنَّ عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكوننَّ من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال يقوم إنى برىء مما تشركون إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين».

لقد آمن إبراهيم عليه السلام بالله دون أن يتنزل عليه وحى ودون أن يرى معجزات، فى حين أن الله كلم موسى عليه السلام وأجرى له المعجزات أولاً وبعد ذلك آمن به موسى عليه السلام وقومه، وقد أجرى الله المعجزات على يد السيد المسيح فكان يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ومن ثم آمن به أتباعه.

لذلك جاء فى سورة الحج «ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل».

فإبراهيم عليه السلام هو من سمانا مسلمين؛ لأننا آمنا بالله مثله دون أن نرى معجزات وخوارق أجراها الله لمحمد عليه الصلاة والسلام.

ولم تنص التوراة على الكيفية التى توصل بها إبراهيم إلى وجود خالق للكون، كما لم تنص على أنه ترك عبادة الأصنام التى كان يعبدها أبوه وقومه، وجاءت إشارة لإيمان إبراهيم بالله فى فقرة واحدة فى «التكوين 15/6» «فآمن بالرب فحسبه له برا».

وجاء فى «المدراشيم» أى كتب التفاسير اليهودية أن أبى إبراهيم كان يبيع الأصنام، وجاء فى التلمود أن العلماء تساءلوا عن إيمان إبراهيم، وإيمان موسى عليهما السلام، أى الإيمان عن طريق التفكير العقلى والإيمان بعد رؤية المعجزات، وأى الإيمانين أعلى درجة أو مكانة، وأجابوا أن إيمان إبراهيم أعلى درجة من إيمان موسى عليهما السلام.

وقد تجلى إيمان إبراهيم عليه السلام، بمعنى طاعته لله وانقياده له فى تصديقه للرؤيا التى رآها، وقد همَّ بذبح ابنه ولم يتردد، وقد ورد هذا الأمر فى التوراة فى «التكوين 22/1-2»: «وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال له: «يا إبراهيم»، فقال: «هأنذا»، فقال: «خذ ابنك وحيدك الذى تحبه، إسحاق، واذهب إلى أرض المريا، وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذى أقول لك».

فلقد عرضت التوراة الأمر على أنه وحى أو كلام من الله لإبراهيم، وليس رؤيا، وأن الرب طلب من إبراهيم أن يذبح ابنه ويحرقه، فمحرقة تعنى القربان الذي يحرق بأكمله على المذبح، وقد تعجب المفسرون اليهود من هذه الجمل الاعتراضية التى تمت إضافتها لتجعل الذبيح إسحق وليس إسماعيل، فقالوا فى «مدراش رابا» «لم ينص على اسم إسحق منذ البداية إن كان هو الذبيح؟» ولماذا قال وحيدك؟ فوحيدك لا تطلق إلا على إسماعيل فقد ظل وحيدًا ثلاثة عشر عامًا، ولا تطلق على إسحق أبدًا فاسحق جاء بعد إسماعيل بثلاثة عشر عامًا.

واستطرد المفسرون اليهود، وقالوا: لماذا قال النص «الذى تحبه؟» هل هناك حدود فى الأحشاء؟ أى هل هناك مكان تخرج منه النطفة فى حالة الحب، ومكان آخر تخرج منه النطفة فى حالة الكراهية؟ ولن نعلق على ما قاله المفسرون اليهود.

والقرآن الكريم لم ينص صراحة على اسم الذبيح، ولكن يفهم مما جاء فى سورة الصافات: «فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم» فالحديث جاء عن الرؤيا والذبح ثم جاء بعد ذلك فى الآية 112 من السورة نفسها «وبشرناه بإسحاق نبيًّا من الصالحين».

فيفهم من ذلك أن الآيات الأولى التى تحدثت عن الذبيح كانت تتحدث عن إسماعيل، وليس عن إسحق، وفى الواقع أن كون الذبح ابتلاء لإبراهيم كما جاء فى الآيات السابقة يرجح أن الذبيح إسماعيل لأن الابتلاء يكون شديدًا وفاحصًا للإيمان إن كان الابن وحيدًا، ويكون أخف وطأة ويمكن تحمله إن كان هناك ابن آخر.

