رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

«البيت النفادى» سكة العابرين من الدراسة لسيدنا الحسين

بوابة الوفد الإلكترونية

أنت هنا فى مشهد مربك، لن تعلم، هل هؤلاء هم المصريون الذين باتوا حلنجية فى كل مقام، أم أنهم مازالوا البسطاء الذين كنت تسمع عنهم فى كل زمان، تنظر وتتساءل كيف تستطيع الحياة أن تتكالب على هؤلاء البشر بقلب بارد، فتمنحهم أسوأ ما فيها وبسخاء، جهل وفقر ومرض، فتضبط نفسك خجلاً، تسألها، كيف لنا نحن- من كفلت لهم الحياة قوت يومهم- ألا نكف عن الشكوى من مرارة الأيام مدعين قسوتها .

هذا المكان حقيقى، وليس لوكيشن لتصوير الفقر فى عمل سينمائى ، مثلما أبدع خيرى بشارة فى فيلمه الصادم «يوم حلو ويوم مر»، أو خالد يوسف فى «حين ميسرة».

إنه المنزل رقم واحد من حارة الفواطم بحى الدراسة، وهو ما يعرف بالبيت النفادي، يقيم سكانه فى أربع غرف منفصلة، يجمعهم حمام صغير مشترك، وتطل جميعها-الغرف- على ممر ضيق جدا.

الدخول إلى هذا المنزل، ينقلك من حى الدراسة إلى حى الحسين فى أقل من دقيقة، هى عمر مرورك فى ممر لا يزيد طوله على عشرة أمتار، والذى بناه صاحبه منذ أكثر من قرن، بهدف التخفيف عن المصلين الذين يريدون أداء صلاة الفجر كل يوم فى مقام سيدنا الحسين، بينما هم من سكان الدراسة فى الأساس، على الرغم من أن الوقت الذى يستغرقه المار من الدراسة للحسين، لو لم يمر من البيت النفادى، هو نصف ساعة على الأقل، حسبما يروى محمد زكى مرعى أحد ورثة المكان .

عندما تصل لبداية حارة الفواطم، يمكنك أن تشم رائحة الفقر قريبة منك، وعندما تسأل أى شخص عن عنوان فى حى الجمالية أو الحسين، سوف تسمع إجابة واحدة، ادخل من البيت النفادى.

سوف تتجه نحو مدخل، لن تستطيع أن تجزم، هل هو بيت أم حارة، فمشهد الناس وهى تتدافع من خلاله، يؤكد لك انه شارع، أما البوابة الخشبية المتهالكة والتى لم يصمد منها سوى الحلق، والتى عليك أن تنحنى قليلاً حين تمر منها، تخبرك أنه منزل، لكنه منزل ليس من حق سكانه غلق بابه عليهم عندما يأتيهم المساء، ولا فتحه عندما يأتيهم ضيف.

بعدما تمر من هذه البوابة، ستجد الممر المقصود إلى اليمين، أما إذا خطوت بضع خطوات للأمام، فستجد حوشاً صغيراً جدا، لا تزيد مساحته على متر مربع، يتفرع فيه غرف أربع، وحمام واحد صغير.

الغرفة الأولى لسيدة خمسينية، رفضت التصوير تماماً، وكادت ترفض الحديث أيضاً، وقالت: والنبى بلاش لحسن ولادى هيزعلوا لو نشرتوا صورتى، قالت: أنا ساكنة هنا من 55 سنة، كان إيجار الأوضة خمسة عشرة قرشا، دلوقتى بندفع خمسة عشر جنيها.

فتاة فى العاشرة من عمرها تقريباً، تجلس على كرسى متحرك فى حالة عجز شبه كامل، كانت تتوسط

الغرفة الثانية المتسعة بعض الشيء، بجانبها فراش قديم وكنبة بلدى وامرأة تجلس فى وسط الحجرة،  تجهز بعض الخضر التى ولابد أنها ستطهوها بدون لحم.

 ألقينا على السيدة السلام، ولم نستطع أن نخبرها أننا صحفيون، جئنا لنقدم موضوعاً صحفياً عن سكان البيت النفادى، شعرنا بالحرج وكأننا جئنا نشاهد فقرهم ونعريه، فما كان منا إلا أن سألناها: مش عايزة حاجة يا حاجة؟ فكان ردها: شكراً، لا مش عايزة حاجة، ولا عايزة حاجة للأمورة الصغيرة دى؟ ربنا يكرمكم، مستورة والحمد لله. تركناها ولم تتركنا الدهشة من عفة النفس التى مازالت تقابل بها هذه السيدة الحياة، رغم قسوتها. وفى الغرفة الثالثة، جلس رجل سبعينى، من الواضح انه يسكن وحده، فالغرفة لا تتسع سوى لفراش صغير لا يمكن ان يستخدمه اكثر من شخص، أما الغرفة الرابعة فقد تحولت لفرن بلدى صغير، تراص أمامه الصبية والعجائز فى زحام ليس كبيراً.

ويعود محمد زكى مرعى أحد ورثة المكان ليقول: أنا من الجيل الثالث الذى ورث المنزل، ولى شركاء فيه، أخوات وأبناء عمومة، والبيت يشغل حوالى قيراط و النصف، أى أكثر من مائتى متر، ومع ذلك لا يحتوى على أكثر من أربع غرف صغيرة فى الطابق الواحد، لأن معظم مساحة الأرض راحت فى الممر اللى بناه أجدادى، والبيت كان بيتكون من طابقين فقط، وأزيل الطابق الثانى لأنه كان فيه خطورة على السكان، واحد من  شركاتى فى البيت قالى نقفل الممر ونريح دماغنا، لكن أنا خفت ييجى حد يعدى عشان يصلى الفجر فى الحسين، يلاقى الممر مقفول، فيدعى علىّ.

تركنا حارة الفواطم والبيت النفادى وسكانه، ورائحة الخبز فى المكان مازالت تملأ أنوفنا، فلا شيء يميز المكان أكثر من رائحة الخبز التى تخبرك أن هؤلاء البشر اكتفوا من الحياة برغيف العيش.