رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ونس الدكة

من أجمل الكتابات التى تجد متعة كبيرة وأنت تقرأها هو ما رصدته عيون ومخيلة سفراء مصر فى الخارج عن البلاد التى زاروها وعاشوا فيها لعدة سنوات بحكم عملهم الدبلوماسى وتفاعلوا مع عادات وتقاليد شعوبها، والجمال هنا ليس فقط فى نهر المعلومات المتدفق عن البلد الذى يتحدثون عنه، ويقدمونها لك بأسلوب أدبى راق، ولكن أيضًا لأن كتابات سفرائنا فى الخارج عن تلك البلاد التى زاروها تصبح مع الوقت وثيقة تاريخية هامة عن هذه البلاد فى تلك الحقبة الزمنية التى عاشوا فيها، كما تمثل كتابات السفراء المصريين أيضًا التنقيب الواعى عن المشترك الإنسانى بيننا كمصريين وبين شعوب العالم الحالمة مثلنا بالتقدم والرفاهية ومساعدة دول الجوار.

ومن هؤلاء السفراء المصريين المبدعين السفيرة الدكتورة عبير بسيونى التى أهدت منذ أيام قليلة كتابها «التجربة النرويجية» لمارجيت والسو، مديرة هيئة ترويج الأدب النرويجى بالخارج «نورلا» التى يحل بلدها ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام 2024.

وأعربت مارجيت والسو عن سعادتها البالغة بهذه اللفتة الرقيقة، وقالت إنها سعيدة وممتنة جداً لكم الترحاب والدفء الذى وجدته فى مصر وكذا تفاعل الجمهور مع الكتاب والفعاليات النرويجية.

ولكن وقبل الحديث عن كتاب «التجربة النرويجية» كأول مؤلف يلقى الضوء عن ذلك البلد البعيد النرويج بعيون مصرية، علينا أن نقترب من صاحبته أولًا السفيرة المصرية عبير بسيونى، وهى كاتبة وأديبة بدرجة سفيرة، قبل أن تصبح سفيرة مصر السابقة لدى بوروندى، تخرجت د. عبير بسيونى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وحصلت على درجة الماجيستير فى إدارة الأعمال من جامعة ماسترخيت بهولندا، وعلى الدكتوراة فى موضوعات التدخل الإنسانى ومنظمة التجارة العالمية من جامعة القاهرة.

 لها مؤلفات عديدة منها: «أزمة الهوية»، و«ثورات الأمم»، «مصر ما بين الجغرافيا السياسية وقامة مصر الدولية»، وقد تأثرت السفيرة عبير بسيونى بوالدها الدكتور بسيونى رضوان أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر، حيث كان شاعرًا وله اهتمامات أدبية إلى جانب أبحاثه العلمية، ومن أبرز مؤلفاته كتاب «الجمال بين الفلاسفة والبلغاء» الذى يعد مرجعًا للكثير من المتخصصين، كما تأثرت أيضاً بجدها السفير سعد الفطاطرى الذى شكل تكوينها على هذا النحو، فقد كان هو الآخر شغوفاً بالكتابة الأكاديمية وهو صاحب كتاب «أفريقيا تلك السمراء التى أحببتها».

وكتاب «التجربة النرويجية» أصدرته الدكتورة عبير بسيونى رضوان، عن دار غراب للنشر والتوزيع منذ عام 2016، لكن قررت الاشتراك به فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2024.

تقول السفيرة عبير البسيونى عن كتابها «التجربة النرويجية» إنه دراسة وافية جداً عن النرويج بثقافتها وتاريخها وبيئتها ومنظماتها ونظامها السياسى.