الادعاء الثانى: زعم اليهود وتابعهم المستشرقون أن إبراهيم أول من لقب بالعبرى، وأن هذا اللقب نسبة إلى جده الخامس عابر، أو لأنه عبر النهر إلى أرض كنعان، أو لأنه كان فى جانب «عيفر» وكل العالم فى جانب أو ناحية أخرى.

وهذا الادعاء: لم يرد فى التوراة، وإنما جاء فى التفاسير اليهودية «مدراش رابا» فهى اجتهاد من وضع المفسرين، وقد روج المستشرقون لهذا التفسير لكنهم عرضوه على أنه حقيقة تاريخية، فإذا فتح المرء معجم ابن شوشان ليحث عن معنى كلمة «عبرى» تجدهم يقدمون هذا التفسير على أنه أصل اشتقاق هذه الصفة أو هذا الاسم، والأدهى والأخطر من ذلك أنهم يربطون بين هذا الاسم وبين «Habiru حابيرو» التى وردت فى خطابات تل العمارنة، أى أنهم يوثقون الاسم بإيجاد علاقة أو رابطة تربطه بأثر من الآثار.

أما عن معنى اسم «عبرى» فيقول معجم ابن شوشان: «عبرى» تعنى إسرائيلى، يهودى أو شخص من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب.

معنى ذلك أنهم يثبتون لإبراهيم هذه الصفة ويثبتونها لإسحق ويعقوب فقط من بين نسل إبراهيم وينفون بذلك هذه الصفة عن العرب أبناء إسماعيل من زوجته هاجر، وعن العرب من أبناء زوجته قطورة. وللرد على هذا الزعم أقول: إن كان إبراهيم وصف أنه عبرى حقًا نسبة إلى جده «عابر»، أو لأنه عبر النهر فهذه الصفة تطلق على العرب أبناء إسماعيل وأبناء قطورة ويسمون أيضًا «عبريين».

وبالرجوع إلى التوراة نجد أن إبراهيم وصف بأنه عبرى مرة واحدة فى «التكوين 14/13» «فأتى من نجا وأخبر أبرام العبرانى، وكان ساكنًا عند بلوطات ممراص الأمورى، أخى أشكول وأخى عانر، وكانوا أصحاب عهد مع أبرام».

ووصف يوسف بأنه عبرى أربع مرات فى «التكوين 39/14، 17» «أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة: «انظروا! قد جاء إلينا برجل عبرانى ليداعبنا! دخل إلى ليضطجع معى، فصرخت بصوت عظيم... «فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة: «دخل إلى العبد العبرانى الذى جئت به إلينا ليداعبنى».

وفى «التكوين 40/15. 41/12»: «لأنى قد سرقت من أرض العبرانيين، وهنا أيضًا لم أفعل شيئًا حتى وضعونى فى السجن»... «وكان هناك معنا غلام عبرانى عبد لرئيس الشرط، فقصصنا عليه، فعبر لنا حلمينا، عبر لكل واحد بحسب حلمه».

وقد وصف بنيامين أخو يوسف بأنه عبرى فى «التكوين 43/32»: «فقدموا له وحده، ولهم وحدهم، وللمصريين الآكلين عنده وحدهم، لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعامًا مع العبرانيين، لأنه رجس عند المصريين».

وقد وصف موسى بأنه من أولاد العبرانيين فى «الخروج 2/5»: «فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغسل وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر، فرأت السفط بين الحلفاء، فأرسلت أمتها وأخذته، ولما فتحته رأت الولد، وإذا هو صبى يبكى، فرقت له وقالت: «هذا من أولاد العبرانيين».

ووصف بها قوم موسى فى الخروج 2/7، 11» «فقالت أخته لابنة فرعون: «هل أذهب وأدعو لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد؟ »... «وحدث فى تلك الأيام لما كبر موسى أنه خرج إلى إخوته لينظر فى أثقالهم، فرأى رجلاً مصريًا يضرب رجلاً عبرانيًا من اخوته».

ولكن موسى وصف أيضًا بأنه رجل مصرى وذلك عندما هرب من مصر وذهب إلى أرض مديان كما جاء فى «الخروج 2/19»: «فقلن: رجل مصرى أنقذنا من أيدى الرعاة، وإنه استقى لنا أيضًا وسقى الغنم».

