ياسمين .... والحب الحرام
بأيّ ذنب قُتِلت... ذنبها أنها زهرة تفتح الربيع عند قلبها ونصب للحياة خيام عطر فاحت أعراشه وذاع شذاه... ذنبها أنها فتاة ، خُلِقت فتاة ، ناعمة ودود توّاقة للحب، فراشة وُئد صباها باكرا ومزقت الحياة أجنحتها بوحشية لا توصف...
فتاة في ريعان الفرح ، تنسحب من الحياة بعد جريمة ارتكبها في حقها أقرب الناس إليها، أبٌ كان من المفترض أن يكون السند والكتف التي لا تميل ، الوتد الذي لا تهزّه رياح شكّ ولا ظنون مخزية ، الحضن الذي كان من المفترض أن يحتويها عندما تنكر لها الجميع ، وجعلوا من لحمها فاكهة لمجالسهم وتندراتهم وحكاياهم التي لا تنتهي ، والتي تقتات على شرف الضعفاء المستنزفين المغلوبين...
نعم ياسمين إبنة الــ 18 عاما ، ابنة قرية تله إحدى قرى مركز ومدينة المنيا ، انهت دراستها المتوسطة ، وتفتحت عيناها على بن القرية ، والذي شغلها حبا وولعا ، على وعد بالزواج وعش الزوجية السعيد ، ولكن هيهات ان يحدث ذلك في قرى الصعيد ، والتي جبلت على عادات وتقاليد مازالت تعشعش في العقل ، وهو حديث الفتيات مع الشباب بالشوارع ، والإلتقاء على نواصي الحواري ، ((كبيرة من الكبائر )) ، قصة حب ياسمين وبن القرية ، تناولتها مصاطب قرية تله ما بين فكيهة وبهية وحسنية ، السيدات تهمس وتتغامز على حب ياسمين وإبن الجيران ، في الأسواق وعلى المصاطب ، ووصلت للشباب بالمقاهي .
يصل الأمر للأب عبد الله ، إبنتك في علاقة غير شرعية مع بن الجيران ، استشاط غضبا وغلى الدم في عروقه ، وتطاير الشرار من عينيه بفعل الشيطان الرجيم ، والذي امتلك أذناه موشوشا ( اغسل عارك ) واقتل بنتك ، العار لا يمحوه سوى الدماء ، ستعيش طول عمرك منكس الرأس إن سكتت على الأمر .
يدخل الأب على إبنته ممسكا بسكين ، ياسمين لمحت الشر في عيون والدها ، اقترب منها غاضبا ، لازم اغسل عاري اللي ( مرغتيه في التراب يا فاجرة ) ، ياسمين تبكي وتصرخ ، ارجوك متقتلنيش انا فتاة شريفة وطاهرة ، معملتش حاجة غلط ، صدقني يا ولدي ، متصدقش كلام الناس في بنتك ، انا شريفة وطاهرة ياولدي ، حرام عليك تموتني وتأخذ ذنبي حرام يا ولدي ، الأب وكأنه أصبح (اطرش ) لا يسمع سوى وشوشات الشيطان ، ( اقتل بنتك واغسل عارك ).
وفي لحظات ينهال الأب على (ياسمين )إبنته وفلذة كبده بعدة طعنات في الرقبة ، ياسمين تصرخ مستغيثة والأب يكمل طعناته حتى لفظت ياسمين البريئة انفاسها الأخيرة ، وهي تودع اركان المنزل واهلها والحياة بحلوها ومرها بدموع ساخنة ، ويتحول المنزل بين لحظة وضحاها إلى بركة دماء .
الأب يسرع بتسليم نفسه لمركز الشرطة ، ويعترف امام النيابة العامة قائلا ، انا قتلت بنتي حتى أغسل عاري ، دون حتى أن يتأكد من عذرية إبنته ، وإنها فتاة بكر ، ازهقت روح ياسمين وهي تشكو إلى الله بأي ذنبِِ قتلت ، ياسمين قتلت ضحية العادات والتقاليد ، حكيم القرية على المصطبة يحكي للجميع كان من الأجدر ان يفحص الأب إبنته قبل ان يتهور ، ويسفك دماء روح طاهرة بريئة ، لتذهب روح ياسمين نتيجة لوشاية وحكاوي أهل القرية .
الأب داخل جدران السجن المظلم ، يصرخ باكيا ، انا قتلت ابنتي بوشاية كاذبة ، إعدموني ، موتوني ، استحق الحرق ، ولكن ندم بعد فوات الآوان ، بعد موت ياسمين لاينفع الندم ، ياسمين فاضت روحها إلى ربها محتسبة أمرها عند الله ، الحق ، العادل ، بأي ذنبِِ قتلت ،ولينتظر والد ياسمين القصاص العادل في الدنيا والأخرة .