ما حدث مؤخرا لم يكن منطقيا ولا معقولا، عندما ارتفع سعر العملة الامريكية مقابل الجنيه المصرى بشكل ليس له علاقة بالاقتصاد او السياسة، إنما له اكيد علاقة غير منطقية بالأخلاق وبإعطاء الدولار وضعا أقرب ما يكون للسلعة منها للعملة، وشتان بين الاثنين السلعة تسد احتياج ولكن العملة وسيلة تبادل لشراء السلع والخدمات، ولذلك تصحيح الوضع أمر كان مطلوبا للحد من أوضاع مقلوبة، وأنا أعلم أن تثبيت سعر الصرف هو الأفضل فى ظل اقتصاد مستقر، ولكن تحرير السعر او تعويم العملة هو خطوة مكروهة مؤقتة لإعادة التوازن من جديد لسوق الصرف حتى يستقر الاقتصاد، ويعاد تثبيت السعر من جديد وأتصور أن ذلك هو المتوقع فى المدى المنظور.
ويجمع الاقتصاديون على أن القرارات الاقتصادية الاخيرة هى خطوة طال انتظارها اكثر من نصف قرن كان لا بد منها لخروج الاقتصاد المصرى من عنق الزجاجة، ولكن ظلت جميع الحكومات السابقة المتعاقبة تخشى الاقتراب من مساحة المساس بالدعم. ويرى البعض ان تجهيز المريض لإجراء عملية جراحية خطوة أساسية لصالح المريض قبل إجراء العملية وأعتقد أن القرارات الاخيرة ايضا من الضرورى ان تكون مصحوبة بتجهيز المجتمع لآثارها الجانبية واهم عامل هو ما يسمى «الحماية الاجتماعية». فمثلا ترك الحبل على الغارب للسوق يتحرك كيفما يشاء بلا رقابة مجتمعية أو حكومية سيجعل من محدودى الدخل أو الفقراء أكثر المضارين من أي إجراء ولذلك من المهم أن نحمى المواطن الفقير بتوفير مستوى معيشة له إنساني حضارى فلا يتحمل أى أعباء جديدة، أما الاعباء الناجمة عن القرارات الجديدة يتحملها القادرون حيث يقول المنطق والعدل إن هناك علاقة طردية بين الأعباء وزيادة المقدرة الاقتصادية.
إن الزيادة فى أسعار كل السلع والخدمات أمر يفرض الحاجة للرقابة على أسعار السلع والخدمات.. كلمة أخيرة هل يمكن ان نتوقف قليلا مع سلوكياتنا كمستهلكين؟
وكما يقولون رب ضارة نافعة، فعلا نحن نحتاج إلى مراجعة لعادات انتشرت فى المجتمع تحث على تكريس الفكر الاستهلاكى، وربما القرارات الاخيرة تدفع الكثيرين منا الى ترشيد الاستهلاك ولا يشترى أحد منا إلا احتياجاته الفعلية، وسنضطر الى ذلك لأن الظروف الحالية ستجبرهم على الالتزام فقط بشراء الأساسيات والتخلى عن الكماليات، لكن أهمس فى أذن الدولة يجب منع الإعلانات الاستفزازية، فليس معقولا أن نحث المواطنين على ترشيد استهلاكهم وتذيع القنوات الفضائية إعلانات تعمق من الاحساس بالإحباط لعدم مقدرة البعض على مجاراة سلع وخدمات ربما أسعارها مستفزة وفلكية ولا تتوفر إلا لأصحاب الملايين والمليارات الذين يزاحمون بسياراتهم الفارهة فى محطات البنزين أصحاب السيارات المتواضعة، ليحصلوا على الوقود بنفس السعر. ولهذا اقترح تفعيل الكارت الذكى، ليشترى المواطن المتوسط الحال وقودا مدعما وبكمية محددة فى حين يدفع القادر سعر الوقود غير المدعم!!