كما أطلق الفلسطينيون صفة العبريين على هؤلاء الطارئين الذين دخلوا معهم فى حرب أيام شاءول وداود كما جاء فى «صموئيل الأول 13/7، 14/11»: «وبعض العبرانيين عبروا الأردن إلى أرض جاد وجلعاد، وكان شاول بعد فى الجلجال وكل الشعب ارتعد وراءه».. فأظهروا أنفسهما لصف الفلسطينيين، فقال الفلسطينيون: «هوذا العبرانيون خارجون من الثقوب التى اختبأوا فيها».

فالفلسطينيون كانوا موجودين فى أرض كنعان قبل أن ينتقل إليها إبراهيم عليه السلام، فقد جاء فى «التكوين 21/34»: «وتغرب إبراهيم فى أرض الفلسطينيين أيامًا كثيرة».

وقد وردت صفة عبرى ليونس عليه السلام «يونا أو يونان»، فقد قال عن نفسه: أنا عبرى فى «يونان 1/9»: «فقال لهم: أنا عبرانى وأنا خائف من الرب إله السماء الذى صنع البحر والبر».

الخلاصة أن صفة عبرى وصف بها إبراهيم ويوسف وقوم موسى ويونس عليهم السلام، ولم يوصف بها إسحق ولا يعقوب عليهما السلام، فما حقيقة هذا الاسم؟

الاسم «عبرى» مشتق من الفعل «عبر» الذى يعنى تنقل، اجتاز، ارتحل، وهذا الفعل موجود فى معظم اللغات السابقة «العربية، الآرامية، الفينيقية، الأكدية»، و«عبرى» تعنى كاسم وكصفة المهاجر أو المتنقل أو الرحال أو البدو لأنهم فى حالة تنقل دائم بحثًا عن الكلأ والمرعى.

وأطلقت صفة عبرى على إبراهيم لأن الله أمره بالانتقال من موطنه أو الكلدانيين «جنوب العراق» أو حاران «شمال العراق» إلى أرض كنعان، وقد جاء فى سورة العنكبوت والقائل هو إبراهيم عليه السلام: «وقال إنى مهاجر ألى ربى إنه هو العزيز الحكيم» «26».

وقد وصف يوسف بهذه الصفة لأنه ارتحل وانتقل من أرض كنعان إلى مصر، عندما ألقاه اخوته في القبر، وأخذه السيارة وباعوه فى أرض مصر، كما وصف بنيامين أخو يوسف بأنه عبرى كذلك عندما جاء إلى مصر.

وقد وصف موسى عندما عثرت عليه ابنة فرعون فى النهر أنه من أولاد العبرانيين أى من أولاد المهاجرين الموجودين فى مصر، كما وصف قومه بهذه الصفة أيضًا.

وقد استحق هؤلاء الذين خرجوا مع موسى من مصر، ودخلوا أرض كنعان مع يشوع بن نون أن يطلق عليهم الفلسطينيون المقيمون فى أرض كنعان، صفة «عبريين» فهم جماعة من المهاجرين الطارئين على أرض كنعان.

وقد وصف يونس عليه السلام «يونا أو يونان» نفسه وقال إنا عبرى، ولا تعنى هذه الصفة انتسابه إلى إبراهيم، لأن يونس عاش عام 785 ق. م، أى أنه عاصر انقسام المملكة إلى مملكة شمالية ومملكة جنوبية بعد داود، وكانوا إما ينتسبون إلى المملكة الشمالية أو الجنوبية ولم تكن صفة «عبرى» فى ذلك الحين تستخدم للإشارة إلى العرق أو النسب، وقول يونس عن نفسه «أنا عبرى» تعنى أنا رحال، أو أنا مهاجر، لأن الرب أمره أن ينتقل إلى نينوى «فى العراق» لكى ينذرهم لكثرة شرورهم، ولكنه خاف وركب السفينة ليهرب أو ليهاجر إلى ترشيش، ولذلك قال عن نفسه عندما سألوه «أنا عبرى» أى أنا رحال أو مهاجر أو أنا لست من أهل هذه البلدة.

