رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العولمة.. ما العولمة: نهاية الجغرافيا!

بوابة الوفد الإلكترونية

كأن العالم أو الفكر الإنساني لم يكن ينقصه المفاهيم القديمة التي حارت عقول الفلاسفة في تحديدها منذ اليونان القديمة وانتهاء بعصرنا الحديث، حتى جاء مفهوم العولمة ليضيف عبئاً جديداً على المفاهيم يعيد تذكيرنا بقصة الفيل والعميان الذين راح كل منهم يقدم تعريفاً للفيل قد لا يمت للواقع بصلة. على هذا النحو يتم التعامل مع مفهوم العولمة الذي تبلور حديثا خلال العقود الثلاثة الأخيرة وأصبح مفهوماً طاغياً كثرت المؤلفات بشأنه في الشرق والغرب على نحو أصبح معه من الصعب متابعتها.

في هذا الإطار جاء السفر الكبير الذي أصدره المركز القومي للترجمة مؤخراً ممثلا في كتاب «العولمة.. نص أساس» الذي يقع في 1150 صفحة من القطع الكبير، وبعيداً عن الروح التي يحاول الكتاب تناول العولمة على أساسها فإن ذلك لا ينفي كذلك الأساس التآمري إلى الحد الذي دعا البعض إلى التأكيد على وجود ما يصفه بـ «الإجندة الخفية للعولمة» وهو الأمر الذي أفرد له كتاباً نشره المركز القومي للترجمة كذلك تحت ذات العنوان المشار إليه. في ضوء الحيرة التي تنتابنا لا نجد أمامنا سوى التساؤلات بشأن تأثيرها علينا كعرب، والتي نجد إجاباتها في كتاب قام مركز دراسات الوحدة العربية على تقديمه للقارئ العربي في فترة مبكرة من الجدل حول العولمة تحت عنوان «العرب والعولمة».

إن الجدل الدائر حول العولمة كما يذهب كتاب جورج ريتزر «العولمة نص أساس» الذي ترجمه السيد إمام يعتبر بلا شك أحد الأسباب التي تجعل منها موضوعاً لا يدانيه في صعوبته أي موضوع آخر من الموضوعات التي تشغل تفكيرنا ومع ذلك فالأمر الأكثر أهمية بكثير هو عظم وتنوع وتعقد عملية العولمة التي تشمل تقريباً كل إنسان وكل شىء وكل مكان بطرق يصعب حصرها.

لقد أصبحت العولمة بحق كما يشير الكتاب، وبشكل متزايد موجودة في كل مكان، فنحن نعيش عصراً عولمياً أو بالأحرى في عصر العولمة، التي يمكن القول بحق إنها أهم تغير طرأ على التاريخ الإنساني وهو ما ينعكس في مجالات كثيرة ولا سيما في مجالات العلاقات الاجتماعية وبشكل خاص في تلك العلاقات والبنى التي تنتشر على نطاق واسع جغرافيا.

ومع اتساع نطاق تناول الكتاب تبدو حيرتك مع الفهرس الذي يقدم للمادة التي يتناولها المؤلف وتتنوع لتتطرق لقضايا لا تخطر لك على بال ويخوض في جوانب تثير الدهشة بشأن حدود العولمة ونطاق تأثيرها، حيث يفحص الكتاب الذي ينطلق من عدد من النظريات بدءا بالإمبريالية والأمركة والأمركة المضادة وصولاً إلى الليبرالية الجديد وبدائلها المتمثلة في الماركسية الجديدة والنماذج الكبرى للنظرية الثقافية، بفحص الأحداث المؤثرة في تاريخ العولمة والتدفقات والبنى الأساسية المقدمة في هذا السياق التاريخ وعلى ذلك وفي تلخيص لا شك أن مخل، فإن من بين الموضوعات الرئيسية التي يتناولها الكتاب الاقتصاد، الثقافة، التكنولوجيا، الميديا، الإنترنت، الهجرة، البيئة. والكتاب على ما يقدمه من وصف للعولمة إلا أنه يقدم في الوقت ذاته تحليلا نقديا لها.