كما تأتى مقدمة الكتاب بقلم الأستاذ الدكتور محمد رأفت الجويلى، المعين من قبل ملك النرويج «أولاف» أستاذاً غير متفرغ للتكنولوجيا الحيوية فى ١٩٨٨ بمعهد البيولوجيا الطبية بجامعة ترومسو بالنرويج كاشفة عن كيفية نجاح النرويج والنرويجون كبلد وكشعب فى أن تصبح من أغنى الدول الأوروبية وهى التى كانت أرضاً طاردة لأبنائها ومصدر قلق لجيرانها خوفًا من قبائل الفايكنج «غزاة الشمال»، لكنها لم ترض عن واقعها وكافحت لتغييره حتى تمكنت من أن تصبح خيرًا لأهلها ونعمة على جيرانها من الدول الإسكندنافية (السويد والدنمارك وفنلندا وأيسلندا) وسببًا لرفاهيتهم أيضًا، بل وتعمل على تقديم منح وعطايا لدول العالم الفقيرة وتسعى لنشر التعليم كسبيل للتنمية وهو بالفعل سبيل تقدم الأمم.

ويذكر الدكتور محمد رأفت الجويلى أيضًا فى تقديمه لكتاب الدكتورة عبير بسيونى «التجربة الدنماركية» أنه لا بد من الأخذ فى الاعتبار أن النرويج على الرغم من مواردها والجمال الطبيعى الذى تتمتع به كانت ولفترة ليست ببعيدة، واحدة من أفقر الدول فى أوروبا.

ترى الدكتورة عبير بسيونى أن النرويج تمكنت من الصمود فى عصر العولمة وحافظت على هويتها بالرغم مما تعرضت له من هزات داخلية وخارجية، وما زالت مستمرة بقياداتها الشابة المتجددة وبتقديرها لدور المرأة بشكل لا يتوافر فى دول العالم الأخرى.

وأشارت «بسيونى» إلى أن دراسة التجربة النرويجية هامة لنا كعرب ومصريين بشكل خاص، فالتواجد المصرى فى النرويج حديث ومرتبط ببدء اكتشافات البترول والغاز فى الستينيات، التى حولتها منذ السبعينيات لأكبر دولة أوروبية لإنتاج البترول، ومكنتها لاحقًا- بعد ارتفاع مستويات المعيشة بها- لأن تكون محط جذب للمهاجرين بعدما كانت منطقة طرد فى القرن الماضى، كأفقر دول أوروبا. وكانت الأفواج الأولى من المصريين من الفئات المتعلمة كالأطباء والمهندسين، حيث يسهل التعامل باللغة الإنجليزية فى الوسط النرويجى، ثم ازداد المهاجرون وتنوعت فئاتهم.

وتطرقت «بسيونى» إلى وجود علاقات وتقاليد تربط مصر والنرويج، حيث قالت: هناك تقاليد مشتركة بين البلدين خاصة فى الطعام، فالنرويجيون هم الشعب الثانى فى العالم - بعد مصر- الذى يعشق أكل السمك المملح (الفسيخ) ويصنعونه بطريقة مشابهة لمصر، وكذلك الرنجة النرويجية هى أكلة المصريين المفضلة. ويشير التاريخ إلى أن بعض العائلات النرويجية وصلت واستقرت فى مصر منذ القدم، كما تجلى فى أن أصول عائلة غالى (وهى من العائلات المشهورة فى مصر) من ناحية الأم (جدة بطرس غالى) هى نرويجية الأصل.

وبلغة الحكى قدمت الدكتورة عبير بسيونى، بعضاً من غرائب العالم التى حدثت بالنرويج، ومنها وصول أشعة الشمس لأول مرة فى التاريخ خلال فصل الشتاء فى أكتوبر ٢٠١٣، لقرية نرويجية نائية تسمى بلدة «روجوكان النرويجية».

وتوصى الدكتورة عبير بسيونى بضرورة الانفتاح على تجارب العالم لاستسقاء المفيد منها لحياتنا ومجتمعنا، فالإنسان فى كل مكان هو صانع الحضارة، والمقومات الطبيعية من حوله هى مجرد مثيرات وتحديات، وتفاعله معها هو ما يحدد مقدار قيمته وقيمة ما يملكه، فالنرويج كان من الممكن أن تستمر كأفقر دول أوروبا كما كانت لقرون لولا قدرة النرويجى- معتمداً على العلم والتكنولوجيا والإدارة والرؤية الواعية- على تطوير نفسه ووطنه وجعله نقطة جذب للعلماء والأيدى العاملة الماهرة.