وخلاصة القول: إن عبرى اسم أو صفة لا يعنى من ينتسب إلى عابر أو إبراهيم، أى أنها ليست صفة عرقية بل على العكس تعنى المهاجر أو الرحال أو المتنقل من مكان إلى مكان ومن ثم تطلق على الرعاة أيضًا أى على الحابيرو.

فهذه الصفة بهذا المعنى تنطبق على الدولة الصهيونية فهى فعلاً دولة من المهاجرين وهى اسم على مسمى.

أما إطلاق هذه الصفة على لغة زعم المستشرقين أنها ضمن مجموعة اللغات التى أطلقوا عليها اسماً عرقياً «اللغات السامية»، فللرد على هذا الزعم أقول: إنه لم ترد لغة بهذا الاسم أو بهذه الصفة فى أى سفر من أسفار العهد القديم، فالخط الذى كتب به العهد القديم يسمى الخط الآشورى المربع، أما اللغة فهى لغة مصطنعة من لغات الشعوب التى احتك بها بنوإسرائيل.

أما اللغة التى يطلق عليها الآن اسم «اللغة العبرية»، فهى فى أساسها اللغة الآرامية التى اتخذوها لغة لهم منذ عصر المشنا، منذ القرن الثانى ق. م، ووضعوا بها كتاب المشنا، وهو كتاب التشريع الثانى بعد التوراة، وقد شرح العلماء كتاب المشنا بعد ذلك فى بابل باللغة الآرامية التى كانوا يتحدثونها فى القرون الأولى للميلاد، وأطلق على كتاب المشنا وهذه الشروح اسم التلمود البابلى، وعند إنشاء دولة اسرائيل، طرحت عدة اقتراحات للغة الرسمية لهذه الدولة وتم اختيار هذه اللغة الآرامية التى اتخذوها منذ القرن الثانى ق. م، على الرغم من كونها ليست لغة حديث يومى، فى حين أن اللغات المقترحة الأخرى لغات حية، وتستخدم فى الحديث اليومى، مثل اللغة الييدشية «لغة يهود شرق أوروبا» مثلاً، والسبب فى اختيار هذه اللغة الآرامية: حتى يلصقوا بها صفة عرقية تمكنهم من خلق جذور ولهم فى هذه الأرض التى ليست ملكًا لهم بنص التوراة.

ولذلك ليس من المستغرب إذن أن يمنح شموئيل يوسف عجنون، الأديب اليهودى الحائز جائزة نوبل فى الأدب فى الثمانينات من القرن الماضى، على الرغم من تواضع مستوى أعماله من الناحية الأدبية، فقد منح هذه الجائزة مكافأة له على الدور الذى قام به لهذه اللغة الآرامية «المسروقة»، التى أطلقوا عليها اسم اللغة العبرية، فقد حولها من لغة تشريعات ودين إلى لغة أدب يمكن استخدامها فى الحديث اليومى.

كيف تم تشويه نسل إبراهيم من هاجر وزوجته قطورة؟ ولماذا؟

 أبدأ بالإجابة عن لماذا تم تشويه نسل إبراهيم عليه السلام من هاجر ومن قطورة؟

والإجابة: لكى ينفرد إسحق ابن سارة بالوعد وأن يرث وحده الأرض التى وعد الرب أن يعطيها لإبراهيم ونسله من بعده.

أما كيف شوهوا هاجر؟ فالإجابة: لقد حاولوا أن ينفوا عنها، وهى المصرية، أنها كانت زوجة لأبى الأنبياء، ومن ثم جعلوها جارية، وقالوا إن ابن الجارية لا يرث، أى أن إسماعيل لن يتساوى مع إسحق ولن يرث، فى حين ورد فى «مدراش رابا» أن هاجر المصرية هى ابنة لفرعون مصر الذى جاء إبراهيم عليه السلام والسيدة سارة إلى مصر فى عهده، حين قدما إلى مصر هربًا من المجاعة التى ضربت أرض كنعان، كما جاء «التكوين 12/10»: «وحدث جوع فى الأرض، فانحدر أبرام إلى مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع فى الأرض كان شديدًا».