من البدايات أو البديهيات يبدأ المؤلف رغم ضخامة العمل الذي قدمه فيتساءل هل هناك شىء اسمه العولمة؟.. وبعد تفنيد حجج المشككين يطور تساؤله قائلاً: إذا كان هناك شئ إسمه العولمة فمتى بدأت؟.. وعلى هذا النحو يأخذك خطوة خطوة للدخول في دهاليز هذه الظاهرة الجديدة التي أصبحت تحكم العالم وتحدد مسيرته. ومن الإقرار بوجود العولمة وتحديد بداياتها ينتقل بنا إلى مظهر آخر من تجليات العولمة يتعلق بما إذا كانت عولمة واحدة أم عولمات؟.. حيث يقرر حقيقة وجود أنواع أخرى من العولمة يتعين التعرف عليها وبلورة العلاقات القائمة بينها ومنها العولمة الإقتصادية والعولمة السياسية.. وغيرها من العولمات.

ويحاول الكاتب الإجابة عن سؤال يرتبط بسر الولع بالعولمة مقدما في هذا الصدد اجتهادات عدة بعضها يمكن قبوله والآخر يمكن رفضه واعتباره في عدد تسويق الوهم، فيشير إلى ما تذهب إليه آراء من أن العولمة سوف تجلب معها تحولا ديمقراطيا واسع النطاق، كما أن هناك دعوى بأن التقدم الاقتصادي يؤدي إلى الديمقراطية أو العكس، فضلا عما يراه البعض من أن الديمقراطية نفسها يتم نشرها بواسطة العولمة، وفكرة أن هذه الأخيرة تعجل بنشر المجتمع المدني الذي يتضمن المؤسسات والمنظمات المستقلة عن الدول القومية والسوق التي يمكن أن تقدم بديلا إن لم يكن معارضتهما ومناهضة سطوتهما.

ولأن الكتاب أقرب إلى الموسوعة فإن المؤلف لا يترك صغيرة أو كبيرة بشأن العولمة إلا ويحاول تناولها وفي هذا الصدد يقترب من نقد العولمة القائم على أساس ربطها بالغرب أو التغريب، فيشير إلى أن هناك الكثيرين ممن يربطون بينها وبين التغريب وأن ذلك يرتبط بشكل وثيق بمسألة معادلة العولمة بالأمركة، موضحاً أن هذه الأخيرة تندرج في هذه الحالة تحت العنوان الأشمل للتغريب على حد كبير عن طريق إضافة تأثيرها على ذلك الذي يتعلق بالأوربة. وهنا يشير إلى أنه من الشائع على هذا الأساس في الوقت الراهن نتيجة للعولمة ربط مصطلح التغريب بمفاهيم سلبية.

ويأبى الكاتب ألا أن يعرض لمستقبل الظاهرة التي يتناولها بالتحليل، فيشير إلى أنه بما أننا نتحدث عن أشكال متعددة من العولمة، أو أنه نظراً لعدم وجود عولمة واحدة فلن يكون هناك مستقبل وحيد لها، هذا فضلاً عن ضعف قدرة العلوم الاجتماعية على تقديم التكهنات المتعلقة بالمستقبل، وفي محاولة للوصول إلى نتيجة وسط ضبابية هذه الرؤية يقول إن العولمة بوجه عام ومعظم العولمات على الأقل سوف تستمر ومن المحتمل جداً أن تنمو وتتسع وتبدو هذه النبوءة الأكثر أماناً داخل الاقتصاد الذي تعولم أسرع من أي مظهر آخر من مظاهر العالم الاجتماعي. وإن كان يشير إلى أن التهديد الأكبر للعولمة يأتي من الاقتصاد نفسه حيث من المرجح أن تزدهر طالما كانت حالة الاقتصاد العالمي جيدة ومع ذلك فقد هددت الكوارث الاقتصادية في الماضي العولمة.

