نظرة تأمل:
يثير النظام الدولى السائد حاليا معضلة سببها الآثار المترتبة على سياسة ازدواجية المعايير التى يلجأ لها أطراف فى العالم الغربى تجاه دول الشرق الأوسط وعلى وجه التحديد الدول العربية ومن مظاهر ذلك محاولة تحويل هذه الدول إلى حقل تجارب لسياسات لا شك انها قد تؤتى بنتائج مدمرة على شعوب المنطقة لصالح مناطق أخرى يتم التعامل معها بشكل مختلف ولكى نتفهم ما يحدث. لابد أولا أن نرد المشهد الدولى إلى تطوره التاريخى ثم نوضح العلاقة بين العرب والغرب فى إطار السياق الصحيح وهو أمر قد يتجاوز مجاله هذا الحيز.
غير أننا نشير هنا إلى أنه من أهم عيوب النظام العالمى الجديد ما حدث فى وقت لاحق من زيادة معدلات الاستقطاب حيث أصبح بالتأكيد هناك قطب رئيسى متمثل فى العالم الغربى (الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة ) لكن هناك أقطابا أخرى متعددة خاصة على المستوى الاقتصادى والسياسى مثل روسيا والصين واليابان وظهور ما يسمى بالمجموعات المتشابهة مثل مجموعة 7 + 1 ومجموعة العشرين وفى الوقت نفسه تراجعت أدوار مجموعات أخرى نتيجة تغير طبيعة النظام الدولى مثل مجموعة عدم الانحياز.
وفى ضوء ما تقدم بدأ التفكير فى المضى على مسارين متوازيين الأول تكريس الرغبة فى تجنب ويلات الحروب، الثانى تأكيد ونشر فكرة الحرب بالوكالة. وهذا المسار الأخير هو ما دفع الآخرين إلى التصارع فيما بينهم لترويج وشراء منتجات ترسانات الأسلحة من جهة وعدم الدخول فى حروب تقليدية مباشرة طالما أنه فى الاستطاعة تحقيق الهدف بطريقة غير مكلفة ويحلو للكثيرين تسمية هذا التوجه بحروب الجيل الرابع وقد أثبت الفشل الأمريكى فى العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين أن الحرب بالوكالة النهج الأنجع وعلى هذا الأساس تم تعديل الخطط الاستراتيجية الغربية فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط تحديدا فى اتجاه الحرب بالوكالة وتبقى إسرائيل أكثر الأطراف الإقليمية استفادة تليها إيران من سياسات الغرب فى العالم العربى والدليل على ذلك انتشار النزاعات فى المنطقة العربية التى يبدو للعيان وللوهلة الأولى أنها نزاعات إقليمية وذات طابع داخلى ولكن فى الحقيقة ان أطرافا دولية تقف وراءها وبيدها جهاز «تحكم عن بعد» فى كل المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية.