رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى نسيج الأدب الفلسفى يتألّق رالف والدو إيمرسون (1803-1882) وجبران خليل جبران (1883-1931) كنجمين لامعين، يرشدان الحائر والتائه فى وديان الوجود.

كل منهما نسّاج بارع للأفكار، ومع ذلك فإن خيوطها، على الرغم من تشابكها، تشكّل أنماطًا متميزة.

الاعتماد على الذات هو حصن إيمرسون الحصين وحديقة جبران الغنّاء. إن اعتماد إيمرسون على نفسه، كما أوضح فى مقالته الشهيرة،“Self-Reliance, 1841” هو بمثابة حصن بناه حجرًا على حجر مع الإيمان بقدراته الكامنة، فهو يعلن: « ِقْ بنفسك». فالفرد بالنسبة له هو المركز ومصدر الحقيقة والفضيلة.

وفى المقابل، فإن الاعتماد على الذات عند جبران هو حديقة، حيث الذات ليست حصنًا بل زهرة، تتفتح فى انسجام مع أخواتها الأخريات. بالنسبة لجبران، الاعتماد على الذات ليس عزلة عن الآخرين بل مخالطة معهم.

والطبيعة هى سيمفونية إيمرسون وأغنية جبران. يرى إيمرسون الطبيعة سيمفونية فيها يلعب كل عازف على آلته فى تناغم مع الآخر. فهو يرى فى الطبيعة انعكاسًا لقوى غيبيّة: «الطبيعة ترتدى دائمًا ألوان الروح».

أما جبران فيرى الطبيعة أغنية، لحنًا يتردّد صداه فى أروقة النفس البشرية. الطبيعة بالنسبة لجبران ليست مرآة عاكسة، بل مصباح يكشف بنوره ما توارى من حقائق الوجود. يقول فى كتابه «دمعة وإبتسامة»: «ونظرتُ تلك الساعة نحوَ الطبيعة الراقدة وتأمّلت مليًّا فوجدتُ فيها شيئًا لا حد له ولا نهاية. شيئًا لا يُشْتَرى بالمال. وجدتُ شيئًا لا تمحوه دموع الخريف ولا يُميتُه حزن الشتاء.. شيئًا لا توجِدُه بحيرات سويسرا ولا منتزهات إيطاليا. وجدتُ شيئًا يتجلّد فيحيا فى الربيع ويثمر فى الصيف. وجدتُ فيها المحبة».

والخبرة هى بوتقة انصهار فى نظر إيمرسون وقماش لوحة فنيّة عندَ جبران. يرى إيمرسون أن التجربة هى بمثابة بوتقة انصهار حيث تتشكّل المادة الخام للحياة على شكل حكمة: «الحياة كلها عبارة عن تجربة. كلما زاد عدد التجارب التى قُمتَ بها، كان ذلك أفضل».

لكن جبران يرى أنّ كل شيء عظيم وجميل فى هذا العالم يتولَّد من فكرٍ واحدٍ أو من حاسةٍ واحدةٍ فى داخل الإنسان. ويتخيّل التجربة وكأنّها قماش لوحة زيتية، حيث كل لحظة هى ضربة فرشاة، ترسمُ صورةَ الذات: «ألَمُك هو كسْر القِشرة التى تحيط بفهْمِك». التجربة بالنسبة لجبران ليست مجرد صياغة كلامٍ وتناسق ألوانٍ، بل هى إنسات فنّان، يخلقُ الجمالَ من رماد الألم.

وفى حين يختلف إيمرسون وجبران فى مناهجهما الادبية الفلسفية، فإن كليهما يقدّمان رؤى عميقة حول طبيعة الذات والكون والتجربة الإنسانية، ما يعكس تفسيراتهما الفريدة للعالم الطبيعى. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، يشترك كلا الكاتبين فى التقدير العميق للترابط بين كل الأشياء والقوة التحويلية للتجربة الفردية. أفكارهما، مثل نهرين يندمجان فى نهر واحد، يتدفقان معًا لإثراء فهمنا للحالة الإنسانية.