ودفاعاً عن العولمة وأنها ليست شراً خالصاً وهو المنظور الذي يتبناه الكتاب الثاني الذي سنعرض له في السطور المقبلة، يرد المؤلف على من يذهب إلى سلبية العولمة قائلاً إنه على الرغم من وجود الكثير من المظاهر السلبية، فإننا لن نقبل بالرأى الذي يذهب إلى أن العولمة شىء سلبي تماماً، مضيفاً أن مناقشة للمشكلات المرتبطة بالعولمة يجب ألا تشغلنا عن جانبها الإيجابي ومن ذلك تدفق المواد الصيدلانية التي تتسبب في إنقاذ حياة الكثيرين او الفرق الطبية التي تسهر على منع تفشي أوبئة جديدة وغير ذلك.

على عكس الصورة التي قد تكون وردية وقدمها لنا المؤلف في الكتاب السابق، فإن دينيس سميث يقدم لنا رؤية بالغة الكآبة في كتابه الأجندة الخفية للعولمة الذي ترجمه على أمين على، حيث يحذرنا المؤلف بلغة حاسمة لا يرتقي إليها الشك من وجهة نظره من أضرار العولمة قائلاً: إذا لم تغير العولمة اتجاهها وتطوي شراعها فإن الثمن المدفوع من صميم الحرية وحقوق الإنسان سيكون فادحا، وإذا مضينا على النحو الذي نعيشه الآن فستزيد نذر الشر التي قد

تفضي إلى نشوب حرب عالمية كبري بحلول منتصف القرن ومن ثم فإن الأمر برمته منوط بهوية الرابح في المعترك السياسي الذي تدور رحاه.

ومن المستقبل يبدأ مشيراً إلى أن فهم ما يخبئه لنا يعني النظر إلى الأجندة العامة للعولمة بهدف استجلاء ما يعتبره أجندة خفية. وتتضمن هذه الأجندة خمسة بنود يدور أولها حول كيفية مواكبة الولايات المتحدة الانهيار النسبي الوشيك في النفوذ العالمي لأمريكا، وكيف ستدار الحوكمة العالمية عندما يذوي النفوذ الأمريكي؟.. بعد ظفر الرأسمالية في النهاية فما هو نوع النظام الرأسمالي الذي ستكون له الهيمنة؟.. وما الآفاق العالمية المستقبلية لإيجاد منظومة تسوق حقوق الإنسان بدعم من الاتحاد الأوروبي؟.. ومع ازدياد انتقال السكان للحضر والتوقعات التي تشير إلى تمدن نصف سكان الدول النامية بحلول عام 2030 كيف يتسنى لهذه الكتل البشرية حديثة العهد بالتمدن الاندماج في الأنظمة السياسية والاجتماعية العالمية؟

ويعرض لمظاهر العولمة التي شهدنا دلائلها في كل مكان ومن ذلك حركة المال السريعة على المستوى العالمي بسرعة من وإلى عملات قومية مختلفة، مما سبب انهياراً اقتصادياً في أعقابه، وبحث الشركات متعددة الجنسيات بلا هوادة عن مصادر جديدة للطاقة والمواد الخام النادرة والعمالة الرخيصة، وتدمير الوظائف بفعل التكنولوجيا، وفقدان المواطنين الثقة في حكم الموظفين والفنيين وتصميم مجموعات على الهجرة من الدول الفقيرة إلى الغرب آملين في درجة أعلى على سلم الرخاء الاقتصادي، والتداخل المختلط بين مختلف الثقافات والجنسيات والعرقيات وما يتمخض عن ذلك من خوف وتمزق وصراع.