وورد فى «مدراش رابا» عندما رأى فرعون مصر الكرامات التى حدثت لسارة فى بيته، أعطى ابنته لإبراهيم، وقال: من الأفضل أن تكون ابنتى جارية فى بيته ولا تكون سيدة فى بيت رجل آخر».

لأن المصريين كانوا يحتقرون المهاجرين ويعدونهم نجسين، ولا يأكلون معهم، كما جاء فى «التكوين 43/32».

فهاجر المصرية أم إسماعيل، أم العرب من نسل ملكى، ولم تكن جارية، ولكن فرعون نظر إلى زواجها من أحد المهاجرين بأنها ستكون بمثابة جارية.

وبالرجوع إلى التوراة نجد النص يرجح ما جاء «مدراش رابا» وأن هاجر من نسل ملكى فقد غارت السيدة سارة من السيدة هاجر غيرة شديدة، وأذلتها لدرجة جعلت السيدة هاجر تهرب من وجهها «التكوين 16/6»: «فأذلتها ساراى، فهربت من وجهها».

فهل غيرة السيدة سارة سبب حمل السيدة هاجر فقط؟ أم لأنها أيضًا من نسل ملكى؟ فهل طلبت السيدة سارة من إبراهيم عليه السلام أن يطرد هاجر وابنها لمجرد أنها رأت إسماعيل يلعب؟ كما جاء التكوين «21/9-10» «ورأت سارة ابن هاجر المصرية التى ولدته لإبراهيم يمزح، فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها».

أما عن السيدة قطورة التى اتخذها إبراهيم عليه السلام زوجة له بعد وفاة السيدة سارة، فلم تذكر التوراة شيئاً عن نسبها، وقد أنجبت له ستة أبناء ذكور، كما ورد فى «التكوين 25/2-3» «فولدت له: زامران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا، وولد يقشان: شبا وددان، وكان بنو ددان: أشوريم ولطوشيم ولأميم».

وقد تم التعتيم على أبناء إبراهيم عليه السلام من السيدة قطورة وتم تجاهلهم تمامًا حتى لا يكون لهم نصيب فى الأرض أو الوعد الذى وعده الله لإبراهيم ولنسله من بعده.

أما عن الاختلاف بين التوراة والقرآن حول المكان الذى ترك فيه إبراهيم عليه السلام السيدة هاجر وابنها إسماعيل: فيتمثل فى أن التوراة تجعل صحراء بئر سبع مسرحًا للأحداث كما جاء فى «التكوين 21/14-19»: فبكر إبراهيم صباحًا وأخذ خبزًا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر، واضعا إياهما على كتفهما، والولد، وصرفها، فمضت وتاهت فى برية بئر سبع. ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار ومضت وجلست مقابلة بعيدًا نحو رمية قوس، لأنها قالت: «لا أنظر موت الولد»، فجلست مقابلة ورفعت صوتها وبكت، فسمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: «ما لك يا هاجر؟ لا تخافى، لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. قومى احملى الغلام وشدى يدك به، لأنى سأجعله أمة عظيمة» وفتح الله عينيها فأبصرت بذر ماء، فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام».

ثم ورد فى «التكوين 21/21-20» «وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن فى البرية، وكان ينمو رامى قوس، وسكن فى برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر».

ويتناقض النص السابق مع ما جاء عن مواليد إسماعيل فى «التكوين 25/12-16»: «وهذه مواليد إسماعيل بن إبراهيم، الذى ولدته هاجر المصرية جارية سارة لإبراهيم. وهذه أسماء بنى إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم: نبايوت بكر إسماعيل، وقيدار، وأدبئيل ومبسام ومشماع ودومة ومسا وحدار وتيما ويطور ونافيش وقدمة، هؤلاء هم بنو إسماعيل وهذه أسماؤهم بديارهم وحصونهم اثنا عشر رئيسًا، حسب قبائلهم».

