رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

نحِن إلى ما مضى. نستبشر ببرامج تليفزيونية كُنا نتابعها بشغف وترقب فى الثمانينات والتسعينات مثل « نادى السينما»، و»عالم البحار»، و»مواقف وطرائف»، و»العلم والإيمان».

تستلذ ذاكرتنا السماعية بأغانى الجيل المطور الذى نشانا معه: عمرو دياب، محمد منير، هانى شاكر، علاء عبدالخالق، وحميد الشاعرى.

نبتسم بمحبة إن شاهدنا باعة الروبابيكيا يعرضون تليفونا قديما بقرص، أو تليفزيونا أبيض وأسود تابعنا معه صغارا المشاهدات الأولى للدنيا. نتذكر بشوق مشهد ساعى البريد وهو يقف أمام منازلنا وينادى بصوت عال على فلان فى الطابق الثالث وفلان فى الطابق الرابع ليُسلمه رسالة من غائب كُتبت قبل أسبوع لتبث السلامات والتحيات والأخبار الجديدة.

نطالع بحنين ألبومات الصور القديمة لدينا (عندما كُنا نطبع الصور) لنسترجع أزمنة مرت بناسها وأحداثها وجمالها وسحرها وأزماتها ومشكلاتها، وهمومها.

نسرح أحيانا ( نحن أبناء مهنة المتاعب والوجع) فى مانشيتات لصحف ومجلات قديمة، كانت تقلب البلاد وتُحرك العباد، وتُغير الأحوال، ونتحسر على انطفاء مهنة وخمول نُخبة. نُفتش فى مقالات قديمة لنتذكر أعمدة مؤثرة مثل «فكرة» لمصطفى أمين، و«يوميات» لكمال عبدالرؤوف،«قطايف» لجمال بدوى، و«مواقف» لأنيس منصور، وغيرهم.

لا تصدق ابنتى الشابة أننا كنا نحيا بلا فيس بوك أو تويتر أو محمول. كيف كنتم تعيشون؟ تندهش شقيقتها الأصغر قليلا من قدرتنا على مشاهدة الأفلام أبيض وأسود. تقول إنها لا ترى شيئا، ولا تعرف كيف نُميز الممثل من الممثل الآخر. يستغرب ابنى وأنا أحكى له قصة فتاة كندية كُنت أراسلها وأنا فى عمره، وظللنا أصدقاء لعشر سنوات رغم أن الفارق بين رسالة وأخرى كان يطول لعشرين يوما أو أكثر. يسألنى فى ضجر: كيف كنتم تحتملون هذا الملل؟ فالحب اليوم تيك أوى، سريع الوتيرة وربما من يتأخر دقائق يفقد غرامه.

تسارع الزمن كقطار لا يتوقف فى المحطات. تبدلت أحوال وتغيرت سلوكيات. فقدنا أحباء رحلوا عن دُنيانا، وفقدنا آخرين مازالوا أحياء لكن أرواحهم تغيرت وقلوبهم تقلبت. صعد أناس وهبط آخرون. تغيرت خرائط دول، وتبدلت مواقف ساسة. ولدت أفكار جديدة، وشطبت أفكار تصورها البعض يقينية. غلب التطور كل شيء. اكتشفت عقاقير لعلاج كثير من الأمراض المستعصية ولم يعد الطب الحديث يعترف بعبارة «مرض لا علاج له»، وزاد متوسط عمر الإنسان فى العالم، وازدادت أعداد المعمرين فى كثير من البلدان.

رغم كل هذا، فالماضى بالنسبة لى وربما لمعظم أبناء جيلى، وربما لكافة الأجيال هو الجنة بعينها. الجمال الذى نتطلع إليه منبهرين، اليوتوبيا التى نستلهمها بحثا عن الطمأنينة. لذا نصفه دائما متحسرين، وتتكرر على ألستنا عبارة «زمن الفن الجميل» و«زمن الحب الجميل». نقول عن الساسة فى الماضى «كانوا رجالا عظاما» رغم اننا كنا ننتقدهم فى ذلك الوقت، وربما كنا نلعن الزمن كله.

وهذه هى النوستالجيا. الحنين الدائم للماضى. وهى سمة عامة لا تخص مجتمعا بعينه، فكل إنسان ملتصق بالماضى كحركة مقاومة مستحيلة لقطار الزمن. وربما نحن ننجذب للماضى لأننا كُنا أصغر عمرا، وأكثر قوة، وأعلى حماسا، وأشد عزما.

لكن الحكماء يقولون لنا: «اكسب لحظتك الآنية واستمتع بها» فلا سكون فى الكون، وكل شيء سيزول إلا الطيب.

والله أعلم.

[email protected]