رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

توظيف الأموال.. فخ النصابين لإفلاس البسطاء

بوابة الوفد الإلكترونية

تزايدت فى الآونة الأخيرة عمليات النصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم تحت مسمى توظيف الأموال، لتعيد للأذهان الذكريات المؤلمة التي عاشها المصريون من ضحايا شركات الريان وشركات السعد والمرأة الحديدية هدى عبدالمنعم فى التسعينيات، ولتعود ظاهرة النصب لتصبح ظاهرة اجتماعية لافتة للنظر، خاصة مع تعثر الحالة الاقتصادية للمواطنين وضعف الفائدة البنكية ورغبة المواطنين من الثراء السريع والفرار من الفقر.

والمثير فى الأمر أن تلك الجرائم لم يعد الضحية فيها المواطن البسيط من الطبقة المتوسطة فقط، بل طالت أصحاب المستوي الاجتماعى الراقى أيضاً، مواطنون ذهبوا بأنفسهم ليضعوا «تحويشة» العمر فى شراء «التروماى» أو «العتبة الخضراء، فمنهم من يضع الملايين طمعاً في الربح السريع وآخرون أملاً في تأمين مستقبل أولادهم. وفي النهاية لا يجنون سوي الخيبة والخسارة، وبين عشية وضحاها ينضم الضحايا لطابور الفقراء بعد أن تبددت أرباحه ورأس ماله هباءً، فسلاح الإغراء المالى هو أفضل طُعم يلقي به النصابون لإقناع الضحايا بالكسب السريع عبر عمليات استثمار وهمية، حتى تنكشف الحقائق، ويجد عشرات المواطنين أنفسهم ضحية نصاب محترف استولى علي أموالهم واختفى وأصبح لا يمر أسبوع إلا وتطالعنا الصحف بخبر القبض على مستريح جديد في قضايا توظيف أموال، يخدع فئات المواطنين للاستيلاء على أموالهم، ومع اختلاف المسميات من الريان إلي المستريح، فالكارثة واحدة ضياع أموال المودعين، ومع تزايد تلك الجرائم يظل الضحايا حائرين وهم يلاحقون من سطوا على تحويشة العمر وغالباً ما يتبدد العمر في انتظار وهم لا يأتى رغم أن القانون وضع عدداً من القيود لتجريم عمليات التوظيف.

«الوفد» تحاول خلال هذه السطور الكشف عن الجرائم وكيفية استدراج الضحايا وطرح الأسباب التي أدت لتزايد هذا النوع من الجرائم وكيف يمكن رد أموال المودعين وطرق محاربة ألاعيب النصابين وطرقهم للتحايل علي القانون.

ظهرت لعبة توظيف الأموال في سبعينيات القرن الماضي، أثناء عصر الانفتاح في عهد السادات، تحت مسميات كثيرة أشهرها الريان، وكانت أرباح الريان وقتها من البورصات العالمية تصل إلى ملايين الجنيهات يومياً، ما دفع الكثير إلي هجر القطاع المصرفي والتوجه إلي شركته، قبل أن يتبين أن الأرباح المبدئية للمودعين كانت من أصول أموالهم، وأن تلك الشركات ومن بينها «الريان» استطاعت جمع المليارات وانتهت قصته بالحكم بالسجن لمدة 23 عاماً وسرعان ما كشفت تلك الألاعيب وهرب أصحابها إلى الخارج بثروات الضحايا، وشنت السلطات المصرية حملات عنيفة على شركات توظيف الأموال التي تسببت في ضياع ما يقرب من 3 مليارات جنيه، بعد أن نجحت في استقطاب شرائح كبيرة من مدخرات المصريين.

 

وهم الثروة

حالة الفوضي العارمة التى عاشها الاقتصاد المصرى بعد ثورة الخامس والعشرين وفترة حكم الإخوان تركت الكثير من السلبيات العديدة بعد انخفاض موارد الدخل القومي واتجاه الحكومة للتقشف،‏ وكان ظهور شركات توظيف الأموال أبرز معالم تلك الفترة والتي اعتمدت علي جذب العملاء بربحية أقلها 30%، فعدد جرائم النصب فى عام 2012 بلغ 200 جريمة، وتشير التقارير إلى تزايد الحالات منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن إلى أكثر من 800 جريمة توظيف أموال نجم عنها الاستيلاء على ما يزيد على 10 مليارات جنيه من أموال الضحايا.