فلقد ذكرت التوراة أسماء أبناء إسماعيل بديارهم وحصونهم التى يظهر من الخريطة المرفقة أنهم سكنوا الجزيرة العربية وليس سيناء ولا صحراء بئر سبع، وهذه الخريطة هى خريطة منطقة الشرق القديم كما جاءت فى العهد القديم، وهى الخريطة المطبوعة فى ظهر أغلب الكتاب المقدس الذى بين أيدينا الآن، علاوة على أن وجود بئر زمزم فى مكة إلى يومنا هذا يؤكد أن الجزيرة العربية هى مسرح الأحداث التى حدثت للسيدة هاجر وابنها وليس صحراء بئر سبع.

* ماذا عن وعد الله لإبراهيم بزيادة نسله، وهل تحقق هذا الوعد فى نسله من السيدة سارة أم من السيدة هاجر والسيدة قطورة؟

- يتبين مما جاء فى التوراة عن وعد الله لإبراهيم بزيادة نسله، وألا يستطيع عده من الكثرة كما جاء فى «التكوين 15/5»: «ثم أخرجه إلى خارج وقال: «انظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها»، وقال له: «هكذا يكون نسلك».

إن ذلك ينطبق على نسل إبراهيم من هاجر ومن قطورة، فقد أنجب إسماعيل اثنى عشر ابنًا كلهم من الذكور، وأنجب إبراهيم من السيدة قطورة ستة من الذكور، فى حين أنجبت السيدة سارة إسحق فقط، وأنجب إسحق اثنين من الذكور، هما عيسو ويعقوب.

* ماذا عن وعد الله لإبراهيم عليه السلام بالأرض، وما حدودها؟

- ورد هذا الوعد ثلاث مرات، أولاها دون تحديد أبعاد الأرض فى «التكوين 13/15-17»: «لأن جميع الأرض التى أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد. واجعل نسلك كتراب الأرض، حتى إذا استطاع أحد أن يعد تراب الأرض فنسلك أيضًا يعد. قم امش فى الأرض طولها وعرضها لأنى لك أعطيها».

ثم ورد الوعد مرة ثانية مع تحديد الأبعاد فى «التكوين 15/7-18»: «وقال له: أنا الرب الذى أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها» فقال: «أيا السيد الرب، بماذا أعلم أنى أرثها؟ » فقال له: «خذ لى عجلة ثلاثية، وعنزة ثلاثية، وكبشاً ثلاثياً، ويمامة وحمامة». فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه، وأما الطير فلم يشقه، فنزلت الجوارح على الجثث، وكان أبرام يزجرها، ولما صارت الشمس إلى المغيب وقع على أبرام سبات، وإذا رعبة مظلمة عظيمة واقعة عليه، فقال لأبرام: «اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريبًا فى أرض ليست لهم ويستعبدون لهم. فليذلونهم أربعمائة سنة، ثم الأمة التى يستعبدون لها أنا أدينها، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة، وأما أنت فتمضى إلى آبائك بسلام وتدفن بشيبة صالحة، وفى الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا لأن ذهب الأموريين ليس إلى الآن كاملاً» ثم غابت الشمس فصارت العتمة، وإذا تنور دخان ومصباح نار يجوز بين تلك القطع فى ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقًا قائلاً: «لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات».

فقد تم هذا الوعد بتقديم قربان، وتم تحديد الأرض أنها من نهر مصر، أى النهر الموجود على الخريطة المرفقة جنوب غزة وليس نهر النيل، وتمتد هذه الأرض إلى النهر الكبير وهو نهر الفرات.

ثم ورد الوعد مرة ثالثة وكان إبراهيم فى ذلك الحين يبلغ من العمر 99 عامًا، ويبلغ إسماعيل 13 عاماً، وكانت علامة العهد هذه المرة هى الختان، كما جاء فى «التكوين 17/1-12»: «ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام، وقال له: «أنا الله القدير، سر أمامى وكن كاملاً، فاجعل عهدى بينى وبينك وأكثرك كثيرًا جدًا»، فسقط أبرام على وجهه، وتكلم الله معه قائلاً: «أما أنا فهوذا عهدى معك، وتكون أبًا لجمهور من الأمم فلا يدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم، لأنى أجعلك أبًا لجمهور من الأمم وأثمرك كثيرًا جدًا، وأجعلك أمماً وملوكاً منك يخرجون، وأقيم عهدى بينى وبينك وبين نسلك من بعدك فى أجيالهم، عهدًا أبديًا، لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك، وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًا، وأكون إلههم»، وقال الله لإبراهيم: «وأما أنت فتحفظ عهدى، أنت ونسلك من بعدك فى أجيالهم، هذا هو عهدى الذى تحفظونه بينى وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختن منكم كل ذكر فتختنون فى لحم عزلتكم فيكون علامة عهد بينى وبينكم، ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر فى أجيالكم: وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك».

