عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحسين الزاوي يكتب : ليبيا والأمن القومي العربي

الحسين الزاوي
الحسين الزاوي

الحديث عن الأمن القومي العربي وعن متطلباته ومقوماته أضحى في الآونة الأخيرة أشبه ما يكون بالترف الفكري، بل ويذهب بعض أنصار ما يسمى بالواقعية السياسية إلى حد النظر إلى موضوع الأمن العربي المشترك كأنه جزء من البلاغة السياسية الفارغة، بخاصة في هذه المرحلة التاريخية الاستثنائية التي باتت تعيش فيها الدول الوطنية والقطرية وضعاً مأساوياً أصبح يهدّد بشكل جدي وجودها وكينونتها.
بيد أن من يزعمون التمسك بالواقعية لا يجدون في المقابل، أي حرج في الحديث عن وحدة أوروبية بين دول مختلفة ثقافياً ولغوياً واقتصادياً، وحتى حضارياً، كأنه أمر بديهي، أو تحصيل حاصل. ويندرج كل ذلك في سياق استراتيجية غربية معروفة، من حيث سياقاتها ومعانيها، ومن حيث رهاناتها ومراميها، تهدف إلى إشاعة اليأس في نفوس المواطنين العرب، وتسعى إلى الترويج في اللحظة نفسها لمرحلة جديدة من الفراغ الوجداني والحضاري وتؤسس لسقف مرتفع من الإسفاف الفكري في بنية الوعي السياسي العربي الأصيل الذي أسهم في قيادة حركات التحرر العربية من الاستعمار في منتصف القرن الماضي.
لقد طالت نيران الفرقة وحِممُ التشرذم والانقسام الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، وأصبحت بعض الدول العربية الكبرى، أثراً بعد عين؛ فقد ضاعت دمشق، وتفحّمت بساتينها، وصارت بغداد ثكنة أمنية مترامية الأطراف، بعد أن كانت حاضرة للحياة بكل مباهجها وعنفوانها. ويزحف الآن سرطان التقسيم الطائفي والعرقي والمناطقي نحو دول المغرب العربي وشمال إفريقيا، حيث تدور الآن في ليبيا إحدى أكثر المعارك شراسة، من أجل تحديد مصير المنطقة المغاربية برمتها، وتنفيذ ما بقي عالقاً حتى الآن من مشاريع الاستعمار الجديد. ويهدف بالتالي، مشروع دعم الدولة الافتراضية والفاشلة في ليبيا، إلى تصفية حسابات قديمة جديدة مع دول الجوار الإقليمي، وفي مقدمها مصر والجزائر؛ ومن ثم فإن الهجوم الإرهابي الأخير على منطقة بن قردان في تونس كان يهدف إلى إقامة إمارة «داعشية»، وصولاً إلى القضاء على أسس الدولة الوطنية في هذا البلد، والانتقال بعد ذلك نحو الجزائر.
وتجلى بذلك المشهد في صورة شديدة الوضوح، وانكشفت خيوط المؤامرة بعد نجاح قوات الأمن الجزائرية في إحباط الهجوم الإرهابي الذي استهدف محافظة الوادي الجزائرية المحاذية للشريط الحدودي الليبي. ولن نفشي سراً هنا، إذا قلنا أن استماتة السلطات السياسية في الجزائر من أجل المساهمة الفعّالة في إنجاح مسار المصالحة السياسية في تونس كان يهدف في المقام الأول، إلى الدفاع عن كيان الدولة في تونس، لأن سقوط هذا الكيان سيفضي حتماً إلى سقوط الدولة الوطنية في الجزائر، نتيجة للارتباط الوثيق ما بين الشعبين على مستوى ساكنة الحدود الغربية لتونس والحدود الشرقية للجزائر.
ويمكن القول في هذا السياق إن تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخيرة، أماطت اللثام عن الطابع الاستعماري للتدخل الأطلسي في ليبيا الذي قاد إلى إسقاط نظام القذافي، حيث اتهم أوباما صراحة حلفاءه الغربيين بالمسؤولية المباشرة عن حالة الفوضى التي تعيشها الآن ليبيا، وأكد أنه كان مخطئاً عندما اعتقد أن الأوروبيين يستطيعون بحكم قربهم الجغرافي من ليبيا، إعادة الأمور إلى نصابها بعد انتهاء عملية التدخل العسكري. وبالتالي فإن ما كان يعنيه أوباما بالقرب الجغرافي يتعلق بالدرجة الأولى بالمجال الحيوي وبالمحيط الجيوسياسي والجيواستراتيجي التقليدي للقوى الاستعمارية القديمة في شمال إفريقيا والمغرب العربي. ويبدو أن فرنسا وبريطانيا متمسكتان حتى الآن بإصرارهما على ارتكاب الخطأ نفسه من خلال مواصلة التدخل العسكري في ليبيا، حيث تشير تقارير أمنية عدة إلى أن قوات خاصة فرنسية وبريطانية، إضافة إلى مستشارين عسكريين، إيطاليين، يتواجدون الآن في ليبيا من أجل القيام بمهام عسكرية؛

