مستشفى «إمبابة المركزى»... للإهمال عنوان!!
مندوبو شركات الأدوية رموز «البيزنس» داخل وزارة الصحة
قسم الاستعلامات مسكن للأشباح والعناكب.. وأوراق المرضى تغطيها الأتربة
أصبح مستشفى التحرير العام بإمبابة الشهيرة بمستشفى إمبابة المركزى رمزًا للإهمال داخل أروقة وزارة الصحة والسكان، حيث طالت يد الإهمال الأجهزة الطبية، وتعالت صرخات البسطاء داخل المستشفى دون مجيب، ورغم تعليمات الرئيس السيسى بالاهتمام بتطوير المنظومة الصحية فى مصر، فإن هذه التعليمات لم تصل بعد إلى مسئولى مستشفى إمبابة المركزى.
فمن المعروف أن القطاع الطبى فى المستشفيات الحكومية، خصوصًا مستشفيات التأمين الصحى يعانى عجزًا فى الإمكانات ولكن مستشفى التحرير العام بمنطقة إمبابة يعانى مشكلة أكبر، فالمرضى يعلمون أن الأجهزة الطبية متوافرة فيها ولكن المسئولين يتعمدون ترك الأجهزة دون استخدام، وتحويلها إلى «روبابيكيا».
وما بين الفوضى والإهمال أهدرت كرامة المرضى داخل المستشفى ما جعل العلاج ليس حقًا للمصريين عكس ما ينص عليه الدستور المصرى بأن الدولة تكفل العلاج لكل المصريين.
وكشفت جولة «الوفد» داخل مستشفى إمبابة المركزى هذا الإهمال، كما حصلنا على بعض المستندات التى تؤكد هذا الإهمال وإهدار المال العام داخل المستشفى من خلال تحويل الأجهزة الطبية إلى خردة لصالح بعض الفاسدين، كما طال الإهمال أروقة المستشفى، بالإضافة إلى ضعف الإمكانات الطبية وبالتالى ضعف الخدمات المقدمة للمرضى حتى فى الحالات الحرجة، ولا عزاء للفقراء الذين لا يستطيعون دفع تكلفة العلاج فى المستشفيات أو العيادات الخاصة.
أجهزة روبابيكيا
أول ما لفت نظرنا فى مستشفى إمبابة المركزى هو وجود أجهزة حديثة وإمكانات ضخمة لم تتوافر فى العديد من المستشفيات الأخرى، ولكنها لا تستخدم ولا يستفيد منها الأطباء ولا المرضى، حيث شاهدنا عددًا كبيرًا من أسرة العناية والكراسى الطبية المخصصة لكبار السن وكراسى الانتظار مكدسة فى قسم الاستعلامات بدلاً من موظفى الاستعلامات الذين يجب أن يتواجدوا فى هذا المكان لإرشاد المرضى إلى أماكن العيادات وتنظيم استقبالهم.
كما تم تكديس جزء آخر من الأجهزة فى غرفة مهجورة بجوار عيادات المرضى، بينما تغطيها الأتربة وتفوح منها الروائح الكريهة، حيث أصبحت الغرفة مرتعًا للقطط والكلاب الضالة، بينما يقف بعض الأشخاص ليمنعوا أى إنسان يحاول توثيق هذا الإهمال فوظيفتهم هى التجول داخل المستشفى لرصد أى شخص غريب من غير العاملين بالمستشفى.
وعلى أبواب المستشفى تختلف الإجراءات الأمنية عن باقى المستشفيات الحكومية، حيث تم استبدال أفراد الأمن بصدادات حديدية لا تكلف وزارة الصحة والسكان أموالاً، بينما تقف وجوه غريبة تستقبل المرضى وهم عدد من البلطجية الذين يقومون «بتشهيل الأمور» للمرضى وتوجيههم لأماكن تلقى الخدمة العلاجية غير المتوفرة بالمستشفى.