ففى هذا العهد تم تغيير اسم إبراهيم عليه السلام من أبرام «الذى يشير إلى السماء فى عبادة قوى الطبيعة» إلى إبراهام وعلامة العهد أن يختن كل ذكر وهو ابن ثمانية أيام.

بناء على ما سبق، فأبناء إسماعيل وأبناء قطورة يدخلون فى هذا الإرث فهم نسل إبراهيم وهم يختنون الذكور إلى يومنا هذا فهم ليسوا غلفًا ومحاولة تشويه إسماعيل بتصويره أنه ابن جارية فأبناء قطورة يثبتون أن إسحق ليس هو الوريث الوحيد لإبراهيم، وأبناء يعقوب الاثنا عشر الذين أنجبهم يعقوب من ليئة وجاريتها وراحيل وجاريتها، وتقسيم أرض كنعان على الاثنى عشر ابناً جميعًا دون تمييز بين أبناء السيدة وأبناء الجارية، يدحض ويفند حرمان إسماعيل من ميراث الأرض.

- أما عن حقيقة اسم أبى إبراهيم عليه السلام، وهل هو «تارح» كما جاءت التوراة أم آزر كما جاء فى الأنعام: «وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين» «74».

فالرد أن آزر كنية ولقب لأبى إبراهيم، وأنا أرى وهذا اجتهاد منى أن الله قد كناه بهذا الاسم لأنه اسم أحد الأصنام أى أحد الآلهة الوثنية التى كانت تعبد فى بلاد آشور قديمًا، فقد انتقل إبراهيم عليه السلام وأبوه من أمور الكلدانيين «جنوب العراق» إلى حاران فى المملكة الأشورية فى الشمال، وقد ورد اسم هذا الإله «آذر ملك» فى «الملوك الثانى 17/31»: «والعويون عملوا نبحز وترتاق، والسفر وايميون كانوا يحرقون بنيهم بالنار لأدرملك وعنملك إلهى سفروايم».

فاسم الصنم مركب من اسم آذر وملك هى صفة للصنم، فـ«الدال» فى الآرامية تقابل «الذال» فى العربية.

علاوة على أن اسم «آزر» قيمته العددية بحساب الجمل «209» وهذا الرقم عبارة عن حاصل جمع عدد ملائكة النار «التسعة عشر» الذى ورد فى سورة «المدثر 30» «عليها تسعة عشر» إحدى عشرة مرة، والرقم أحد عشر يمثل عدد الأجيال من نوح، الذى يعد مثل آدم بعد الطوفان وهلاك كل البشرية، إلى إبراهيم عليه السلام وهم: نوح، سام، أرفكشاد، شالح، عابر، فالج، دعو، سروج، ناحور، تارح، ابرام «إبرهام»، وما جاء فى سورة المدثر يفسر سبب إطلاق هذا اللقب على أبى إبراهيم، فقد جاء فى سورة المدثر: «وما إدراك ما سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون، وليقول الذين فى قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً كذلك يضل الله ما يشاء ويهدى من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر».

فالله يوجه الخطاب فى سورة المدثر إلى أهل الكتاب بما ورد عندهم فى كتابهم بعد أن نفى عن الرسول أنه يعلمه بشر، كما جاء فى سورة النحل: «ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين».

فجاء باسم «آذر» الذى لم يرد فى التوراة أو فى كتب التفاسير ليثبت الله لليهود بطريقة من طرق تفسيرهم، وهى التفسير بحساب الجمل للاسم آذر الذى تتفق قيمته العددية مع عدد ملائكة النار الذى جعله الله فتنة بمعنى اختبار فهم تسعة عشر فى كل جيل من الأجيال من نوح إلى إبراهيم عليه السلام، كى لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون أنه من عند الله ولم يعلمه بشر.