السديس من المسجد الحرام: تمسّكوا باليقين ولا تحزنوا.. إن الله معنا
في أول جمعة من العام الهجري الجديد 1447هـ، ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام، خطبة جمعة بليغة ومفعمة بالمعاني الإيمانية، ركّز فيها على عبر الهجرة النبوية ويوم عاشوراء، داعيًا المسلمين إلى التمسك بالتقوى، والتعلّق بحبل الله المتين، وتعميق الثقة واليقين بنصره سبحانه.
وأكد فضيلته أن التقوى هي جوهر العبودية وأصل النجاة، وأنها المخرج في زمن الفتن، قائلًا:"في زمان كشفت الفتن فيه قناعها وخلعت عذارها، لا بد للمسلم من التأمل والتدبر في حوادث الأيام، واستلهام العبر من قصص القرآن وسير الأنبياء، فكما قال الله تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾".
عاشوراء.. نصر بعد يأس ويقين لا يتزعزع
وتوقف فضيلة الشيخ عند مناسبة عاشوراء، مشيرًا إلى أنها تذكّرنا بقصة نبي الله موسى عليه السلام، حين خرج مع بني إسرائيل، فتبعهم فرعون وجنوده، حتى ظن القوم أنهم مدركون. لكن موسى عليه السلام قال بيقين الواثق بوعد الله:"كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ".
وتابع فضيلته:"فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر، فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم، ونجا موسى وقومه، وغرق فرعون وجنوده. وكان ذلك في يوم عاشوراء، فصامه موسى شكرًا، وصامه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أنا أحق بموسى منكم".
وأضاف أن في هذا المشهد درسًا خالدًا في اليقين بالله والتوكل عليه، مؤكدًا أن النصر يأتي بعد صبر، وأن حسن الظن بالله هو المفتاح لعبور الأزمات.
الهجرة.. تأسيس للهوية وبناء للأمة
وفي استحضار حدث الهجرة النبوية، أشار الشيخ السديس إلى أن النبي ﷺ حين كان في الغار مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه، لم تهتز ثقته بالله رغم أن الكفار كانوا قريبين جدًا، وقال لصاحبه:"لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا".
وأوضح أن الهجرة لم تكن هروبًا، بل كانت بداية لتأسيس حضارة، وانطلاقة لمشروع أمة، وبيّن أن التأريخ بها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان توثيقًا لهوية الأمة الإسلامية واعتزازًا بتاريخها وقيَمها.
ودعا فضيلته إلى استلهام هذه المعاني في واقعنا، مؤكدًا أننا أمة لها رسالة ممتدة عبر الزمان، تتجدد بالعمل والإخلاص والتوكل.
دعوة إلى الأمن والسكينة في زمن الاضطراب
وفي سياق معاصر، شدّد إمام المسجد الحرام على أن منهج المسلم عند وقوع الفتن هو اللجوء إلى الله، والإكثار من الدعاء والتوبة والاستغفار، مع اجتناب الخوض فيما لا يعني، وردّ الأمور إلى أهلها.
وقال:"الإسلام دين سلام لا صدام، يدعو إلى البناء لا الهدم، إلى التعمير لا التدمير، فما أحوج العالم اليوم إلى الأمن والسكينة، وما أحوج الشعوب إلى نبذ العنف والاقتتال، والتفرغ للتنمية والبناء".
عاشوراء.. عبادة وشكر واعتراف بالفضل
وختم الشيخ السديس خطبته برسالة شكر لله، قال فيها:"إن موسى ومحمد عليهما السلام حتى في لحظات النصر لم ينسوا الشكر، فصاموا يوم عاشوراء، اعترافًا بعظيم الفضل، فصوموا هذا اليوم، وعلّقوا قلوبكم بالسماء، وتذكّروا أن الله لا يضيع عباده، ولا يترك المؤمنين في ظلمة الطريق".