ويرى مراقبون أن قضايا توظيف الأموال تمثل صفعة للجهاز المصرفى فى مصر حيث يشير اللواء محمد نورالدين مساعد وزير الداخلية الأسبق عن جرائم توظيف الأموال إلى استيائه من الجهاز المصرفى، مؤكداً أن سياسته خلفت أخطاء كثيرة أهمها فقدان الثقة فى التعامل مع البنوك والأجهزة المصرفية، فالفائدة البنكية أصبحت ضعيفة مقارنة بحجم التضخم الذى وصل إلى 15% فى حين أن البنوك تعطى فائدة 10% على الودائع طويلة الأجل و7.5% على صناديق التوفير، وقد توجه أغلب الشعب إلى مشروع قناة السويس حينما كانت الفائدة 12% فسعر الدولار لم تحافظ عليه الأجهزة المصرفية

حتى وصل إلى 8 جنيهات وهو أمر خطير».

ويكمل اللواء محمد نور حديثه عن أزمة الثقة واحتياج المواطن للفائدة المرتفعة قائلاً «المواطن ضحية للإغراءات التى يقوم بها النصابون الذين يعرضون 30%، ورغم أن كثيراً من المودعين يعلمون أنهم يغامرون بأموالهم لكنهم يسيرون فى فصول المؤامرة حتى آخرها، وللأسف الشديد بعد أن يستولى المتهم على أموال البسطاء ليس أمام المجنى عليهم سوى انتظار حكم المحكمة بالتحفظ على أمواله المتبقية لتقسيمها قسمة غرماء على المجنى عليهم».

ويشير اللواء محمد نور إلى العقوبة التى وضعها المشرع والتى لا تتناسب مع حجم الجرم الذى يرتكبه من يستولى على أموال الشعب ‎حيث إن المادة (1) من القانون رقم 146 لسنة 1988 الخاصة بالشركات العاملة في مجال تلقي الأموال قد حظرت في فقرتها الأولي علي غير الشركات المقيدة في السجل المعد لذلك بهيئة سوق المال أن تتلقي أموالاً من الجمهور بأي عملة وبأي وسيلة وتحت أي مسمي لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحاً أو مستتراً، ثم نصت المادة 21 من هذا القانون في فقرتها الأولي علي أنه «كل من تلقي أموالاً علي خلاف أحكام هذا القانون، أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها، يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد علي مثل ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها، ويحكم علي الجاني برد الأموال المستحقة إلي أصحابها.

 

ثورة لتصحيح المفاهيم

مع تزايد نفوذ وسائل الاعلام وانتشار المسلسلات التى تروج لمفاهيم الربح السريع وتغذية ثقافة الوهم، خاصة عندما تروي لنا قصصاً لفقراء تحوّلوا إلى أثرياء وأصحاب نفوذ وسلطة لتكون تلك ثقافة طبقة مجتمعية تعيش بيننا وهو ما تحذر منه دكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية تتحدث عن تغير ثقافة المواطن فى البحث عن المكسب السريع بدون تعب او عمل قائلة: «قلة الوعى والحيلة وتراجع فرص العمل ساعدت على تغيير منظومة القيم، وتلاشت ثقافة العمل والتشغيل للحصول لزيادة الدخل، فى الماضى كان المسنون هم من يعتمدون على أرباح البنوك لعدم قدرتهم على العمل والآن الوضع تغير فكثير من الشباب يبحث عمن يدير له أمواله دون أن يبحث ويبتكر، لذلك نحتاج إلى ثورة لتصحيح المفاهيم، فنشر ثقافة الثراء السريع لم تكن وليدة اللحظة وبدأت مع فيلم ومسلسل «على بيه مظهر» حينما روج الفنان محمد صبحى لفكرة الثراء السريع، وبات يمثل بوقاً للثقافة الاستهلاكية.