بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ما وراء القرار.. لماذا سمحت كوريا الشمالية أخيراً ببث مباريات الدوري الإنجليزي؟

بوابة الوفد الإلكترونية

السؤال الأكبر الذي طرحه قرار الزعيم الكوري كيم جونج أون بالسماح ببث الدوري الإنجليزي ليس حول القيود المفروضة على النسخة المعروضة، بل حول سبب اتخاذ القرار من الأساس في هذا التوقيت تحديداً ، فما الذي يدفع دولة مغلقة تفرض سيطرة كاملة على المعلومات إلى فتح نافذة – حتى وإن كانت صغيرة – على كرة القدم العالمية؟

التحليل الأول يشير إلى البعد الداخلي، إذ تواجه كوريا الشمالية تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة. وفي مثل هذه الظروف، تلجأ الأنظمة عادة إلى تقديم محتوى ترفيهي يخفف الضغط النفسي على المواطنين، كرة القدم، باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، تُعد وسيلة فعّالة لتعزيز الشعور الجماعي وإشغال الجمهور عن قضايا الحياة اليومية. لكن النظام يريد القيام بذلك دون السماح بتدفّق غير مضبوط للمعلومات الخارجية.

السبب الثاني قد يرتبط برغبة القيادة في تأكيد الثقة بالنفس أمام شعبها. فالسماح ببث بطولة كبرى مثل البريميرليغ، مع فرض قيود صارمة عليها، يرسل رسالة غير مباشرة أن النظام قادر على التحكم حتى في المحتوى المستورد. 

وكأنه يقول للمواطن: "سنريكم العالم، لكن بشروطنا"، هذا يعزز صورة الدولة كقوة مركزية لا تهتز أمام الثقافة العالمية.

جانب آخر يتعلق بقدرة النظام على الاستفادة الاقتصادية. فمن المتوقع أن تساهم هذه الخطوة في رفع نسب المشاهدة للتلفزيون الرسمي، وربما تعزيز قيمة الإعلانات المحلية، حتى وإن كانت محدودة مقارنة ببقية دول العالم. كما يمكن للسلطات استثمار البث في تعزيز الخطاب الوطني، وإظهار “تفوق” النموذج المحلي مقارنة بالغرب، حتى لو كانت المقارنة رمزية.

في الوقت نفسه، قد يكون القرار محاولة لإظهار قدر من الانفتاح المحسوب أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد سنوات من الانتقادات المتعلقة بالعزلة والتضييق. ورغم أن الخطوة صغيرة، لكنها قد تُستخدم كورقة تفاوضية في أي نقاشات مستقبلية حول تحسين العلاقات أو تخفيف العقوبات.

ويبقى المؤشر الأهم هو وعي القيادة بارتفاع شعبية كرة القدم حتى داخل الحدود الكورية. فقد فشلت محاولات المنع الكامل في القضاء على رغبة الجمهور في متابعة الرياضة العالمية. ومع انتشار وسائل الوصول السرية للمحتوى الخارجي، أصبح السماح ببث نسخة مراقبة خياراً أكثر واقعية من الاستمرار في الحظر الشامل.

في النهاية، لا يمكن اعتبار قرار بث مباريات الدوري الإنجليزي تحولاً جذرياً في سياسة كوريا الشمالية، لكنه بالتأكيد خطوة محسوبة تكشف الكثير عن طريقة تفكير النظام. فهو يمنح الجمهور فسحة ترفيه، ويقدم نفسه كسلطة قوية ومتحكمة، ويرسل رسالة للخارج بأنه قادر على التفاعل – ولو جزئياً – مع عالم يتغير بسرعة.