ويشير المؤلف إلى أنه من خلال الكتاب يعرض ما يصفه بمنحنى ثلاثي للعمليات التاريخية التي تشكل الأجندة الخفية للعولمة وهي كما يحددها: أطر العولمة، تنظيم الحداثة، فعاليات الإذلال، التي إن استمرت على دربها الحالي فلابد لنا أن نتوقع عواقب وخيمة مدمرة إبان انتصاف هذا القرن.

وفي الختام يشير المؤلف إلى أن الأجندة العلنية للعولمة تحاول التأكيد على أن العالم ملزم بالاختيار بين الإرهاب الإسلامي والحرية في شكل الرأسمالية المتحررة، وهذا الأمر غير صحيح كما أنه ليس من بين الأجندة الحقيقية، فالطرح الحقيقي الخفي يطالبنا بالاختيار بين الديمقراطية الرشيدة والدولة المهيمنة. ويبدو المؤلف وكأنه يرى أن مقدرات تحديد مسيرة هذه الخيارات تعتمد على رغبة وموقف الغرب، وهو الأمر الذي لديه قدر كبير من الوجاهة، مبدياً تخوفه من عدم اعتماد خيار الديمقراطية الراشدة، الأمر الذي قد يعني وجود مجتمعات تعاني الإذلال، فالخيارات التي يصيغها الغرب حالياً ستحدد الشكل الذي سيكون عليه العالم خلال فترة الثلاثين عاماً القادمة التي سيصبح الغرب فيها لا يتمتع بنفس القوة كما هو الآن وتتم صياغة هذه الخيارات في الخفاء دون اعتبار لم آل هذه الخيارات ونتائجها.

أين نحن كعرب من هذه العولمة؟.. هذا هو ما يحاول كتاب العرب والعولمة تناوله من خلال الندوة التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ونشره نهايات العقد قبل الماضي مع البدايات الأولى لتطور الظاهرة.. ولأهمية التعريف فإن الكتاب يضع يده على أقرب التعريفات للفهم العام حيث يشير في تناوله إلى أن العومة هي تذويب الحدود بين الدول فيما يعني نهاية الجغرافيا وكذلك انتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس. ومن التعريف يتطور تناول الكتاب لاستعراض دور التطور التقني في تنامي ظاهرة العولمة ثم تأثير العولمة على الدولة وما إذا كان ذلك يعني اضمحلالها وصولاً إلى تناول العولمة في الإطار العربي.

في الجزء المتعلق بتأثير العولمة على العرب يقرر الكتاب أن العرب مثل شعوب العالم الثالث يعيش أغلبهم في حالة فقر ويسقط عدد كبير منهم في هوة الحرمان ولما كان أغلب الأقطار العربية قد تعود الحصول على تمويل من الدول الغنية فإنه يتعين الإشارة إلى ظاهرة جديدة في هذا المجال حيث أدى نجاح الكوكبة وفشل التنمية في الوقت ذاته إلى توجه لدى الدول المانحة، نح تصفية ما يسمى معونات التنمية الرسمية أي المنح والقروض الميسرة المقدمة من دولة إلى دولة. من ناحية ثانية يشير الكتاب إلى أنه رغم الحديث عن ضرورة دخول العرب عصر العلم والتقانة، إلا أن الأوضاع العربية ما زالت على ما هي عليه. وفي محاولة لوضع روشتة عربية يذهب الكتاب إلى أن وحدة العرب الاقتصادية هي طوق النجاة من الأخطار التي تهدد مجمل الدول العربية مستقبلاً. ويمعن الكتاب في تقديم عدد من التصورات التي تدخل في إطار الوجوبيات المفارقة للواقع ومن ذلك إقامة منظومة أمنية إقليمية عربية، باعتبار أن الانحسار في الأمن القومي العربية يؤثر سلبياً وإلى درجة كبيرة في التنمية العربية وفي إمكانات العرب في مجابهة تحديات المرحلة الراهنة.