في الوقت الذي تدعو فيه الأمم المتحدة ودول الجوار إلى ضرورة دعم الحل السياسي، من أجل تجنب التداعيات الخطرة التي يمكن أن يتسبب بها تفاقم الأوضاع في هذا البلد العربي الجريح.
وكان عرّاب ما يسمى بالربيع العربي، السياسي والمفكر اليهودي الفرنسي، صاحب الأصول الجزائرية: برنار هنري ليفي، قد عبّر منذ بداية الأحداث السياسية التي عصفت ببعض الدول العربية خلال سنة 2011، عن رغبته في أن تنتقل موجة هذا «الربيع» إلى الجزائر مسقط رأسه، من أجل تغيير النظام الموروث عن مرحلة ما بعد الاستقلال التي كانت سبباً في فقدان اليهود الجزائريين لامتيازاتهم ولنفوذهم، ومن ثم عاملاً مباشراً في هجرتهم الجماعية إلى فرنسا برفقة قدماء المستوطنين الفرنسيين، الذين غادروا الجزائر في صيف سنة 1962 من القرن الماضي.
والحقيقة التي لا شك فيها، هي أن اللوبي اليهودي الجزائري في فرنسا، ومعه قدماء المستوطنين ما زالوا يطمحون لإعادة تشكيل الخريطة الجزائرية والمغاربية، وفق ما يخدم مصالحهم الحيوية.
وعليه، فإن الحرص الذي يبديه الكثير منا من أجل الحديث عن ليبيا وعن غيرها من أقطار وطننا العربي الغالي، وعن الأمن القومي العربي، لا يأتي من فراغ، ولكنه نابع من الثقل البشري والحضاري للمنطقة بالنسبة لمجموع الدول العربية، من منطلق أن الجغرافيا البشرية العربية تتركّز في قسم كبير منها في منطقة شمال إفريقيا التي يقطن فيها أكثر من 170 مليون مواطن عربي. ونستطيع أن نزعم أن أي تغيير يحدث في الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة ستكون له تداعيات كارثية بالنسبة للأمن القومي العربي، أو على الأقل بالنسبة لما تبقى من هذا الأمن على صعيد التمثلات الجماعية، وعلى صعيد الوعي العربي المشترك.
ونستطيع أن نخلص عطفاً على ما سبق إلى أن المفكر الفرنسي برتراند بادي، كان محقاً إلى حد بعيد، عندما أكد أن الغرب استطاع أن يحوِّل جملة من المفاهيم والمقولات الافتراضية التي نسجها الخيال النظري والإبداعي للمفكرين، مثل مقولتي العقد الاجتماعي والمجال العمومي المشترك، إلى حقائق أسهمت، ولا تزال تُسهم بشكل فعّال في تطوير وإغناء الواقع الغربي، بينما يعجز العرب حتى الآن عن استغلال معطيات وحقائق واقعهم الجغرافية والثقافية والحضارية المشتركة من أجل بناء فضاء سياسي واقتصادي ومؤسساتي مشرق قادر على استيعاب الاختلافات الجزئية، اعتماداً على القواسم الكبرى التي تجمع الشعوب العربية من الرباط إلى المنامة.

نقلا عن صحيفة الخليج