نظرة تأمل
من أهم المقررات الدراسية في كليات الإعلام التربية الاعلامية ورغم ذلك لا أحد يستفيد منه أو يطبقه في وسائل الإعلام المختلفة مرئية او مسموعة او مقروءة او إلكترونية وبشكل خاص في الإعلام المتلفز الذي يحتل المساحة الأكبر سواء في مجتمع المتلقين أو المشتغلين بالإعلام بل دعونا نقل إن غياب هذه الثقافة المهمة في بناء فكر الإنسان بشكل تنويري أدى الى وجود نوع من الامية خرجت بالميديا عن مسارها الإيجابي وانحرافها الى مسارات سلبية وفرعية تجعل من الإعلام اداة للهدم وليست اداة للبناء.
إن الإعلام وسيلة مشروعة للمعرفة ومن حق المتلقي أن يعرف ويعلم ويتفاعل مع الأحداث لكن هناك مساحة رمادية بين النور والظلام بين المعرفة والجهل بين الحق والباطل ويحاول البعض جر الإعلام اليها للخروج كما ذكرنا عن مساره الطبيعي في محاولة لتجميل الواقع على أساس أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان أو دعونا نقل تسجيل حالة من (اللا موقف) ومحاولة وصفها بالحيادية!!.
وإذا كان هذا مقبولا في ظل مجتمع لا يقبل التعددية فإن الأمر لا يمكن ان يقبل في ظل التباينات السياسية والاجتماعية بالمجتمع وفي ظل التنافس بين الفضائيات وفي إطار ما يسمى عولمة الاعلام.
ومن ثم لامكان لكلمة التعتيم في الرسالة الاعلامية واذا كان القصد بالتعتيم عدم إلقاء الضوء على حدث ما قد يكشف فساد شخص او مؤسسة فإنني أقول إن مثل هذا الفعل يعتبر جريمة في حق جماهير المتلقين وحق المجتمع لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
وما لا شك فيه أن الإعلام يؤدي دورا مهما لمساندة الحق بغض النظر عمن هم اصحاب هذا الحق وفي السياق نفسه في ظل تعدد مصادر الأخبار ووجود مصادر غير موثوق منها من الأهمية بمكان التريث وتدقيق الخبر وإعمال قاعدة في مدرسة الـ BBC (من الأفضل ان اكون الثاني وأقدم خبرا صحيحا على ان اكون الاول واقدم خبرا كاذبا) وقد تعلمنا أيضا أنه من الأفضل عدم إذاعة الخبر الذي تجلب اذاعته المشكلات أو بعبارة أخرى المشكلات المترتبة على عدم اذاعة خبر غير موثوق منه اقل من المشكلات المترتبة على اذاعته دون تدقيق.
وهنا تأتي مهمة المحرر المسؤول ويقاس نجاحه بقدرته على التمييز والاختيار بين مئات القصص الاخبارية يوميا ويقوم بترتيبها حسب سلم أولوية خضوع الخبر للمعايير المهنية وهي ان يكون الخبر جديدا وغير عادي ومثيرا وضخما ويهم المتلقي.
بعد ذلك يلتزم المحرر بقاعدة أو قيمة المحاسبة بسؤال نفسه: هل الحدث الذي يخضع للمعايير الاخبارية يفيد بأن يقدم قدرا واضحا من المعرفة والحقائق يصبح من الصعب تجنب هذا الحدث أو التعتيم عليه؟
من هنا يمكن القول ان المكاشفة وتقديم الحقائق للمتلقي تساعد متخذ القرار على التعامل مع الواقع ودراسة خيارات مطروحة من الجانب الاعلامي لكن ليس معنى هذا أن كشف مشكلة أو بؤرة فساد أننا وصلنا آخر المطاف بل العكس إن مثل هذا العمل يساعد المسؤول على تصحيح مساره طالما أنه ليس طرفا في هذه المشكلة او متورطا في ذلك الفساد!.
وفي الوقت نفسه يجب ألا يستخدم الإعلام لتصفية الحسابات بين الأشخاص فقد أصبح المتلقي من الذكاء بحيث أضحى في امكانه التمييز بين المدافع عن الحقيقة والمدافع عن المواقف الشخصية ونجد الأول لا يخاف في قول الحق لومة لائم بينما الثاني له مصالحه وأهدافه الخاصة وعليه فقد أصبحت لدى المتلقي قدرة على التمييز بين من يستخدم الوسيلة الإعلامية للهدم والآخر الذي يستخدمها للبناء.
ولابد أن نشير إلى أن محتوى البرامج يحتاج الى مراجعة واعادة نظر من القائمين عليها فهناك من يتعامل فقط مع النصف الفارغ من الكوب ويصر على النظر الى الواقع من خلال منظار أسود رغم أن هناك الكثير من القصص والأحداث في مجتمعنا التي تدعونا إلى الفخر والالتفاف حول علم الوطن!