وعندما تطأ قدماك منطقة استقبال المرضى بمستشفى التحرير العام تلاحظ هدوءًا تامًا وغيابًا لجميع العاملين، وبعد خطوات تلاحظ أفعالاً مريبة لا تدل على إنك متواجد داخل مستشفى لتلقى الخدمة الطبية، حيث تنتشر «الكلبشات فى أيدى سيدات بصحبة الشرطة»، الأمر الذى استوقفنى فهو أمر مرعب لكثير من المرضى، خصوصًا الأطفال المترددين مع أسرهم على المستشفى.
.jpg)
وبسؤال أحد الجالسين عن الأطباء والموظفين العاملين بالمستشفى فوصف الطريق وكأنه يصف مغارة، وبدخول هذه المغارة شاهدنا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، حيث رصدنا عددًا من المشاهد الكارثية عند الاستقبال وساحات العيادات، فكل ممر يحتوى على كوارث طبية مهملة عن أعين رقابة وزارة الصحة والسكان وضد خطة الرئيس لتطوير المنظومة الطبية المتكاملةً، وهى نموذج للمصالح الشخصية وأداء الواجب للأطباء ودور الواسطة فى توقيع الكشف الطبى على المرضى، بالإضافة إلى قيام «المخلصتية» باستغلال المرضى والبسطاء بتسهيل توقيع الكشف عليهم مقابل دفع مبلغ مالى.
وأكد أسامة حسن، 23 عامًا، من سكان المنطقة أن أطباء مستشفى التحرير العام يقومون بتحويل الحالات الخطيرة لمراكز وعيادات خاصة، مشيرًا إلى أن المستشفى يستقبل المرضى بدءًا من الساعة الثامنة صباحًا ورغم أن أعداد المرضى تقدر بالمئات يوميًا، فإن توقيع الكشف الطبى عليهم لا يستغرق أكثر من ساعتين، وأضاف أنه شاهد سيدة تصرخ أمام المستشفى وعلى كتفيها طفل صغير يصارع الموت، بينما يسير بجوارها عدد من جيرانها، ودخلوا إلى المستشفى ثم خرجوا منها خلال دقائق مؤكدين أن الطبيب قال للأم إن الطفل يحتاج لرعاية مركزة، اذهبى به إلى مستشفى خاص أو مركز لإسعافه دون أن يقوم بالكشف عليه، أو أحضريه إلى عيادتى الخاصة بمنطقة إمبابة ولكن السيدة صرخت فى وجهه قائلة: «حسبى الله الواد هيموت».
كما تحول قسم استعلامات المرضى إلى ساحة مهجورة تسكنها الأشباح وتتصاعد منها الروائح الكريهة وتخيم عليها الأتربة، بينما غيّرت خيوط العنكبوت ملامحها، وأصبح لا أحد يعرف طريقها إلا الأطباء والموظفين فى أول كل شهر بسبب وجود ماكينة صرف آلى بها، حيث يمتنع تواجد المرضى أو المواطنين به.
بينما شاهدنا المستندات الخاصة بالمرضى وأوراق حضورهم ومغادرتهم المستشفى، والأمراض التى يعانون منها وصور هواياتهم وشهادات الميلاد والفحوصات الطبية وتشخيص حالتهم المرضية من عام 2021 إلى عام 2022 ملقاة على

وبفحص هذه المستندات، تأكدنا أنها كانت فى عهدة «أميرة محمد» القائمة بساعة عمل العينة والنتيجة فى سجل الحالات الحرجة بتوقعها الشخصى بتاريخ 6/2/2022، ومحمد السيد القائم بالنتيجة فى سجل الحالات الحرجة بتوقيعه الشخصى بتاريخ 27/10/2021، وأسماء إبراهيم القائمة بساعة عمل العينة والنتيجة فى سجلات الحالات الحرجة بتوقيعها الشخصى بتاريخ 7/2/2022، وإسراء سعيد القائمة بساعة عمل العينات للمرضى فى سجلات الحالات الحرجة بتوقعها الشخصى بتاريخ 30/1/2022.
