الكتاب الجيد يدفعك إلى التهام صفحاته، صفحة تلو الأخرى حتى تنتهى منه، وأنت تشعر بالمتعة. يختلف هذا الشعور من كتاب إلى آخر حسب اهتمام القارئ بموضوع الكتاب، وإذا كانت المتعة تتحقق فى بعض الكتب، ولا تتحقق فى أخرى، إلا أنه فيما يتعلق بالكتب الأدبية، فإن المتعة التى يجنيها القارئ من الكتاب شرط أساس. وهذا الشرط متوفر بقوة فى كتاب «جنون الحب.. وقصص أخرى» للزميلة سمية عبدالمنعم التى تدخل بقوة عالم المؤلفين عن طريق دار «كتبخانة».
تتجول الأديبة سمية عبدالمنعم فى قصصها التسع عشرة بين عالم الجريمة، لكنها لا تسردها سرداً قد نجده فى صفحات الحوادث اليومية بالصحف، وإنما تغوص فى النفس الإنسانية وصراعها الداخلى الذى دفعها إلى الإقدام على ارتكاب ما يضع الشخص فى صفوف المجرمين، رغم أن طبيعته ليست إجرامية.
كل قصص المجموعة تدور فى صراع درامى يصل بنا إلى نقطة الذروة التى تضطر الشخص إلى ارتكاب جريمته الأولى، وتعيش بنا فى الدوافع التى وقفت وراء هذا الفعل، وتلجأ أحياناً إلى تقنية الاسترجاع، وأحياناً المونولوج الداخلى الذى يكشف عن بدايات القصة.
وقد أشار مبدعنا المتميز الأستاذ عماد الغزالى فى مقدمته للمجموعة إلى أن الحكم يصدر فى القضايا بالأدلة والبراهين، لكنه يفتقد العدالة أحياناً، لأنه يغفل عن الدوافع التى قد تصل بنا إلى قناعة بأن «الضحية» هو الجانى، وهو ما يتضح فى الكثير من قصص المجموعة.
فى قصة «قتل مشروع» نجد أن العنوان نفسه يوحى بأن الكاتبة تقف مع الجانى، وأنها تبرر جريمته لأنه ليس لديه حل آخر، ووصف «القتل» بأنه «مشروع» منح الجانى «براءة» رغم أن المحكمة قد تأخذ بالأدلة ولا تنظر إلى الدوافع. «مى» بطلة القصة اندفعت نحو إتمام الزواج من «نبيل» رغم شكوك والدتها فيه، لأنه سعى إلى تحديد موعد الزفاف فى أسرع وقت، لتفاجأ بعد الزواج بأن فارس أحلامها لا يملك مروءة الرجال، حيث يدعوها إلى ارتداء ملابس عارية لكى يقدمها لصديقه، قاومت رغبته، لكنه أصر، فهددت بإبلاغ الشرطة، وهنا طلب الصديق الانصراف، وعند انصرافه شعرت «بشىء من الغثيان أمام تلك المخلوقات، فلم تتمالك نفسها وبصقت خلف صديقه فى اشمئزاز، ولم تكد تفعل حتى كانت صفعة قاسية تهجم على وجنتها، فأسود المشهد أمام عينيها، وسقطت مغشياً عليها». وبعد أن أفاقت من الإغماء اتجه تفكيرها مباشرة إلى التخلص من الزوج «الوغد» فاستلت سكيناً من المطبخ، وبحثت عن هدفها، فوجدته نائماً على السرير، استجمعت قواها، ووجهت إليه الطعنات القاتلة.
وإذا كان لنا أن نجد عذراً لـ«مى»، فإننا نصادف أبطالًا بجرائم غريبة دافعها الأنانية، مثل «هند» التى شقت رأس أختها «أمل» بالفأس فى قصة «جنون الحب»، لأن الشخص الذى تحبه من طرف واحد تقدم للزواج من أختها.
اللغة فى مجموعة «جنون الحب» سلسة، مثل الماء الجارى، يتسابق معها القارئ لمتابعة الأحداث المشوقة حتى يصل إلى نهاية القصة.
وتبدأ المؤلفة معظم فقرات كتابها بالفعل الماضى الموحى بانتهاء الحدث، لنكون أمام شهرزاد التى تسرد قصصها بهذا الفعل الدال على أحداث وقعت منذ زمن وانتهت. وفى بعض الأحيان يأتى الفعل المضارع دالاً على الماضى، عندما تدخل عليه أداة النفى «لم»، ومن أمثلة هذا النوع فى المجموعة: لم يستوعب، لم تستطع، لم تُجب، وعلى العكس من الرد يأتى الفعل المضارع فى الحوار بين الشخصيات، ليدل على ما يحدث الآن أو فى المستقبل.
وأجادت المؤلفة تصوير المواقف فى المجموعة، لتضعنا فى قلب الأحداث وكأننا نعيشها.
هذه المجموعة بداية لأديبة تملك أدواتها، وقادرة على التطوير فى المستقبل لإبداع قصص وروايات تتنوع فى الموضوعات، ولا تقتصر على موضوع الجريمة وحده وتخرج عناوينها عن عناوين الأفلام السينمائية.