بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

هل تُضعف أدوات الذكاء الاصطناعي أداء الأطباء في عملهم؟

بوابة الوفد الإلكترونية

يبدو أن الاقتباس الذي ذكرته يشير إلى الدور المتزايد للذكاء الاصطناعي في المجال الطبي. يمكننا القول إن هذا النوع من التقنيات يُعتبر خطوة كبيرة نحو تحسين مستوى الرعاية الصحية. هل تود مناقشة تأثير الذكاء الاصطناعي على الطب بشكل أوسع؟ أو ربما تبحث عن دراسة معينة تناولت هذا الموضوع؟

 

تكلفة خفيّة للذكاء الاصطناعي

لكن أبحاثاً جديدة تُشير إلى أن التعاون مع الذكاء الاصطناعي قد تكون له تكلفة خفية، إذ وجدت دراسة نُشرت في مجلة «لانسيت» لأمراض الجهاز الهضمي والكبد، أنه بعد 3 أشهر فقط من استخدام أداة ذكاء اصطناعي مصممة للمساعدة في اكتشاف الأورام ما قبل السرطانية أثناء تنظير القولون، أصبح الأطباء أسوأ بكثير في اكتشاف الأورام بأنفسهم.

 

فقدان المهارات

هذا هو أول دليل على أن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي قد يُضعف قدرة الطبيب على أداء مهاراته الأساسية المكتسبة من دون توظيفه للتكنولوجيا، وهي ظاهرة تُعرف باسم «فقدان المهارات». وقال الدكتور عمر أحمد، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى جامعة لندن، الذي نشر مقالاً افتتاحياً إلى جانب الدراسة: «إنها عملية ثنائية الاتجاه، نُدخل مُدخلات الذكاء الاصطناعي التي تؤثر على نتائجها، ولكن يبدو أنها تؤثر أيضاً على سلوكنا».

 

بدأت الدراسة مثل غيرها من تجارب الذكاء الاصطناعي في مجال الطب، إذ مُنح أطباء في 4 مراكز تنظير داخلي في بولندا، إمكانية الوصول إلى أداة ذكاء اصطناعي تُحدد الأورام المشبوهة أثناء إجرائهم تنظير القولون، وترسم مربعاً حول تلك الأورام في الوقت الفعلي. وقد أظهرت العديد من التجارب السريرية الكبيرة الأخرى أن هذه التقنية تُحسِّن بشكل ملحوظ معدل اكتشاف الأطباء للأورام ما قبل السرطانية، وهو مؤشر مُعتمد على نطاق واسع لأداء اختصاصي التنظير الداخلي. (انظر «الشرق الأوسط»: الذكاء الاصطناعي يُضعف قدرة الأطباء على اكتشاف السرطان).

 

ثم، وعلى عكس الدراسات السابقة، قام الباحثون بقياس ما يحدث عند إزالة الأداة.

 

تدني الأداء

في الأشهر الثلاثة التي سبقت طرح التقنية، اكتشف الأطباء أوراماً في نحو 28 في المائة من عمليات تنظير القولون، أما الآن، فقد انخفض معدل الكشف إلى نحو 22 في المائة، أي أقل بكثير من خط الأساس.

 

وكانت هذه دراسة ملاحظة رصدية، ما يعني أنها لا تستطيع الإجابة عما إذا كانت التكنولوجيا قد تسببت في انخفاض الأداء، فقد تكون هناك تفسيرات أخرى لهذا التأثير؛ على سبيل المثال، أجرى الأطباء ضعف عدد عمليات تنظير القولون بعد إدخال أداة الذكاء الاصطناعي مقارنةً بما كانت عليه الحال قبل ذلك، ما قد يعني أنهم أولوا اهتماماً أقل لكل فحص.

 

لكن الخبراء قالوا إن وجود تأثير تقليص المهارات ليس أمراً غير متوقع، فهذه الظاهرة موثقة جيداً في مجالات أخرى؛ فالطيارون، على سبيل المثال، يخضعون لتدريب خاص لصقل مهاراتهم في عصر القيادة الآلية.

 

مهارات «قديمة الطراز»

قال الدكتور روبرت واتشر، رئيس قسم الطب بجامعة كاليفورنيا، بسان فرنسيسكو، ومؤلف كتاب «قفزة عملاقة: كيف يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً في الرعاية الصحية وما يعنيه ذلك لمستقبلنا؟»: «أعتقد أن السؤال الكبير سيكون: وماذا في ذلك؟ هل هذا مهم؟».