سبوبة عيادة العظام:
بدورها تقول أميمة حسن، 45 عامًا من سكان إمبابة، إن شقيقها الأصغر أصيب بكسر فى الساق اليسرى، وتم تركيب شرائح ومسامير فى مستشفى خارجى تابع للتأمين الصحى، ولكن حالته الصحية لم تتحسن منذ أكثر من ثلاثة أشهر حتى أصبح لا يستطيع الوقوف على قدميه، فتوجهت إلى عيادة عظام خاصة وبعد الفحص قال الطبيب إن تركيب الشرائح كان خاطئًا، ويجب إجراء عملية فى أسرع وقت حتى لا تحدث مضاعفات للمريض، وأضافت بسبب ضيق الحال وعدم قدرتى على تحمل تكاليف العملية بعد وفاة والدى حضرت إلى المستشفى، ووجدت طبيبين فى عيادة العظام، ولكنهما رفضا توقيع الكشف على شقيقى وقالا: «مش هنعمل عمليات ارجعى للدكتور بتاعك فى المستشفى اللى كنتى فيها».
الأشعة فى قبضة عاملة النظافة:
.jpg)
وفى غرفة السونار تجلس عاملة النظافة على «جردل يحتوى على زجاجات بلاستيكية ممتلئة بالمنظفات» وبصوت مرتفع وحاد تنادى على المرضى فهى القائم بأعمال تنظيم دخول المرضى إلى الغرفة، حيث تكون الأولوية فى الدخول لمن يدفع أكثر، ويشكو محمد سيد، 35 عامًا من سكان إمبابة، من أسلوب الترهيب الذى تتبعه عاملة النظافة داخل المستشفى حتى يستطيع الدخول لإجراء سونار لطفلته قائلاً: عند اعتراضى لتدخلها فى مهام الأطباء والممرضين قالت: «مش عاجبك روح اشتكينى يا حبيبى» ولو كترت فى الكلام هخليك آخر واحد تدخل العيادة، وتساءل محمد من الذى يدير مستشفى التحرير العام الأطباء أم عمال النظافة؟
بيزنس:
أما عيادة الأمراض الجلدية فشعارها هو «الدخول لأصحاب المصالح فقط» بينما ينتظر المرضى بالساعات ولا يستطيعون الدخول لمناظرة الأطباء لهم إلا بعد دخول الضيوف ومندوبى شركات الأدوية، وتشكو سيدة فى الخمسين من العمر من طول الانتظار لعرض نجلها على الطبيب قائلة نجلس بالساعات فى انتظار الطبيب وحين يأتى لا نستطيع الدخول إليه إلا بعد خروج مندوبى شركات الأدوية، وأحيانًا يطول انتظارنا لساعات دون مراعاة لحالات المرضى.
وحدة إسعاف الحالات الحرجة:
وفى أروقة المستشفى وقف ثلاثة مواطنين بينهم سيدة فى حالة إغماء يبحثون عن طبيب لإسعافها إلا أنهم لم يجدوا فراح أحدهم يبحث فى الممرات عن طبيب فوصف له البعض عيادة إسعاف الحالة الحرجة ولكنه لم يجد أحدًا بها، وقال س.ع، 25 عامًا من سكان إمبابة، إن أصحاب الحالات الطارئة لا يأتون إلى مستشفى التحرير العام بسبب ضعف الإمكانات والإهمال الواضح من الجميع، حتى إن الأطباء ينصحون المرضى بالحضور إلى العيادات الخاصة لتشخيص الحالة، على أن يقتصر دور المستشفى على التحاليل والأشعات فقط حتى الأدوية المجانية التى يحصلون عليها تكون غير مفيدة، خصوصًا فى الأدوية المزمنة، ويجب تجديدها حسب تطور الحالة المرضية، وهو ما لا يجده المريض فى مستشفى التحرير العام الذى أصبح خارج الخدمة.