حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ص قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِى».
مَعَانِى الْكَلِمَاتِ:
«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى»؛ أَيْ: أَنَا أُعَامِلُ عَبْدِى كَما يَظُنُّ بِي؛ مِنْ إِنْجَاحِ مَرَامِيهِ أَوْ خَيْبَةِ مَقَاصِدِهِ، فَمَنْ يَئِسَ مِنْ رَوْحِ اللهِ، لَمْ يُعْطِهِ اللهُ تَعَالَى هُدَاهُ، وَأَمَّا مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَأَخَذَ بِالْأَسْبَابِ آتَاهُ اللهُ تَعَالَى أُكُلَ وَثَمَرَاتِ الْأَسْبَابِ.
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ تَعَالَى، وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِاللَّهِ لَا يَكُونُ مَعَ التَّوَاكُلِ وَتَرْكِ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ قَوْمًا تَرَكُوا الْأَسْبَابَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا بِهَا، وَتَرَكُوا الْعِبَادَاتِ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ، وَكَذَبُوا، لَوْ أَحْسَنُوا الظَّنَّ لَأَحْسَنُوا الْعَمَلَ، فَيَأْخُذُوا بِالْأَسْبَابِ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى رَبِّ الْأَسْبَابِ ـ، فَهَذَا هُوَ إِحْسَانُ الظَّنِّ بِاللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَدَعُ الْأَسْبَابَ جُمْلَةً، وَيَقُولُ: أَنَا أْحُسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى!! وَأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُنِى وَلَنْ يُدْخِلَنِى النَّارَ، كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ!!
فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ تَوَرَّطَ فِى الْإِرْجَاءِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَنْ يُعَذِّبَنِي!!
كَيْفَ يُعَذِّبُنِى وَأَنَا أَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟!! وَهُوَ لَا يُصَلِّى، وَلَا يَصُومُ، وَلَا يُزَكِّى، وَلَا يَحُجُّ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، وَلَا يَتَوَرَّعُ عَنْ مَعْصِيَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: اللهُ ﻷ سَيُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ؛ فَقَلْبِى نَقِيٌّ طَاهِرٌ -كَذَا يَقُولُ!!
وَفِى الْوَقْتِ عَيْنِهِ يَقُولُ: أَنَا أَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ!!
وَهَذَا وَهْمٌ كَبِيرٌ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْصِبُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُحَاسِبُ النَّاسَ عَلَى مَا قَدَّمُوا وَأَخَّرُوا، وَيُقِيمُ الْعَدْلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ.
«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى»: قِيلَ: مَعْنَاهُ، بِالْغُفْرَانِ لَهُ إِذَا اسْتَغْفَرَ، وَبِالْقَبُولِ إِذَا تَابَ، وَبِالْإِجَابَةِ إِذَا دَعَا، وَبِالْكِفَايَةِ إِذَا طَلَبَ الْكِفَايَةَ.
«وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِى»: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ [النحل: 128]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا * إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ [طه: 46].
وَهَذِهِ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ، فِيهَا تَأْيِيدٌ وَنُصْرَةٌ وَتَثْبِيتٌ، وَهُوَ فَوْقَ الْمَعِيَّةِ الْعَامَّةِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ؛ أَنَّهُ إِذَا دَعَا رَبَّهُ، سَيَسْتَجِيبُ لَهُ، وَإِذَا طَلَبَ مِنْهُ أَنَّهُ سَيُعْطِيهِ، وَإِذَا سَأَلَهُ الْكِفَايَةَ كَفَاهُ، وَإِذَا اسْتَعَاذَ بِهِ أَعَاذَهُ،
2- الْحَثُّ عَلَى تَغْلِيبِ الرَّجَاءِ عَلَى الْخَوْفِ.
3- دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ لِجَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَالتَّعَبُّدِ بِهِ لِلَّهِ ﻷ؛ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ الْحَقِّ: ﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [غافر: 60].
وَلِقَوْلِهِ -عَزَّ شَأْنُهُ-: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].
4- دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَعِيَّةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لِلَّهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؛ أَنَّ الْمَعِيَّةَ الْعَامَّةَ هِيَ: مَعِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ مِنَ اللهِ ﻷ بِجَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُ اللهِ ﻷ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: 4].
وَالْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ: مَعِيَّةُ التَّوْفِيقِ وَالْحِفْظِ لِعِبَادِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ عَالَمِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ [النحل: 128].
وَتَجْتَمِعُ الْمَعِيَّتَانِ فِى حَقِّ الْمُطِيعِ مِنْ عَالَمِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَتَنْفَرِدُ الْمَعِيَّةُ الْعَامَّةُ بِالْكَافِرِ.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا عَلِمْتَ فَاحْرِصْ يَا عَبْدَ اللهِ عَلَى كَثْرَةِ الدُّعَاءِ بِمَا يَنْفَعُكَ فِى دُنْيَاكَ وَبَرْزَخِكَ وَأُخْرَاكَ؛ لِتَظْفَرَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِكَ إِنْ عَاجِلًا وَإِنْ آجِلًا.
وَاحْرِصْ عَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِى تَظْفَرُ بِهَا بِمَعِيَّةِ اللهِ الْخَاصَّةِ فِى حَيَاتِكَ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالْحَيَاةِ الْأُخْرَوِيَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ كَانَ اللهُ مَعَهُ لَا يُضَيَّعُ، وَلَا يَخْسَرُ، وَلَا يَهْلِكُ.