 

من ناحية أخرى، أوضح واتشر أن هناك العديد من الأمثلة غير الضارة للتقنيات الحديثة التي أدّت إلى تجاوز بعض المهارات التقليدية. فعلى سبيل المثال، بفضل اختراع السماعة الطبية، أصبح من الصعب على كثير من الأطباء فحص قلب ورئتي المريض من دون استخدامها، على عكس ما كان شائعاً في القرن الثامن عشر.

 

لكن بالنسبة للدكتور أحمد، فإن الذكاء الاصطناعي يتميز بحاجته إلى إشراف بشري طويل الأمد، إذ تُدرّب الخوارزميات على فترة زمنية محددة، ومع تغير العالم من حولها، يتغير أداؤها -أحياناً للأسوأ- وتحتاج إلى مراقبة وصيانة لضمان استمرار عملها على النحو المنشود. وفي بعض الأحيان، قد تؤدي عوامل غير متوقعة، مثل تغيرات الإضاءة العلوية، إلى «اختلال نتائج الذكاء الاصطناعي تماماً»، على حد قوله.

 

ومن المفترض إشراك الأطباء في العملية لحماية المرضى من هذه الاحتمالات، «فإذا فقدت المهارات، فكيف سأكتشف الأخطاء؟» وفق تساؤل أحمد.

 

«خطر الفترة الانتقالية»

حتى لو كانت الأدوات مثالية، فقد حذّر واتشر من أن تقليص المهارات قد يكون خطيراً على المرضى خلال الفترة الانتقالية الحالية؛ حيث لا تتوفر أدوات الذكاء الاصطناعي في جميع الأنظمة الصحية، وقد يطلب صاحب عمل جديد من الطبيب الذي اعتاد استخدامها، العمل من دونها.

 

وفي حين يبدو تآكل المهارة واضحاً لمن يطّلع على بيانات آلاف الإجراءات، قال واتشر إنه يشك في أن كل طبيب لاحظ تغييراً في قدراته.

 

تراجع وأسباب غير واضحة

ولا يزال السبب وراء تراجع مهارات الأطباء بهذه السرعة عند استخدام الذكاء الاصطناعي غير واضح تماماً. فقد كشفت دراسة صغيرة لتتبع حركة العين أن الأطباء، عند اعتمادهم على الذكاء الاصطناعي، يميلون إلى التركيز بدرجة أقل على حواف الصور، ما يُشير إلى أن استخدام هذه الأداة قد يؤدي إلى تغيُّر في بعض المهارات الحركية المرتبطة بمراجعة الصور الطبية.

 

وأشار أحمد إلى احتمال أن الاعتماد المتواصل على مساعد ذكي على مدى عدة أشهر قد يؤدي إلى ضمور في القدرة المعرفية اللازمة لتقييم كل مسح ضوئي بدقة وعناية.

 

نظم محاكاة بدلاً من الأدوات الذكية

على أي حال، يدرس خبراء التعليم الطبي وقادة الرعاية الصحية بالفعل كيفية مواجهة هذا التأثير. وقد استثمرت بعض الأنظمة الصحية، مثل جامعة كاليفورنيا في سان دييغو هيلث، الجهود أخيراً في تدريب نظم المحاكاة، الذي يمكن استخدامه لمساعدة الأطباء على ممارسة الإجراءات دون استخدام الذكاء الاصطناعي للحفاظ على مهاراتهم، وفقاً للدكتور كريس لونجهيرست، كبير مسؤولي السريرية والابتكار في النظام الصحي.

 

حظر الذكاء الاصطناعي لطلاب السنوات الأولى في الطب

وقال الدكتور آدم رودمان، مدير برامج الذكاء الاصطناعي في مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن، إن بعض كليات الطب درست أيضاً حظر الذكاء الاصطناعي في السنوات الأولى من تدريب الطلاب.

 

إذا كان استخدام أداة ذكاء اصطناعي لمدة 3 أشهر فقط كافياً لتقليص مهارات الأطباء ذوي الخبرة المشمولين في الدراسة (في المتوسط، مارس الأطباء المهنة لمدة 27 عاماً تقريباً)، فماذا سيحدث لطلاب الطب والأطباء المقيمين الذين بدأوا للتو تطوير تلك المهارات؟

 

قال رودمان: «نُطلق على هذا بشكل متزايد اسم عدم اكتساب المهارات».